مع بداية العام 2020، انطلقت ولاية تونس كعضو غير دائم في مجلس الأمن الدولي، لتخلف الكويت في هذا المقعد للسنتين المقبلتين، وسط تطلعات أفريقية وعربية كبيرة لصوتها وموقعها الجديد، في ظلّ واقع إقليمي متأزم. ويعلّق الجوار وأصدقاء تونس آمالاً كبيرة على دفع الدبلوماسية التونسية ببوصلة الدول الأعضاء في مجلس الأمن نحو قرارات تساعد في حلحلة ملفات عربية وأفريقية عالقة تزداد تأزماً، في وقت تنخر فيه الحروب الأهلية والصراعات المسلحة وآفة الإرهاب القارة الأفريقية والعالم العربي المنهك.
وتعليقاً على ذلك، قال المحلّل السياسي محمد الغواري، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "هناك تحديات كبيرة أمام تونس، فور تسلمها مقعدها في مجلس الأمن"، مشيراً إلى أنّ "ملفات وقضايا ساخنة ستسافر بها إلى نيويورك". ورجح أن تكون هذه الملفات "في صدارة اهتمام الدبلوماسية التونسية، نظراً لمواقف قيادتها الجديدة وتصريحاتها، إلى جانب تراكمات النهج الدبلوماسي الثابت منذ الاستقلال وبعد الثورة، وفي مقدمة هذه الملفات القضية الفلسطينية العادلة وأزمة الجوار الليبي، ثمّ الأزمات والصراعات التي تعيش على وقعها سورية والعراق واليمن والسودان ومالي".
وأوضح الغواري أنّ "القضية الفلسطينية تتصدّر اهتمام قيادة تونس الحالية، إذ إنّ الرئيس قيس سعيّد شدّد في كل خطاباته وحملته الانتخابية على فلسطين كمحور القضايا التي تنحاز إليها بلاده وستدافع عنها". ولفت إلى أنّ "طبول الحرب الأهلية التي تقرع بشدة على أسوار العاصمة الليبية طرابلس، والمخاوف من مجازر دموية وتدفق آلاف اللاجئين والنازحين إلى تونس هرباً من الحرب، تجعل من ليبيا كذلك في صدارة اهتمام الرئيس التونسي، خصوصاً بعد لقائه أخيراً ممثلي القبائل الليبية وتعهده بالتدخل لحقن الدماء، إلى جانب لقائه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ومحادثاته معه حول سبل دفع عملية السلام".
وتابع الغواري أنّ "تواصل الأزمة الإنسانية في سورية، وتفاقم معاناة عشرات الآلاف من سكان محافظة إدلب جراء القصف الذي يشنه جيش النظام بدعم من القوات الروسية، يجعل من سورية أيضاً في مقدمة الملفات العربية التي تستدعي اهتمام مجلس الأمن".
كذلك، أشار الغواري إلى أنّ "تأزم الأوضاع في العراق واقتراب حصيلة الضحايا في الاحتجاجات الأخيرة من 500 قتيل وأكثر من 22 ألف مصاب، إلى جانب دخول الحرب الدائرة في اليمن عامها السادس وسط تردي الوضع الإنساني والدمار الذي لحق بالبلاد، وانتشار الأوبئة والأمراض التي فاقمت من معاناة اليمنيين، فضلاً عن تواصل الاحتقان في السودان ومساعي فرض السلام بإطلاق مفاوضات لتجاوز تراكمات عقود من الحرب في إقليم دارفور، كلها ملفات لن تفارق مجلس الأمن وسيكون على تونس معالجتها".
من جهتها، قالت رئيسة لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان التونسي، النائبة سماح دمق، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ بلادها "حصلت على الدعم العربي والأفريقي في انتخابات مجلس الأمن بما جعلها تحصد 191 صوتاً"، مشيرةً إلى أنّ تونس "ستكون صوت هاتين المجموعتين عند التحاقها بمقعدها غير الدائم في مجلس الأمن".
وأضافت دمق "للأسف، فإنّ أغلب النزاعات والمشاكل المطروحة اليوم موجودة في أفريقيا أو في العالم العربي، وهي تحتاج إلى مبادرات سلام لحلها". وتابعت أنّ "مواقف تونس طيلة ستين عاماً، كانت في اتجاه الاعتصام بالشرعية الأممية واحترام قرارات الأمم المتحدة، وتصبّ دائماً في خانة إعلاء مفاهيم الحوار والحلول السلمية للقضايا".
