نص اتفاق أوسلو على قيام دولة فلسطينية فأين الدولة، وأين ملامحها ومعالمها، قال أوسلو بإنشاء سلطة وطنية فلسطينية فماذا تبقى من هذه السلطة التي أفضت لاقتتالنا وانقسامنا واعتقال الفلسطيني للفلسطيني، خرجنا من اتفاق أوسلو بمطار غزة الدولي فأين ذهب المطار، ولماذا لم تُحاسب إسرائيل على تدميره وهي وغيرها يعلمون أنه مطار مدني، وأين الميناء الذي شرعنا في بنائه ووضعنا قواعده ثم انتظرنا أن تسمح لنا إسرائيل بإدخال الإسمنت الخاص بأساسات الميناء؟
إن إجابة سؤال هل نجحنا في توظيف أوسلو سيختلف باختلاف من يريد الإجابة، ستجد فلسطينياً يرى أن اتفاق أوسلو كان إنجازاً وترتبت عليه مجموعة إنجازات، وستجد فلسطينياً آخر يرى في أوسلو نفقاً مظلماً وفخاً ضيع القضية والأرض والإنسان، هذا الاختلاف حد التناقض لم نستطع تجاوزه حتى اللحظة، ولم نجب على السؤال الفلسطيني ماذا نريد وكيف لنا أن نحققه؟ هل نريد البقاء في أوسلو أم الخروج عنه ومنه؟
هل نجحنا في إجبار إسرائيل على الالتزام بكل ما جاء في الاتفاق وعدم الخروج عنه والتنكر له، هل كان رعاة السلام عند تعهداتهم والتزاماتهم؟ هل أبقينا على الظهير العربي الداعم والمساند لنا، هل أبقينا بنادقنا كضمانة للتنفيذ؟ عندما انسحبت إسرائيل من قطاع غزة صيف عام 2005 هل انسحبت وفق ما جاء في أوسلو أم أنها انسحبت مجبرة؟ وعندما انسحبت هل نجحنا في توظيف الانسحاب؟ هل استفدنا من أرض المحررات التي انسحبت منها إسرائيل؟ لماذا اقتتلنا بعد عام ونصف من انسحاب إسرائيل ولماذا غلبنا خلافاتنا واختلافاتنا على مواجهة إسرائيل والاشتباك معها؟
هذه التساؤلات هي رواية فلسطينية ووجهة نظر فلسطينية تقابلها رواية أخرى مختلفة ترى أن اتفاق أوسلو وضع القضية الفلسطينية على الطريق وعلى المسار، وبفضله أصبحت فلسطين كياناً معترفاً به ولها حضورها في المحافل الدولية وأصبحت عضوا في مجموعة منظمات دولية. وما بين هذه وتلك تشكلت وجهة نظر فلسطينية أخرى لها أدبيات وممارسات أخرى مختلفة لم تر في أوسلو شراً مطلقاً أو خيراً مطلقاً، لكنها تقدمت صوب خيار ثالث هو كشف إسرائيل وحصارها ومقاطعتها.
نجحنا كفلسطينيين أن نحرج إسرائيل، نجحنا في إخراج القضية من قضية إنسانية إلى قضية سياسية وقضية تحرر، إلى حد ما، استمع العالم لصوتنا استطعنا أن نجرم إسرائيل، والأهم أننا استطعنا أن نوصل جرائم إسرائيل وممارساتها للعالم، حتى باتت هناك مقاطعة كبيرة سياسية واقتصادية وأكاديمية عالمية لإسرائيل، وأصبح هناك متضامنون ومتعاطفون مع فلسطين، استطعنا تغيير صورة الفلسطيني الإرهابي إلى الفلسطيني الضحية إلى الفلسطيني صاحب الحق كل الحق بدلا مما كانت تفعله إسرائيل وتروج له.
