03 أكتوبر 2024
تونس.. انتظارات ومخاوف ما بعد الانتخابات
شكلت نتائج الدورة الأولى للانتخابات الرئاسية التونسية لحظةً تنبئ بمستقبل المشهد السياسي التونسي، ومثلما شكل صعود الثنائي المتناقض غير المؤدلج إلى المرحلة الحاسمة لاختيار الرئيس هزة انتخابية، فإن الملامح العامة للنتائج التي ستفضي إليها الانتخابات التشريعية قد تعني مزيدا من التأزيم السياسي، والدخول إلى مرحلة التشظي الحزبي وفوضى الأصوات.
أياً كان اسم الرئيس المقبل، فالأكيد أن تونس مقبلة على حالة من عدم الاستقرار الحكومي، لجملة من الأسباب التي يمكن تبيّنها من خلال التوجهات العامة للكتلة الناخبة، فالمعتاد في الدول المستقرة سياسيا أن توجد أحزاب كبرى تتولى التسيير، من خلال تطبيق برامجها الانتخابية. وسواء كان النظام رئاسيا على الطريقة الأميركية أو برلمانيا على الطريقة البريطانية، ففي الحالتين يختار الجمهور العام طرفا حاكما بيده القرار، ويتحمل مسؤولية الفشل في صورة عجزه عن إدارة البلاد، وتحقيق نتائج في المجالات الاقتصادية والاجتماعية.
غير أن مشكلة تونس اليوم تكمن في نظامها الهجين شبه البرلماني، شبه الرئاسي، حيث يتنازع رئيسا الجمهورية والحكومة مواقع النفوذ والتأثير. وفي ظل تراجع حضور الأحزاب الكبرى، بالنظر إلى نتائجها في الرئاسية، يمكن القول إن النتائج لن تخرج عن حالةٍ من توزع الأصوات بين أحزاب كثيرة وقائمات (قوائم) ائتلافية وأخرى مستقلة، لا يجمع بينها شيء، سواء في البرامج أو التوجهات. وقد يسبب هذا التشتت حالةً من العجز عن تشكيل الحكومة ذاتها في مرحلة أولى، خصوصا في غياب توفر النصاب الضروري من النواب لمنح الثقة لأي تشكيل حكومي (العدد اللازم 109 نواب). وقبل ذلك في إيجاد الطيف الواسع من القوى الحزبية القادرة على تشكيل ائتلاف حكومي، سيكون بدوره مفتقرا للتجانس، من حيث الرؤى والبرامج. وستكون الأزمة الموالية في طبيعة العلاقة مع رئيس الجمهورية، لأنه في حالة انتخاب قيس سعيد المستقل، فإن غياب حزام نيابي يدعم الرئيس يجعل مبادراته التشريعية غير ذات قيمة، بل ويجعله في نوعٍ من العزلة السياسية، في علاقةٍ مع قوى حزبية مختلفة لها أجنداتها وحساباتها التي لن تكون متجانسة مع توجهات الرئيس. أما الحالة الثانية، وهي صعود نبيل القروي، فستكون المشكلة في كيفية التعامل مع رئيس متهم بالفساد، فاقد للمصداقية، على الأقل عند جزء هام من الشعب، بما يجعل مبادراته السياسية تحوطها الشكوك وكثير من الريبة، باعتباره سيسعى إلى تنظيف سجله الذاتي، واستخدام منصبه الرفيع لتمرير قراراتٍ رسميةٍ تخدم مصالحه. وباعتبار أن السياسة، في جوهرها، مبنية على سوء الظن بالسلطة، مهما كانت براءتها، فإن وجود حاجز من الشك بين طيف واسع من المواطنين والسلطة القائمة سيُحدث حالة من التفكك السياسي، وهو أمر لا يخدم محاولات النهوض الاقتصادي والخروج بالبلاد من أزماتها الاقتصادية.