وقالت إنّ "تونس تدخل مجلس الأمن وهي على وعي بالصعوبات والتحديات الإقليمية، وتلك التي تشوب المشهد السياسي الدولي، وكيف تحوّل هذا المشهد بشكل متسارع في السنوات الأخيرة، في ظلّ الصراعات والأزمات التي تعصف بالمنطقة العربية والأفريقية وتنامي بؤر التوتر والقتال والإرهاب". وشددت على أنّ مواقف بلدها "ثابتة تجاه القضية الفلسطينية العادلة التي تعدّ محور النزاع الرئيسي في الشرق الأوسط اليوم، ولا شكّ أنّ دبلوماسية تونس ستدعم الحلّ السلمي، ومناصرة حقّ فلسطين في إقامة دولة وعاصمتها القدس".
ويرى مراقبون أنّ عضوية تونس في مجلس الأمن في ظلّ الوضع المتململ الذي تمرّ به داخلياً، جراء عدم استقرار الأوضاع السياسية، سيضعف من حضورها ومواقفها، ويصعّب من مهمتها في الدفع بحلول للقضايا الخارجية، ولا سيما في ظلّ عدم تشكيل حكومة جديدة بعد، إلى جانب الاضطراب المسجّل من الناحية الدبلوماسية التي يسهر عليها وزير دولة يعمل بصفته وزيراً للخارجية بالإنابة، وهو صبري باشطبجي، في ظلّ تواصل الشغور في منصب وزير الشؤون الخارجية، وهو غير قادر على اتخاذ القرارات أو إصدار المواقف إلى حين تعيين خلف له.
كما يضيف الاختلاف في المواقف والرؤى، والتدافع السياسي المسجّل بين القوى السياسية الجديدة في البلاد، إرباكاً لحضور تونس في مجلس الأمن، خصوصاً بعد ما ظهر من تنازع الصلاحيات اللافت أخيراً بين سعيّد ورئيس البرلمان راشد الغنوشي.
كذلك، يرى بعض الخبراء أنّ عدم وضوح تصورات سعيّد للعلاقات الخارجية التونسية، وعدم صدور مواقف دبلوماسية واضحة منذ توليه الرئاسة، زادا من ضبابية حظوظ الإضافة التي ستقدمها تونس من خلال عضويتها في مجلس الأمن.
وفي السياق، رجّح الدبلوماسي التونسي السابق، عبد الله العبيدي، في حديث مع "العربي الجديد"، "ألا تستطيع تونس الذهاب بعيداً بهذه العضوية غير الدائمة في مجلس الأمن لأسباب عديدة، بعضها يعود للسياق العالمي والآخر للسياق المحلي". وأوضح العبيدي أنّ "الدول العظمى أضحت تصيغ قراراتها بعيداً عن الشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، ووفق وزنها الاقتصادي ومصالحها". أمّا بالنسبة للسياق المحلي، فوفق العبيدي "يصعب على الدبلوماسية التونسية أن تستثمر موقعها الجيوسياسي في المنطقة، الذي يتيح لها أن تتبوأ مكانة هامة في صناعة القرارات المتعلقة بحوض المتوسط وأفريقيا، وذلك لغياب القرار الوطني المتماسك".
وأضاف العبيدي أنه "من غير الممكن اليوم أن تطرح تونس على مجلس الأمن ملفات الأزمات في دول عربية أو أفريقية، وتفاوض من أجل تبني قرارات بشأنها في مجلس الأمن، وذلك بسبب ضعف دبلوماسيتها وضبابية الرؤى والتصورات لديها". واعتبر أنّ "الانقسام في صفوف الأحزاب التونسية التي اصطفّ كل منها إلى جانب محور إقليمي، وامتداد أذرع دول أجنبية إلى الداخل التونسي عبر هذا الاصطفاف، علاوة على اختلاف التصورات حول السياسة الخارجية بين الرئاسات الثلاث، تفضي بالضرورة إلى صعوبة تبنّي موقف دبلوماسي يحظى بالإجماع الوطني، ويكون محلّ دعم من كافة الفاعلين السياسيين، ويترجم في أروقة مجلس الأمن". وأشار إلى أنّ "ولاءات الأحزاب لأطراف إقليمية متنازعة، تجعل تماسك القرار الوطني أمراً مستحيلاً، وتؤدي إلى دبلوماسية ضعيفة غير قادرة على المبادرة".