لا يزال محيط مدينة سرت، وسط البلاد، يشهد توتراً متزايداً منذ أيام على خلفية تصريحات طرفي الصراع في ليبيا ومواقفهما، آخرها تأكيد المتحدث الرسمي باسم الجيش الليبي، محمد قنونو، إصرار حكومة الوفاق على بسط سيطرتها على كامل التراب الليبي، فيما دعا برلمان طبرق الجيش المصري إلى التدخل.
وقال قنونو، في تصريح نشرته الصفحة الرسمية لعملية "بركان الغضب"، اليوم الثلاثاء، إن قوات الوفاق تؤكد موقفها الثابت والمستمر في الدفاع المشروع عن النفس. وأضاف "حان الوقت ليتدفق النفط مجدداً، والضرب على الأيدي الآثمة العابثة بقوت الليبيين وإنهاء وجود المرتزقة الداعمين لمجرم الحرب الذي أباح لهم أرض ليبيا وسماءها"، مؤكداً مضي قوات "الوفاق" في "ضرب بؤر التهديد أينما وجدت وإنهاء المجموعات الخارجة على القانون المستهينة بأرواح الليبيين في كامل أنحاء البلاد".
وتعهد قنونو لليبيين بالقول "نبشر كل الليبيين الشرفاء، أننا ماضون إلى مدننا المختطفة، ورفع الظلم عن أبنائها، وعودة مهجريها، وسنبسط سلطان الدولة الليبية على كامل ترابها وبحرها وسمائها".
تؤكد قوات الوفاق موقفها الثابت والمستمر في الدفاع المشروع عن النفس
ولا تزال محاور القتال في محيط مدينة سرت حتى الساعة تشهد هدوءاً حذراً منذ أكثر من شهرين، فقد أكد المتحدث الرسمي باسم غرفة تحرير الجفرة-سرت عبد الهادي دراه، أن الهدوء يخيم على مختلف محاور القتال في تخوم المدينة. مشيراً في حديث لـ"العربي الجديد" إلى إصرار قوات "الوفاق" على بسط سيطرتها على سرت والجفرة، ومؤكداً اكتمال الاستعدادات وانتظار الأوامر بشأن العمليات القتالية.
وكانت مليشيات حفتر قد هددت بأن "الأيام المقبلة تحمل الهلاك للعدو"، إذ أعلنت شعبة الإعلام الحربي التابعة لمليشيات حفتر، يوم الاثنين، أن المليشيات "في حالة الجاهزية الكاملة لصد أي هجوم" على سرت والجفرة، مشيرة إلى أن "الحقول النفطية لا تزال مغلقة ولن تفتح إلا عند تنفيذ شروط القيادة العامة". وتابعت في بيان أنه "على الرغم من الضغط الخارجي، فإن القوات المسلحة للجيش والقيادة (مليشيات حفتر) لا تزال مستمرة في قضيتها المتمثلة في تحرير الوطن بالكامل، وليس الدفاع عن سرت والجفرة فقط"، مضيفة أن "الأيام المقبلة تحمل الكثير من الخير للجيش والهلاك للعدو".
وكان مجلس نواب طبرق شرقي ليبيا، المؤيد للجنرال المتقاعد خليفة حفتر، قد دعا مساء أمس الاثنين، الجيش المصري إلى التدخّل "لحماية الأمن القومي" للبلدين، مشدّداً على أهمية تضافر الجهود من أجل "دحر المُحتلّ الغازي" التركي. وقال البرلمان في بيان إنّ "للقوات المسلّحة المصرية التدخّل لحماية الأمن القومي الليبي والمصري إذا رأت أنّ هناك خطراً داهماً وشيكاً يطاول أمن بلدينا".
وفي رده على القرار، حذر عضو المجلس الأعلى للدولة الليبي عبد الرحمن الشاطر، من أن إجازة مجلس نواب طبرق المؤيد للجنرال الانقلابي خليفة حفتر، للقاهرة التدخل العسكري في ليبيا، هي دعوة لقتل المصريين بالرصاص لمن لم يمت منهم بالعطش جراء "سد النهضة". وقال الشاطر، في تغريدة عبر حسابه على تويتر: "من عجائب القدر اختزال سلطة تشريعية منتخبة (برلمان طبرق) في شخص رئيسها (عقيلة صالح). إذاً ما لزوم بقية الأعضاء؟ ومن عجائبه أن يقرر (صالح) منفرداً دعوة مصر لإرسال جيشها إلى ليبيا".
