انطلقت، صباح اليوم الأربعاء، في العاصمة التونسية، عملية مداهمة لمنزل يتحصن به مسلحون كللت بالنجاح، وأفضت إلى مقتل عنصرين والقبض على ستة عشر آخرين في مناطق متفرقة، فيما لا تزال العملية جارية في أكثر من منطقة، في الوقت الذي أكدت فيه قوات الأمن أن العملية استباقية نوعية جنبت البلاد عدة ضربات موجعة متزامنة كانت ستنفذ، على الأرجح، في شهر رمضان المقبل.
وقد قتل أربعة أعوان من الحرس الوطني وأصيب آخر، اليوم، في منطقة السمار من ولاية تطاوين جنوبي تونس، حيث أكّد المكلف بالإعلام في وزارة الداخلية، ياسر مصباح، لـ"العربي الجديد"، أن قتلى الحرس الوطني سقطوا خلال مطاردة مجموعة مسلحة بالجهة، وأن العملية أسفرت عن مقتل عونين وضابطين.
وذكرت وزارة الداخلية، في بلاغ صادر عنها، أنه توفّرت معلومات مفادها تحصّن مجموعة مسلحة بمنازل مهجورة بمنطقة المعونة في معتمدية السمار، حيث تحولت وحدات الحرس الوطني إلى المكان المذكور وجرى تبادل لإطلاق النار بين الوحدات المذكورة وعنصرين، قتل الأول وفجّر نفسه الثاني، ما تسبب في مقتل المسلح وأربعة عناصر من الحرس.
وكانت وزارة الداخلية قد أعلنت، في بيان صحافي سابق حول عملية العاصمة التونسية، أنه تم القضاء على عنصرين، وإصابة ثالث في منطقة المنيهلة، بأحواز العاصمة الغربية، فيما تم القبض على ستة عشر آخرين، وبينت أن العملية لا تزال متواصلة وستقدم تفاصيلها في وقت لاحق.
وعن اختيار المسلحين منطقة المنيهلة، ومكوثهم بها للتحضير لعملية قريبة، يروي ابن صاحب المنزل الذي كانوا يوجدون به، بشير البجاوي، لـ"العربي الجديد"، أنه لم يلاحظ أي مظاهر أو تصرفات غريبة على المكترين الجدد للمنزل، مضيفا أنهم لم يكونوا كثيري الحركة أو التنقل، أو حتى الخروج من المنزل، "قلما كنت أشاهد اثنين منهما يخرجان أمام المنزل لتدخين سيجارة، حتى إن بعض الجيران لا يزالون يعتقدون أن المنزل ما زال معروضا للتأجير. جميع من في الحي صعقوا بعد أن شاهدوا عملية المطاردة، وعلموا أن هؤلاء الشباب كانوا على أهبة القيام بأعمال إرهابية ضد البلاد".
وكشف أمني من سكان المنطقة أن العناصر الثلاثة الذين استأجروا منزل جاره كانوا محل متابعة من القوات الأمنية والاستعلامات، ولم يغيبوا يوماً عن الأنظار، وأن "العناصر المسلحة كانت تظن أن التقليل من تحركاتها داخل المنطقة سيجنبها لفت الانتباه، خاصة من الجيران، وعمدت إلى التمويه، حيث لم تكن هذه العناصر من الملتحين أو الذين تظهر عليهم مظاهر التطرف، أو حتى الالتزام الديني".
وأكد المصدر ذاته أن بعضهم كان يحمل أوشاما على يده، و"يجالس أبناء الحي في محل لألعاب الفيديو، لكنه نادرا ما كان يحادث أحدا أو يرد على الصبية الموجودين بالمحل".
ووفق المصدر، فإن قوات الأمن درست المنطقة بأكملها قبل عملية المداهمة، ورصدت تحركات المطلوبين وعددهم داخل المنزل، وجميع الطرق التي قد يسلكونها للهرب، أو استقدام الدعم في حال الهجوم عليهم، "كما كانت على علم بما يخططون له من أعمال إرهابية في البلاد. وأثناء المداهمة عمد عنصر إلى محاولة الفرار من المنزل عبر القفز على سطح المنزل المجاور، واللجوء إلى حقل زيتون مجاور، لكنه وجد الوحدات المختصة التابعة للحرس الوطني بانتظاره، وتم قنصه في الكتف وهو لا يزال حياً وسيتم استنطاقه".
وقالت الجارة الملاصقة لمنزل المستهدفين بالعملية الأمنية، والتي قبض على ابنها "المتدين" بعد ساعات من العملية، لـ"العربي الجديد"، إنها لم تكن تسمع حركة قط رغم تلاصق المنزلين، "إلا أنها سبق أن نبهت ابنها والقاطنين معها أن هناك طرقا غريبا في منزل الجيران كل ليلة في ساعة متأخرة، ما دفعها للتساؤل"، الأمر الذي فسره بعض الأمنيين، لـ"العربي الجديد"، بأن المشتبه فيهم كانوا يحاولون تصنيع أسلحة يدوية.