قراءة الفلسطينيين لإجابة السؤال هل نجحنا في توظيف اتفاق أوسلو؟ المؤيدون يرون أن الاتفاق نواة الدولة الفلسطينية ويرون أن الوقوف على أي شبر من أرض فلسطين هو إنجاز في حد ذاته، في المقابل يرى المعارضون أن نشأة السلطة في ظل وجود الاحتلال هو فخ ونفق وسيئ كله، وأننا بتنا حكما ذاتيا أو إدارة لإدارة ما يريده الاحتلال ويطلبه.
هكذا ضاعت كل الفرص وبقينا حتى الساعة نراوح مكاننا ما بين مؤيد للاتفاق وما بين معارض ولم نستطع إيجاد منطقة وسط يمكننا الوقف عليها. لم يستمر الوقوف طويلا، فالحاجة أم الاختراعات، وعليه استحدث فريق فلسطيني ثالث ما كنت قد أشرت إليه، استحدث مخاطبة العالم. ووضع فلسطين على الخريطة، بعدما قدمها أوسلو وأجبر العالم على الاعتراف بها وقد كانت هذه الخطوة أهم محددات هذا الفريق. أننا ندافع عن قضية ونحضرها بعدما اعترف العالم بها وأقرها وبعدما غلبنا السلام ووقعنا اتفاق أوسلو وقمنا بكل ما علينا في حين تملصت إسرائيل من كل ما عليها، التقط هذا الفريق هذا كله ووضع العالم أمام واجباته والتزاماته تجاه قضية فلسطين.
التقطت هذه القراءة الفلسطينية لرواية أوسلو الطريق إلى العالم اتجهت لوضع القضية الفلسطينية على المسار الدولي، ونجحت في إخراج القضية الفلسطينية من القمقم فأصبحت القضية الفلسطينية حاضرة دوليا وبدأت البوصلة تشير إليها وتستدير نحوها، أصبح العالم يعرف ماذا تعني المستوطنات أصبح هناك أناس مهتمون بمعرفة البضائع الإسرائيلية وتمييزها عن البضائع الفلسطينية أصبح هناك ثقافة زرعت أو صنعت في الأرض المحتلة.
قد لا نكون نجحنا كفلسطينيين في توظيف اتفاق أوسلو سياسيا وحصاد كل ما فيه، لكننا وضعنا إسرائيل في موقعها وباتت لأول مرة إسرائيل في دائرة الاتهام، وبات الفلسطينيون في دائرة الدفاع وتفهم العالم أن الفلسطينيين إذا شعروا بأنه لا مستقبل لهم فإنهم مجبرون على اليأس أو الذهاب للعنف، وإذا ذهبوا لا يلومهم أحد، هذا أحد التوصيفات التي تحدثت بها وزيرة الخارجية السويدية مارغوت والستورم، وأصبح العالم يقارن أفعال إسرائيل بأفعال داعش، بل وصل الأمر إلى حد تشبيه ممارسات إسرائيل بممارسات داعش. بدأت إسرائيل التي تحاصر قطاع غزة والضفة الغربية تشعر بالحصار وبالعزلة وتغيرت صورتها وتبدلت سمعتها وبات قادتها وضباطها مطلوبون في عدة عواصم ومحظور عليهم السفر إليها؛ وقد اضطرت وزيرة الخارجية تسيبي ليفني إلى الهروب من بريطانيا عقب حرب عام 2014.
لم تقدم الأمم المتحدة على مستوى الفعل شيئا يذكر للقضية الفلسطينية وبقيت قراراتها وقرارات مجلس الأمن حبيسة الأرشيف والأدراج، لكنها لم تعط إسرائيل الضوء الأخضر والشرعية القانونية والغطاء لتفعل ما تريد فعله في فلسطين، وأنصفت الحق الفلسطيني ولو متأخرا عندما قالت إنه لا علاقة لليهود بالمسجد الأقصى، هذا النجاح وهذا الانتصار الدولي والعالمي ومن على منبر منظمة التربية والعلم والثقافة كان نصرا وما زال بإمكاننا الانتصار على إسرائيل في المحافل والمواقع التي تقدمت فيها علينا والحرب سجال.