التساؤل عما ينبغي أن تكون عليه السلطة في تعاملها اليومي مع الأفراد، وفي بناء مشروعيتها التي تضمن لها الاستمرار والنجاعة، ظل السؤال المركزي الذي يرافق مرحلة الانتقال الديمقراطي في تونس، وهو ما يفسر حالة التمرّد العام لدى الجيل الجديد، خصوصا ممن فقد الثقة في الأحزاب وفي النخب السياسية التقليدية المهيمنة (معارضة وسلطة)، وهو الذي يدفع نحو
خياراتٍ جديدة أو على الأقل نحو اختيار وجوه جديدة، لا ماضي سياسيا لها، ولا تقدّم برامج واضحة، وتكتفي بشعارات غائمة، تجتذب ناشطي مواقع التواصل الاجتماعي، ولكنها لم تخض التجربة بعد، ليعرف الناس ما مدى مصداقية ما تطرحه وقابليته للتنفيذ. فهل يمكن للعمل الجمعياتي، وتقديم مساعدات عينية للمحتاجين (المدخل الذي وصل به المرشح نبيل القروي إلى الدور الثاني للرئاسية) أن يكون حلا لمشكلات البطالة، وتدهور التعليم وأزمات الاقتصاد وفرار المستثمرين؟ وفي المقابل، هل ما يطرحه المرشح قيس سعيد من إعادة بناء النظام السياسي والتأسيس لنظام الحكم المحلي القائم على التصويت للأفراد، وتصعيدهم على مراحل للبرلمان، يمكن أن يكون حلا، خصوصا مع ما يمكن أن يُحدثه من أزمات، سواء في تواصل الرئيس مع المجلس الجديد، إذا طرح عليهم تصوره الجديد أو حتى في العودة إلى المربع التأسيسي الأول الذي خرجت منه تونس بصعوبة في السنوات الثلاث الأولى بعد الثورة، وما عرفته من تجاذباتٍ وأزمات وصراعات؟
ينبئ المشهد الحالي بانتظاراتٍ كثيرة للحالمين بتغيير جذري ينقل البلاد من مرحلةٍ إلى أخرى، تقابله هواجس كثيرة، ومخاوف من حالة انغلاق الأفق السياسي، والأزمات الحكومية المتتالية، وفوضى الصراعات بين القوى المختلفة، وستكون الأيام المقبلة حبلى بتطوراتٍ مهمة، ستؤثر حتما في المستقبل السياسي لتونس.
غير أن مشكلة تونس اليوم تكمن في نظامها الهجين شبه البرلماني، شبه الرئاسي، حيث يتنازع رئيسا الجمهورية والحكومة مواقع النفوذ والتأثير. وفي ظل تراجع حضور الأحزاب الكبرى، بالنظر إلى نتائجها في الرئاسية، يمكن القول إن النتائج لن تخرج عن حالةٍ من توزع الأصوات بين أحزاب كثيرة وقائمات (قوائم) ائتلافية وأخرى مستقلة، لا يجمع بينها شيء، سواء في البرامج أو التوجهات. وقد يسبب هذا التشتت حالةً من العجز عن تشكيل الحكومة ذاتها في مرحلة أولى، خصوصا في غياب توفر النصاب الضروري من النواب لمنح الثقة لأي تشكيل حكومي (العدد اللازم 109 نواب). وقبل ذلك في إيجاد الطيف الواسع من القوى الحزبية القادرة على تشكيل ائتلاف حكومي، سيكون بدوره مفتقرا للتجانس، من حيث الرؤى والبرامج. وستكون الأزمة الموالية في طبيعة العلاقة مع رئيس الجمهورية، لأنه في حالة انتخاب قيس سعيد المستقل، فإن غياب حزام نيابي يدعم الرئيس يجعل مبادراته التشريعية غير ذات قيمة، بل ويجعله في نوعٍ من العزلة السياسية، في علاقةٍ مع قوى حزبية مختلفة لها أجنداتها وحساباتها التي لن تكون متجانسة مع توجهات الرئيس. أما الحالة الثانية، وهي صعود نبيل القروي، فستكون المشكلة في كيفية التعامل مع رئيس متهم بالفساد، فاقد للمصداقية، على الأقل عند جزء هام من الشعب، بما يجعل مبادراته السياسية تحوطها الشكوك وكثير من الريبة، باعتباره سيسعى إلى تنظيف سجله الذاتي، واستخدام منصبه الرفيع لتمرير قراراتٍ رسميةٍ تخدم مصالحه. وباعتبار أن السياسة، في جوهرها، مبنية على سوء الظن بالسلطة، مهما كانت براءتها، فإن وجود حاجز من الشك بين طيف واسع من المواطنين والسلطة القائمة سيُحدث حالة من التفكك السياسي، وهو أمر لا يخدم محاولات النهوض الاقتصادي والخروج بالبلاد من أزماتها الاقتصادية.
التساؤل عما ينبغي أن تكون عليه السلطة في تعاملها اليومي مع الأفراد، وفي بناء مشروعيتها التي تضمن لها الاستمرار والنجاعة، ظل السؤال المركزي الذي يرافق مرحلة الانتقال الديمقراطي في تونس، وهو ما يفسر حالة التمرّد العام لدى الجيل الجديد، خصوصا ممن فقد الثقة في الأحزاب وفي النخب السياسية التقليدية المهيمنة (معارضة وسلطة)، وهو الذي يدفع نحو
ينبئ المشهد الحالي بانتظاراتٍ كثيرة للحالمين بتغيير جذري ينقل البلاد من مرحلةٍ إلى أخرى، تقابله هواجس كثيرة، ومخاوف من حالة انغلاق الأفق السياسي، والأزمات الحكومية المتتالية، وفوضى الصراعات بين القوى المختلفة، وستكون الأيام المقبلة حبلى بتطوراتٍ مهمة، ستؤثر حتما في المستقبل السياسي لتونس.