تونس: هيئة "الحقيقة والكرامة" تقرّر اليوم ردّها على إنهاء عملها

23 مايو 2018
مخاوف بشأن مسار العدالة الانتقالية (ياسين قايدي/ الأناضول)
+ الخط -
عادت الحيرة بشأن مآل العدالة الانتقالية بتونس، والخطوات التي ستتخذها "هيئة الحقيقة والكرامة" بعد المراسلة الرسمية التي تلقتها، أمس الثلاثاء، من رئاسة الحكومة، وتعلمها فيها بانتهاء عملها بنهاية شهر مايو/ أيار الجاري، وانتهاء الأربع سنوات وهي المدة المحددة لعملها. بل وطالبتها بتسليم تقريرها الإداري والمالي للرئاسات الثلاث، بحسب ما ينص عليه قانون عملها.


كما طالبتها بتسليم وثائقها إلى الأرشيف الوطني وإنهاء إلحاق كل الموظفين العاملين بالهيئة والعودة إلى مواقعهم الإدارية السابقة.

وكانت الهيئة قد أعلنت سابقا أنها ستواصل مهامها إلى نهاية شهر ديسمبر/ كانون الأول بحسب ما يخوله لها القانون، وإحالة الملفات إلى المحكمة الابتدائية بتونس، حيث سبق لرئيسة الهيئة، سهام بن سدرين، أنّ أكدت أنها ستكمل مسارها، وهي ملزمة قانونياً بمواصلة أعمالها، مشدّدة على أنّه يتعين على "الهيئة إرجاع حقوق الضحايا وجبر الضرر المادي والمعنوي، وكشف الحقائق، ومساءلة المسؤولين عن الانتهاكات، وإحالة الملفات إلى القضاء، واقتراح الإصلاحات التي ستضمن عدم تكرار التجاوزات".

وقال عضو "هيئة الحقيقة والكرامة"، صلاح الدين راشد، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن مجلس الهيئة سيجتمع، مساء اليوم، ليتخذ القرار المناسب تجاه هذا القرار الذي وصفه بالمفاجئ وغير المبرّر، مبينا أن هذا الإعلان جاء نتيجة قرار خاطئ من البرلمان الذي صوت بإنهاء عمل الهيئة والذي تحوم حول شكله وشرعيته شكوك عديدة.

وحمّل راشد كل هذه الأطراف مسؤولية إنهاء مهام الهيئة، وضرب مسار العدالة الانتقالية في تونس، معتبرا أنه بمثل هذه القرارات لا يمكن خدمة تونس، ما قد يشرع للحقد والاضطرابات والكراهية، مشيرا إلى أن الهيئة تقوم بدورها في كنف القانون.

وبين عضو الهيئة أن الملفات التي تم رفعها أخيرا للقضاء هي قطرة في بحر وجزء بسيط من ملفات عديدة موجودة لدى الهيئة وعينة من الجرائم الجسيمة والانتهاكات التي أرادوا تخليص المجتمع منها، مؤكدا أن كل شيء ممكن وسيناريوهات عديدة لا تزال مطروحة والدوائر القضائية المتخصصة ستنظر في الملفات، وفي حال عدم قيام العدالة بواجبها توجد أيضا "الجنايات الدولية" التي هي بالمرصاد لانتهاكات القانون وعدم الاعتراف بالعدالة.

وأكد رئيس "جمعية صوت الإنسان"، وأحد ضحايا الانتهاكات، بشير الخليفي، لـ"العربي الجديد"، أن "القرار كان متوقعا، حيث بدأ التحضير للانقلاب على العدالة الانتقالية منذ أشهر، وهناك عدة أطراف عملت على الوصول إلى هذا الهدف"، مبينا أن البداية كانت بالتصويت غير القانوني على قرار عدم التمديد للهيئة، واليوم الجهاز التنفيذي يتخذ خطوة تطبيق القرار.

وأضاف أن تونس تفتخر بمسار العدالة الانتقالية، ومن الملفت أنه بعدما درست الهيئة الملفات وبدأت في التنفيذ وأحالتها على الدوائر المختصة بالمحكمة يتم إنهاء مهامها.

وأوضح أنه بحكم معرفته جيدا برئيسة الهيئة، فإنه يرى أنها لن ترمي المنديل وستواصل اتباع الإجراءات القانونية اللازمة لاستكمال عمل الهيئة.

وبين أن مكالمات عديدة وصلته، منذ مساء أمس وحتى اليوم، من قبل عديد من الضحايا، مضيفا أنه يوم حزين لضحايا الاستبداد والإحباط واليأس والبكاء قهرا.

وتابع قائلا: "نشعر اليوم فعلا بالخوف على تونس، وقد نلجأ كجمعية حقوقية لديها ما يفوق 4 آلاف ملف، إلى القضاء الدولي، فقضايا حقوق الإنسان لا تسقط بقرار حكومي ولن تسقط بمرور الزمن".

وكشف الخليفي أن تونس ستكون يوم 29 مايو/ أيار على موعد مع جلسة علنية هامة تنظمها هيئة الحقيقة والكرامة وتتعلق بقضية كمال المطماطي، حيث سيعترف لأوّل مرة الجلاد بكيفية التنكيل بالضحية وتعذيبه وقتله، مضيفا أن على الدولة التونسية كشف مكان دفن جثة الضحية بعد مضي أكثر من 18 عاما على ذكرى وفاته.

من جهته، قال الناطق الرسمي باسم "نداء تونس"، منجي الحرباوي، إن "العدالة الانتقالية في تونس ليست الهيئة ولا رئيستها سهام بن سدرين، بل هي جملة من الإجراءات والتحركات الوطنية وهي مسار انطلق في تونس وسيتواصل".

وأضاف الحرباوي لـ"العربي الجديد"، أن "دور الهيئة مهم ولا أحد يمكنه نكران ذلك، ولكن اليوم يوجد قرار سيادي من مجلس نواب الشعب بعدم التمديد في عمل الهيئة، وقد نص عليه القانون الأساسي للهيئة، حيث جاء فيه أن مهام الهيئة تنتهي نهاية شهر مايو الجاري، وما حصل تطبيق للقانون".

ولفت إلى أن "الاستثناء هو التمديد، والاستثناء لا يعتبر هو الأصل، والهيئة اليوم مطالبة باحترام القانون وتطبيق القرارات السيادية للمؤسسات وإنهاء أشغالها بتقرير يتوج أعمالها، أما بقية المسار فسيتواصل"، مبينا أن الملفات لن يكون مصيرها الأرشيف بل ستأخذ مجراها.

وحول ما يروّج عن تأثير ذلك على صورة تونس، ردّ الحرباوي بأن لا علاقة لإنهاء مهام الهيئة بصورة تونس، لأن العدالة متواصلة وهي ليست الهيئة أو الـ4 سنوات التي اشتغلتها الهيئة، بل هي مسار كامل وتشريعات، والهيئة لا يمكنها أن تواصل أعمالها إلى ما لا نهاية، ولذلك وضعت آجالا مسبقة ضمن القانون الأساسي للهيئة، مبينا أن "نداء تونس" متمسك بمسار العدالة الانتقالية من كشف الحقيقة والمصارحة والمصالحة الوطنية بين الضحايا والجلادين واسترداد الحقوق.