خلال الأسبوع الماضي، وبشكل مفاجئ، دخلت حركة "طالبان" مرتين إلى مدينة فراه المجاورة للحدود الإيرانية في الغرب الأفغاني وخرجت منها بعد سقوط حوالي 300 من عناصرها بين قتيل وجريح. كما کبّدت الحكومة وسكان الإقليم خسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات. هجوم الحركة على المدينة لم يثر حفيظة المواطنين فحسب، بل حتى الموالين لها والمقاتلين في صفوفها، ذلك بسبب الغموض حول الهدف من وراء الدخول إلى المدينة من جهة وخسارة ما يقرب من 300 قتيل وجريح من عناصر الحركة من جهة ثانية.
وطرح المواطنون وعناصر الحركة أسئلة حول ما ادعته "طالبان" بشأن الهدف من الدخول إلى مدينة فراه، رغم تأكيدها أن "الهدف من دخول المدينة هو الاستيلاء على الأسلحة والذخيرة"، في حين امتلك المهاجمون من مسلّحي الحركة أسلحة لا يملكها الجيش الأفغاني نفسه.
من جهته، أكد قائد القوات الدولية في أفغانستان الجنرال جون نيكولسن، فور الهجوم، في بيان، أن "إيران تقف وراء توسع دائرة الحرب في غرب أفغانستان، وهي تموّل المسلحين بأنواع الأسلحة، وهي التي شجعت طالبان على ذلك وساعدتها"، ولكن حاكم إقليم فراه بصير سالنكي، رفض ذلك، مشيراً في حديث صحافي عقب الهجوم، إلى أنه "ليست هناك أدلة ملموسة تثبت تورط إيران". ونفى علمه بالجهة التي مدّت الحركة بالأسلحة المتطورة التي استخدمتها في فراه والتي انتشرت صورها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وفجّرت جدلاً عبرها.
وبعد يومين من استعادة القوات الأفغانية السيطرة على المدينة، توجّه وفد رفيع إليها، ضمّ وزير الدفاع الجنرال طارق بهرامي، ووزير الداخلية ويس برمك، ورئيس الاستخبارات معصوم ستانكزاي، والجنرال نيكولسن. وفي مؤتمر صحافي مشترك هناك وبحضور وجهاء المدينة وأعضاء البرلمان، ركز الجميع على نقطة واحدة هي "تدخّل إيران، وأن الحرب في فراه تخوضها طالبان لصالح طهران ولمصالحها".
ما حدث في فراه، دفع الجميع إلى صبّ جام غضبهم على الحكومة الأفغانية، ولكن في ما بعد كان ادعاء الحكومة بتدخل إيران لأجل إفشال المشاريع سيد الموقف. وهو ما أكده نائب رئيس مجلس الشيوخ محمد أصف صديقي، خلال جلسة خاصة للمجلس، بقوله إن "إيران تسعى لإشعال فتيل فتنة جديدة كي تشغل الحكومة الأفغانية عن المشاريع التنموية التي تضر إيران، مثل مشاريع السدود"، مطالباً الحكومة الأفغانية والمجتمع الدولي بـ"أخذ خطوات فاعلة إزاء القضية".
كذلك كرر الجنرال نيكولسن ادعاءه بأن "إيران وراء ما حدث ويحدث في إقليم فراه والمناطق المجاورة". حتى أنه من ضمن مطالب واشنطن الـ12 من إيران، التي أعلنها وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، يوم الاثنين الماضي، "التخلي عن دعم طالبان". وبينما اعتبر كثر أن "وراء موجة الحرب الجديدة في الغرب الأفغاني تدخل إيران ودعمها لطالبان"، لم يتم الاستبعاد أن يكون الهدف من وراء ما حدث في فراه خصوصاً وفي الغرب الأفغاني عموماً، محاولة لإيجاد مبرر لنشر القوات الأميركية والدولية على الحدود مع إيران، لا سيما أن هناك دعوات إلى ذلك.
وفي تعليق له على كل ما حدث، أكد السفير الإيراني لدى أفغانستان محمد رضا بهرامي، أن "كل ما قيل بهذ الصدد ادعاءات لا أساس لها، ولا أدلة تثبت ذلك"، مشيراً إلى أن "هذا ما قاله المسؤولون الإيرانيون للمسؤولين الأفغان مرات عدة". ولكن السفير اعترف خلال لقاء مع قناة "أريانا" المحلية، بأن "لإيران علاقات مع طالبان فقط لإقناعها بالحوار مع الحكومة الأفغانية، وليس لترويج العنف في أفغانستان أو في المنطقة"، لافتاً إلى أن "بلاده ترغب في إحلال الأمن في أفغانستان ومستعدة للتعاون بهذا المجال".
وبسبب سياسات الحكومة الأفغانية الأخيرة، خسرت باكستان سيطرتها تقريباً على سوق أفغانستان، المحتاجة في كل شيء إلى دول الجوار، لحساب إيران. الآن وبعد توتر العلاقات بين كابول وطهران، فقد يكون من ضمن أهداف الولايات المتحدة في أفغانستان أن تخسر إيران هذا السوق الكبير، وسيشكّل هذا الأمر ضربة كبيرة لها على مستوى المنطقة. ولا شك أن ما يحدث ضد إيران في أفغانستان قد يكون جزءاً من السياسة الأميركية الموسّعة ضد هذا البلد بعد إنهاء الاتفاقية النووية بينهما. ومن البديهي أن المواطن الأفغاني سيدفع الثمن في كلتا الحالتين: التوتر مع إيران، والسعي لإخراج السوق الأفغاني من قبضتها.