وقّع رئيس دولة جنوب السودان سلفاكير ميارديت، وزعيم "الحركة الشعبية" المتمردة رياك مشار، اليوم الأربعاء، في العاصمة السودانية الخرطوم، على اتفاق سلام مبدئي، يتضمّن 6 بنود رئيسة، على أن تستمر المفاوضات بين الطرفين، تمهيداً للوصول إلى اتفاق سلام شامل.
ويتضمّن الاتفاق فترة انتقالية مدتها ثلاث سنوات، تجرى بعدها انتخابات عامة، ويتم بموجبه بناء جيش قومي بعيد عن القبلية، وجمع الأسلحة من المواطنين.
وكان طرفا الأزمة في جنوب السودان قد وقّعا على اتفاق سلام في يوليو/ تموز عام 2015، لإنهاء الحرب الأهلية، أتاح لمشار أن يتولّى مجدداً منصب نائب سلفاكير، ويعود إلى جوبا، لكنّ الاتفاق انهار في أغسطس/ آب عام 2016، وتجدد القتال من جديد. وبعد المعارك هذه، اضطر مشار إلى الفرار من بلاده، قبل أن يصل إلى السودان لتلقي العلاج، ومن ثم قررت هيئة التنمية الحكومية لدول شمال أفريقيا "إيغاد" إبقاءه في الإقامة الجبرية في جنوب أفريقيا.
بنود الاتفاق
ويشمل الاتفاق الذي تم توقيعه، اليوم الأربعاء، ويدخل حيّز التنفيذ في غضون 72 ساعة من لحظة التوقيع، كل أنحاء جنوب السودان، على أن ينتهي الطرفان من ترتيباته حالاً، بما في ذلك فضّ الاشتباك، والفصل بين القوات المتمركزة في مواجهة بعضهما، وسحب القوات الصديقة من جميع مسارح العمليات، وفتح المعابر للأغراض الإنسانية، مع الإفراج عن الأسرى والمعتقلين السياسيين.
ونصّ الاتفاق أيضاً على أهمية التوافق بين الطرفين على آليات للمراقبة الذاتية لوقف إطلاق النار، مع دعوة الاتحاد الأفريقي، وهيئة "إيغاد" إلى نشر القوات اللازمة للمراقبة.
وفي البند الثاني، نصّ الاتفاق، الذي وقّعت عليه فصائل أخرى من جنوب السودان، على اتخاذ الترتيبات الأمنية اللازمة لجعل القوات المسلحة والشرطة وجهاز الأمن ذات طابع قومي، خالٍ من القبلية والنزعات العرقية، مع اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لجمع الأسلحة من المواطنين في أنحاء البلاد.
أما البند الثالث، فقضى بإكمال الاتفاق على مقترح من "إيغاد" حول قسمة السلطة، قبل انتهاء المفاوضات في الخرطوم، على أن تبدأ فترة انتقالية مدتها 36 شهراً، وتتهيّأ البلاد خلالها لانتخابات، على أن تكون مفتوحة لكل الأحزاب السياسية، وأن تكون حرة ونزيهة.
وفي تفاصيل الاتفاق أيضاً، ينصّ البند الرابع على تكثيف الجهود اللازمة لتحسين البنى التحتية، والخدمات الأساسية في جنوب السودان، وخاصة القطاعات الأكثر ارتباطاً بمعاش المواطنين، وناشد الطرفان المجتمع الدولي للمساعدة في هذا المجال.
كذلك قضى الاتفاق في بنده الخامس بتأمين حقول النفط، في ولاية الوحدة المحاذية للحدود السودانية، على أن تعمل حكومة جنوب السودان بالتنسيق مع الحكومة السودانية لإنجاز تلك المهمة، وذلك حتى يعود الإنتاج النفطي بمستوياته السابقة، بعد تضرره من الحرب.
تصريحات الموقّعين
وخلال حفل التوقيع الذي جرى بالقصر الجمهوري في الخرطوم التي تستضيف مفاوضات السلام، أعلن الطرفان التزامهما العمل بنصوص الاتفاق، متعهدين بمواصلة التفاوض للوصول إلى اتفاق نهائي وشامل.
وقال سلفاكير إنّ اتفاق الخرطوم "يمثّل خطوة مهمة لجنوب السودان وللمواطنين خاصة"، وشدّد على التزامه التام بما يوقّع عليه من اتفاقيات ووثائق.
من جهته، وصف مشار الاتفاق بأنّه "وثيقة مهمة لبناء علاقات بنّاءة مع السودان من أجل تبادل كافة المصالح، بما في ذلك تسهيل حركة التجارة بين البلدين"، مؤكداً أنّ الاتفاق "سيكون مهماً جداً لنحو 2 مليون لاجئ في السودان، ومثلهم في دول أخرى".
وفي المواقف، قال الرئيس السوداني عمر البشير، الذي وقّع على الاتفاق بصفته ضامناً له، إنّه "متفائل جداً بوجود فرصة حقيقية لتحقيق السلام في جنوب السودان"، واصفاً الاتفاق بأنّه "هدية لكل مواطني جنوب السودان وبداية لعودة الأمن والاستقرار"، داعياً إلى "مصالحة شاملة بين مواطني الجنوب".
وأطلقت "إيغاد" مفاوضات في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، الأسبوع الماضي، فشلت في التوصّل إلى اتفاق، وجرى إطلاق جولة جديدة، في العاصمة السودانية الخرطوم، بحضور البشير، والرئيس الأوغندي يوري موسيفيني، ورؤساء دول وحكومات المنظمة، فضلاً عن جنوب السودان، وممثلين للولايات المتحدة وبريطانيا والنرويج، وسفراء دول مقيمين في الخرطوم.
والسودان عضو في الهيئة الحكومية للتنمية لدول شرق أفريقيا "إيغاد" التي تقود عملية السلام في جنوب السودان، وتسعى إلى تشكيل إدارة انتقالية.
إلى ذلك، قال الدرديري محمد أحمد، وزير الخارجية السوداني، لـ"العربي الجديد"، إنّ "المفاوضات بين طرفي الأزمة في جنوب السودان، سوف تستمر في الخرطوم، وستخصص الأيام الثلاثة المقبلة للنقاش حول ترتيبات وقف إطلاق النار، قبل الدخول في بنود قسمة السلطة".
وأكد أنّ "المهمة لا تزال شاقة وصعبة"، متعهداً بأنّ "الخرطوم ستبذل كل ما في وسعها لإنجاز السلام النهائي".
وحول ما يريده السودان من استضافة المفاوضات، قال محمد أحمد إنّ "هدف السودان الأساسي هو تحقيق السلام"، مؤكداً أنّ "علاقات الخرطوم بكل الدول العربية ستظل كما هي"، مشدداً، في الوقت عينه، على أنّ الخرطوم "تؤمن أيضاً باستراتيجية علاقاتها مع أفريقيا وتريد لعب دورها كما ينبغي".
ومنذ عام 2013، تعاني دولة جنوب السودان، التي انفصلت عن السودان عبر استفتاء شعبي عام 2011، حرباً أهلية بين القوات الحكومية و"الحركة الشعبية"، اتخذت بُعداً قبلياً، وخلّفت قرابة عشرة آلاف قتيل، وملايين المشردين واللاجئين، وأوضاعاً إنسانية صعبة، ولم ينجح اتفاق السلام المبرم في 2015 في إنهائها بعد انهياره، وهو ما تم السعي إلى إحيائه مجدداً.