وذكرت الجارة، أيضا، أنها فجر يوم العملية سمعت صوت الرصاص الذي لم تتبين حقيقته، "إلا بعد الخروج لساحة المنزل، حيث وجدت عددا من الأمنيين وطائرة مروحية تحلق على علو منخفض فوق سقف بيتها"، فاستجابت إثر ذلك لتوجيهات الأمنيين الذين دعوها لإغلاق الأبواب والاختباء داخل المنزل، وعدم الخروج منه إلا بإشارة من القوات الأمنية.
وعند انطلاق المداهمة، دخلت الوحدات المختصة للحرس الوطني، رفقة الوحدات المختصة بمكافحة الإرهاب، إلى المنزل المذكور، وتبادلت إطلاق النار مع عنصرين أردتهما على الفور قتيلين، فيما حاول عنصر ثالث الهرب إلى المنزل الملاصق حاملا سلاح كلاشنكوف في يده، إلا أن الوحدات المختصة أصابته على مستوى الكتف، وألقت القبض عليه فورا.
ولم تكن هذه المجموعة، المتكونة من ثلاثة أشخاص من منطقة المنيهلة، إلا جزءا من مجموعة أكبر جاءت لتنفيذ عمليات متزامنة في أكثر من منطقة من العاصمة تونس، وفق ما كشفه الناطق الرسمي باسم الحرس الوطني، العميد خليفة الشيباني، لـ"العربي الجديد"، موضحا أن المجموعة متكونة من عدد كبير من المسلحين المنتمين لما يعرف بـ"تنظيم الدولة الإسلامية"، وأنهم جاءوا من مناطق مختلفة في الجمهورية، واستقروا بمساكن في أحواز العاصمة، تحديدا في حي التضامن ودوار هيشر، وهي أحياء سكنية متاخمة للعاصمة ومعروفة بكثافتها السكانية العالية، وبتغلغل الفكر المتطرف في بعض مناطقها.
وذكر الشيباني أن المشتبه فيهم كانوا يسعون إلى تنفيذ "عمليات إرهابية" يرجح وفق التحريات الأولوية أنها كانت ستنفذ في شهر رمضان، مبرزا أن العناصر التي وقع القبض عليها (ستة عشر في مجملها) من العناصر المصنفة بالخطيرة، ولها صلة تقريبا بكل العمليات التي استهدفت البلاد، بالإضافة إلى أن بعضها كان قد شارك في الهجوم على بن قردان مطلع شهر مارس/ آذار الماضي.
وكانت العناصر محل متابعة استخباراتية دقيقة، ورصدت تنقلها من بقية محافظات الجمهورية باتجاه العاصمة، كما تمت مراقبة المنازل التي استأجرتها وكل تحركاتها. وقال العميد خليفة الشيباني، في هذا الصدد، إن خطورة هذه العناصر وورود أسمائها في جل التحريات أو الاعترافات في أبحاث متعلقة بـ"عمليات إرهابية" سابقة جعلها محل متابعة دقيقة، محيلا إلى أن التقاءها في أحواز العاصمة كان سيمكنها من تنفيذ عمليات في أقرب الآجال.
وشدد الخبير الأمني يسري الدالي، في حديث لـ"العربي الجديد"، على أن العملية الأمنية الاستباقية التي جرت اليوم كانت ناجحة، مؤكدا أنها تدل على أن الأجهزة الأمنية والاستخباراتية تعافت واسترجعت فاعليتها ونجاعتها. وفسر الخبير أن العملية تمت بعد متابعة استخباراتية مركزة على الجانب الفني والتقني والتكنولوجي لرصد تحركات المسلحين ومخططاتهم ومتابعتهم على شبكات التواصل، مضيفا أن "هذا يعد خير دليل على أن الأجهزة الأمنية قد أضحت قوية وقادرة على صد الهجمات الإرهابية قبل وقوعها".
واعتبر الدالي أن نجاح العملية اليوم يعد مطمئنا للدولة التونسية وللمواطنين، و"ينشر إحساسا بالأمن والانتصار على الإرهاب، خاصة أن العملية التي لا تزال جارية مكنت من القضاء على عنصرين خطيرين، والقبض على 16 شخصا"، مؤكدا أن نجاح العملية أنقذ البلاد من كارثة، حيث اختارت هذه العناصر أحياء سكنية مكتظة للتمركز فيها، "وهو ما يحيل إلى أن حجم الخسائر كان سيكون كارثيا، إلا أن العملية كشفت أيضا أن هذه العناصر لا تحظى بأي حاضنة شعبية أو دعم، على عكس ما روج له سابقا"، حيث تمكنت الوحدات المختصة من متابعتها والقبض عليها دون أن تكون محل تستر أو حماية من الجيران، وهو "ما يعد رسالة قوية للجماعات الإرهابية أن لا مكان لها ولا تعاطف شعبي معها".
ودعا الخبير الأمني الدالي القوات الأمنية إلى اتخاذ مزيد من الحيطة والحذر، خاصة إثر هذه الضربة الموجعة للمسلحين بعد انتصار قوات الأمن وتفكيك مجموعة مهمة من الخلايا، والقضاء على عنصرين خطيرين، حيث من الوارد أن ترد هذه الجماعات وتحاول الانتقام.