وأضاف: "توريط مصر في حرب ستشغلها عن توفير مياه الشرب لمواطنيها، هي دعوة للقتل بالرصاص لمن لم يمت منهم بالعطش".
ولا يرجّح خبراء في الشأن الليبي تدخلاً مصرياً مباشراً لدعم مليشيات حفتر، مشيرين إلى اختلاط أوراق الميدان من جانب معسكر حفتر الذي شهد انهيارات كبيرة إثر انكسار قواته، جنوب طرابلس، ومناطق غرب ليبيا.
دعا مجلس نواب طبرق المؤيد لحفتر، الجيش المصري إلى التدخّل لدحر "المُحتلّ الغازي" التركي
ويوضح الباحث الليبي في العلاقات الدولية، مصطفى البرق، أن طلب برلمان طبرق التدخل من مصر يحمل معنيين، الأول أنه لم تعد لحفتر قوة يمكنها أن تواجه قوات "الوفاق"، والثاني رسالة موجهة للجانب الأميركي مفادها أن برلمان طبرق وبقايا معسكر حفتر لا يوالون الروس الذين باتوا مصدر إزعاج للأميركيين، خصوصاً أن واشنطن هددت بفرض عقوبات وعزلة على من يتمسك بالخيار العسكري.
ويرى البرق في حديثه لـ"العربي الجديد" أن مصر لن تتورط في المستنقع الليبي، ويبدو خيارها الوحيد حالياً هو التواصل والتشاور مع الأطراف الكبرى للتوصّل لتفاهمات بشأن مرحلة ما بعد سرت–الجفرة، وهو ما أشارت إليه تصريحات وزير الخارجية المصري سامح شكري، اليوم الثلاثاء، من أن بلاده تتواصل مع عدد من الدول لحل الأزمة الليبية، وعلى رأسها ألمانيا وفرنسا وإيطاليا ودول الجوار الليبي.
وبحسب البرق فإن السياسة المصرية تعمل دوماً على تحاشي التورط العسكري، فقد رفضت الانضمام للحرب على اليمن، كما أنها لم تتدخل بشكل مباشر في ليبيا إبان قوة حفتر وتوسّع قواته في السيطرة على معظم البلاد.
ويلفت الأكاديمي الليبي من جانبه إلى أن تصريحات قنونو الأخيرة تحمل في طياتها ما يشير إلى التوصّل إلى تفاهمات بشأن أزمة النفط. ويرى أن "بيان قنونو ركز الحديث على أزمة النفط التي تعتبر أزمة سياسية بعيداً عن العمل العسكري، ويبدو أن هناك تفاهمات بشأن عودة حفتر عن قراره الأخير بإعادة غلق المنشآت النفطية".
وبحسب البرق فإن قوات الوفاق ستدخل سرت–الجفرة دون حرب، فمن يسيطرون عليهما هم مرتزقة "فاغنر" الروسية، مشيراً إلى تواصل روسي مع حكومة الوفاق عبر أنقرة.
وكان وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، قد أكّد في تصريحات أمس الاثنين، أن بلاده سلّمت روسيا اقتراحات من حكومة الوفاق الوطني بشأن سرت والجفرة، مشدداً على ضرورة تسليم المدينتين لحكومة الوفاق. وأشار أوغلو إلى أن موسكو وأنقرة قد تعقدان اجتماعاً على مستوى الخبراء، ومن ثم الوزراء بشأن ليبيا.
وبحسب المحلل السياسي خليفة الحداد فإن المفاوضات بشأن النفط قد شارفت على الانتهاء، وعودة الإنتاج والتصدير مسألة وقت، لكنه أشار إلى أن تعقّد المسألة في الكواليس يعود إلى تعقّد مصالح حلف حفتر في ليبيا المرتبط بعدة دول كفرنسا وروسيا ومصر، وتضاربها بسبب ذلك.
وأوضح الحداد أن الملف الليبي بات معقداً، فهناك قلق أميركي من التوغل الروسي، وهناك خلاف فرنسي إيطالي من جانب، وتوتر فرنسي تركي من جانب آخر، مشيراً إلى أن الطريق لا تزال صعبة وغير ممهدة للوصول إلى حلول للأزمة السياسية.