كي ننجح في توظيف اتفاق أوسلو يجب أن تتوحد رؤيتنا وروايتنا وأن نتوقف عن التصورات المشوشة وأن نخاطب العالم باللغة التي يفهمها من دون أن نسقط خيار المقاومة من حساباتنا، لكن من دون الاستغراق فيه أيضاً ووضع كل الرهانات عليه، ولا يمكننا التعويل أيضاً على أن اتفاق سلام أو تسوية مع إسرائيل كفيل بإعطائنا كل حقوقنا، دون أن يكون العالم معنا، وما بين هذا وذاك يجب أن تتحمل إسرائيل وتحاسب على كل جرائمها بحق فلسطين الشعب والأرض والقضية.
إننا نشتكي كفلسطينيين أن العالم يدير لنا ظهره ويدعم إسرائيل الآن بإمكاننا الذهاب لهذا العالم ومناداته ليقف معنا وبجانبنا بعدما شاهد بعينه جرائم إسرائيل، هذا هو ما يجب أن نوظفه ونستفيد منه وأظننا قد نجحنا ولحد بعيد فيه وهو المجال الذي حققنا فيه جولات على حساب إسرائيل التي تتفوق علينا عسكريا، هكذا نستفيد وهكذا يمكننا أن ننجح في توظيف اتفاق أوسلو وكل الاتفاقيات. ربما لن تدفع هذه الأحداث المتراكمة إسرائيل إلى الركوع أمام المطالب الفلسطينية الآن، ولكنها ستشكل مرتكزًا حيويًّا في مراكمة الإنجازات التي يمكن البناء عليها مستقبلًا وستؤثر على القرارات الإسرائيلية الاستراتيجية.
اقــرأ أيضاً
إن إجابة سؤال هل نجحنا في توظيف أوسلو سيختلف باختلاف من يريد الإجابة، ستجد فلسطينياً يرى أن اتفاق أوسلو كان إنجازاً وترتبت عليه مجموعة إنجازات، وستجد فلسطينياً آخر يرى في أوسلو نفقاً مظلماً وفخاً ضيع القضية والأرض والإنسان، هذا الاختلاف حد التناقض لم نستطع تجاوزه حتى اللحظة، ولم نجب على السؤال الفلسطيني ماذا نريد وكيف لنا أن نحققه؟ هل نريد البقاء في أوسلو أم الخروج عنه ومنه؟
هل نجحنا في إجبار إسرائيل على الالتزام بكل ما جاء في الاتفاق وعدم الخروج عنه والتنكر له، هل كان رعاة السلام عند تعهداتهم والتزاماتهم؟ هل أبقينا على الظهير العربي الداعم والمساند لنا، هل أبقينا بنادقنا كضمانة للتنفيذ؟ عندما انسحبت إسرائيل من قطاع غزة صيف عام 2005 هل انسحبت وفق ما جاء في أوسلو أم أنها انسحبت مجبرة؟ وعندما انسحبت هل نجحنا في توظيف الانسحاب؟ هل استفدنا من أرض المحررات التي انسحبت منها إسرائيل؟ لماذا اقتتلنا بعد عام ونصف من انسحاب إسرائيل ولماذا غلبنا خلافاتنا واختلافاتنا على مواجهة إسرائيل والاشتباك معها؟
نجحنا كفلسطينيين أن نحرج إسرائيل، نجحنا في إخراج القضية من قضية إنسانية إلى قضية سياسية وقضية تحرر، إلى حد ما، استمع العالم لصوتنا استطعنا أن نجرم إسرائيل، والأهم أننا استطعنا أن نوصل جرائم إسرائيل وممارساتها للعالم، حتى باتت هناك مقاطعة كبيرة سياسية واقتصادية وأكاديمية عالمية لإسرائيل، وأصبح هناك متضامنون ومتعاطفون مع فلسطين، استطعنا تغيير صورة الفلسطيني الإرهابي إلى الفلسطيني الضحية إلى الفلسطيني صاحب الحق كل الحق بدلا مما كانت تفعله إسرائيل وتروج له.
