من خلال متابعة مواقف وتصريحات قادة وساسة إسرائيل، نسمع مصطلحات جديدة مثل (الدولة اليهودية، الحل الأمني، الحل الاقتصادي، مقايضة أراض، تبادل سكان، الدولة الواحدة) ، وغيرها من المصطلحات التي تؤكد نوايا إسرائيل العدوانية، وتنكّرها لحقوق الشعب الفلسطيني، وتطاولها على الإرادة الدولية. الحقيقة التي لا تدع مجالا للشك تتمثل في أن إسرائيل دمرت على أرض الواقع فكرة حل الدولتين، ولم تبق للشعب الفلسطيني شيئاً يمكن التفاوض عليه مستقبلا، هذا ما ينبغي فهمه وإدراكه في سياق إدراره الصراع وما يتطلبه من تغيير في آليات العمل الفلسطينية في معركة التحرير والمواجهة مع إسرائيل.
في حال إصرار حكومة إسرائيل على موقفها الرافض لحل الدولتين فمن المنطقي اللجوء إلى خيارات جديدة تتطلب أولاً إعادة ترتيب الأوراق الداخلية الفلسطينية، وتحقيق وحدة فلسطينية تؤسس لجبهة داخلية صلبة ومتينة قادرة على الصمود والمواجهة، وكذلك إعادة رسم خارطة علاقاتنا العربية والدولية، وتوظيف عناصر قوتها في عملية إدارة الصراع مع الاحتلال.
أولاً: خيار تجسيد الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من حزيران عام 1967 كحد أدنى من تطلعات شعبنا وحقوقه الأصيلة على أرضه التاريخية فلسطين، وفقا لقرارات الشرعية الدولية وخاصة قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الصادر بتاريخ 29 نوفمبر 2012، والاستمرار في الانضمام لجميع المنظمات الدولية، والتوقيع على جميع المعاهدات الدولية، وتصعيد وتيرة العمل السياسي والدبلوماسي للاعتراف بدولة فلسطين، فمن المعروف أن دولة فلسطين المحتلة تقيم علاقات دبلوماسية كاملة ولديها سفارات في عواصم الدول تزيد عن مئة بعثة دبلوماسية، والاستمرار في بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية، وبالتوازي مع ذلك، تصعيد المقاومة الشعبية وتطويرها بآليات جديدة، وتشجيع عمل لجان مقاطعة إسرائيل المنتشرة حول العالم، والعمل على عزل دولة الأبارتايد العنصرية الإسرائيلية عن الساحة الدولية من خلال كشف حقيقتها العنصرية والعدوانية وصولا إلى حالة يشعر من خلالها العالم بأسره أن إسرائيل كقوة احتلالية عبء عليه.
ثانيا: إلغاء اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بدولة إسرائيل، والتخلص من جميع الاتفاقيات الموقعة معها، والتي لم تلتزم في تنفيذها، ومطالبة الجمعية العامة للأمم المتحدة في إعادة النظر في قراراها المشروط بقبول عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة، فقد جعلت هذه العضوية مرهونة باحترام إسرائيل لقرارات الأمم المتحدة الخاصة بالتقسيم، وبحق العودة للشعب الفلسطيني المهجر، والتعويض عليه. غير أن إسرائيل التي التزمت رسمياً باحترام هذه القرارات لم تفِ بالتزاماتها بل، على العكس تماماً، اتجهت تصرفاتها قبل العضوية وبعدها في الطريق المضاد. فلا هي احترمت حدود التقسيم وشروطه، ولا هي أقرت، أو تقر، بحق الشعب الفلسطيني في العودة والتعويض. ورغم هذا كله لم تفكر المنظمة الدولية يوماً ما في مساءلة إسرائيل عن خرق شروط العضوية، أو حتى عن إمعانها في خرق التزاماتها بموجب الميثاق. وهو ما يبرر من الناحية القانونية فصلها من الأمم المتحدة.
هذا الخيار يعني بقاء الصراع مع إسرائيل مفتوحاً والصبر والانتظار إلى أن تتغير موازين القوى الإقليمية والدولية بحكم حركة التاريخ، وظهور معطيات جديدة على الساحتين الإقليمية والدولية تضيف عناصر قوة جديدة لصالح الحق الفلسطيني، تساعد الشعب الفلسطيني في استرداد حقوقه المسلوبة وتحرير أرضه المسلوبة بقوة السلاح المدعوم بقوى عالمية كبرى ترى في إسرائيل حليفا استراتيجيا لها.
ثالثا: خيار العودة إلى قرار التقسيم رقم 181 الصادر عن الأمم المتحدة في 29 تشرين الأول /نوفمبر عام 1947، والذي تبنى خطة تقسيم فلسطين القاضية بإنهاء الانتداب البريطاني على فلسطين وتقسيم أراضيها إلى ثلاثة كيانات جديدة، دولة عربية تقع على الجليل الغربي، ومدينة عكا، والضفة الغربية، والساحل الجنوبي الممتد من شمال مدينة أسدود وجنوبا حتى رفح، مع جزء من الصحراء على طول الشريط الحدودي مع مصر، ودولة لليهود على السهل الساحلي من حيفا وحتى جنوب تل أبيب، والجليل الشرقي بما في ذلك بحيرة طبريا وإصبع الجليل، والنقب بما في ذلك أم الرشراش، على أن تبقى القدس وبيت لحم والأراضي المجاورة، تحت وصاية دولية.
(مستشار للرئيس الفلسطيني)