قراءة الفلسطينيين لإجابة السؤال هل نجحنا في توظيف اتفاق أوسلو؟ المؤيدون يرون أن الاتفاق نواة الدولة الفلسطينية ويرون أن الوقوف على أي شبر من أرض فلسطين هو إنجاز في حد ذاته، في المقابل يرى المعارضون أن نشأة السلطة في ظل وجود الاحتلال هو فخ ونفق وسيئ كله، وأننا بتنا حكما ذاتيا أو إدارة لإدارة ما يريده الاحتلال ويطلبه.
التقطت هذه القراءة الفلسطينية لرواية أوسلو الطريق إلى العالم اتجهت لوضع القضية الفلسطينية على المسار الدولي، ونجحت في إخراج القضية الفلسطينية من القمقم فأصبحت القضية الفلسطينية حاضرة دوليا وبدأت البوصلة تشير إليها وتستدير نحوها، أصبح العالم يعرف ماذا تعني المستوطنات أصبح هناك أناس مهتمون بمعرفة البضائع الإسرائيلية وتمييزها عن البضائع الفلسطينية أصبح هناك ثقافة زرعت أو صنعت في الأرض المحتلة.
قد لا نكون نجحنا كفلسطينيين في توظيف اتفاق أوسلو سياسيا وحصاد كل ما فيه، لكننا وضعنا إسرائيل في موقعها وباتت لأول مرة إسرائيل في دائرة الاتهام، وبات الفلسطينيون في دائرة الدفاع وتفهم العالم أن الفلسطينيين إذا شعروا بأنه لا مستقبل لهم فإنهم مجبرون على اليأس أو الذهاب للعنف، وإذا ذهبوا لا يلومهم أحد، هذا أحد التوصيفات التي تحدثت بها وزيرة الخارجية السويدية مارغوت والستورم، وأصبح العالم يقارن أفعال إسرائيل بأفعال داعش، بل وصل الأمر إلى حد تشبيه ممارسات إسرائيل بممارسات داعش. بدأت إسرائيل التي تحاصر قطاع غزة والضفة الغربية تشعر بالحصار وبالعزلة وتغيرت صورتها وتبدلت سمعتها وبات قادتها وضباطها مطلوبون في عدة عواصم ومحظور عليهم السفر إليها؛ وقد اضطرت وزيرة الخارجية تسيبي ليفني إلى الهروب من بريطانيا عقب حرب عام 2014.
كي ننجح في توظيف اتفاق أوسلو يجب أن تتوحد رؤيتنا وروايتنا وأن نتوقف عن التصورات المشوشة وأن نخاطب العالم باللغة التي يفهمها من دون أن نسقط خيار المقاومة من حساباتنا، لكن من دون الاستغراق فيه أيضاً ووضع كل الرهانات عليه، ولا يمكننا التعويل أيضاً على أن اتفاق سلام أو تسوية مع إسرائيل كفيل بإعطائنا كل حقوقنا، دون أن يكون العالم معنا، وما بين هذا وذاك يجب أن تتحمل إسرائيل وتحاسب على كل جرائمها بحق فلسطين الشعب والأرض والقضية.
إننا نشتكي كفلسطينيين أن العالم يدير لنا ظهره ويدعم إسرائيل الآن بإمكاننا الذهاب لهذا العالم ومناداته ليقف معنا وبجانبنا بعدما شاهد بعينه جرائم إسرائيل، هذا هو ما يجب أن نوظفه ونستفيد منه وأظننا قد نجحنا ولحد بعيد فيه وهو المجال الذي حققنا فيه جولات على حساب إسرائيل التي تتفوق علينا عسكريا، هكذا نستفيد وهكذا يمكننا أن ننجح في توظيف اتفاق أوسلو وكل الاتفاقيات. ربما لن تدفع هذه الأحداث المتراكمة إسرائيل إلى الركوع أمام المطالب الفلسطينية الآن، ولكنها ستشكل مرتكزًا حيويًّا في مراكمة الإنجازات التي يمكن البناء عليها مستقبلًا وستؤثر على القرارات الإسرائيلية الاستراتيجية.