30 أكتوبر 2024
ثمن دم خاشقجي
أسقطت جريمة قتل الصحافي جمال خاشقجي كثيرا من أوراق التوت عن أنظمةٍ، وأشخاصٍ ووسائل إعلام، وحوّلت مبادئ وقيما إلى سلع رخيصة في سوق النخاسة السياسية. وفي حال تأكيد التورّط الرسمي للدولة السعودية ونظامها في هذه الجريمة البشعة، فإن العالم سيجد نفسه أمام دولةٍ مارقةٍ ونظامٍ بلطجي وحكام مجرمين، ومعهم متورّطون كثيرون في الجريمة نفسها، من مشاركين فيها بطريقة مباشرة ستكشف التحقيقات عن أدوارهم القذرة في تنفيذها أو تسهيل القيام بها، ومتورّطين حاولوا طمس معالمها وحماية مرتكبيها، ومدافعين عن المجرم طوال الأيام الماضية، وقفوا أمام وسائل الإعلام بلا خجل، يبرئون ساحته، حتى قبل أن تبدأ التحقيقات.
الأكيد أن النظام السعودي، المتهم الرئيسي في هذه الجريمة، سيدفع ثمنها غاليا، لأن دم الضحية المغدور لا يجف، سيظل يلاحق المجرمين حتى بعد موتهم. وعلى من يشكّ في ذلك أن يعود إلى قراءة تاريخ الجرائم السياسية التي قُتل ضحاياها غدرا من كينيدي مرورا بالمهدي بن بركة وموسى الصدر وحتى رفيق الحريري.. فدم كل هؤلاء ما زال يقطر يذكّر الأجيال ببشاعة الجرائم التي جعلته يسيل غدرا.
وقد بدأ النظام السعودي، فعلا، بدفع الثمن من مصداقيته وصورته في الداخل والخارج. وفي
كل الحالات، وكيفما كان الإخراج النهائي للجريمة، ونوع (وعدد) الرؤوس الذين سيقدمهم النظام السعودي أكباش فداء لدفع التهمة عنه، فإن ذلك لن يمحو أثر الجريمة، ولن يخفي عن الناس أسماء المتهمين الرئيسيين ووجوههم.
لقد انكشف، لمن ما زال يراودهم قليل من الشك، أن النظام السعودي الذي يفقد كل يوم مصداقيته، يمثل أكبر خطر ليس فقط على شعبه المغلوب على أمره، وإنما على المنطقة كلها، وعلى العالم برمته. وليست هذه المرة الأولى التي أكتب فيها مثل هذا الكلام، فقد سبق أن وقعت عام 2013 مقالا بعنوان "السعودية.. الخطر الداهم"، جاء فيه أن تحالف أميركا مع النظام القمعي السعودي سيكون مكلفا مع مرور الوقت، وقد جاءت اللحظة التي يمكن أن نقدّر فيها الثمن الذي سيطلبه الرئيس الأميركي دونالد ترامب من النظام السعودي لحماية رموزه من تورّطهم في الجريمة. وفي المقابل، الكلفة السياسية التي سيدفعها ترامب نفسه الذي حوّل إدارته إلى مكتب علاقات عامة، وتحوّل هو أيضا إلى رجل علاقات عامة يقوم بتجميل صورة النظام السعودي، وتبرئة ساحته، والبحث عن مخارج مشرّفة لرموزه من المأزق الذي ورّطوا أنفسهم فيه.
لقد أخطا النظام السعودي في تقدير تداعيات الجريمة التي أقدم على ارتكابها وردود الأفعال التي ستخلفها، دفعهم إلى فعل ذلك الغرور الكبير الذي ركب رؤوس قادتها. وساعدتهم الحماية التي ظلت الإدارة الأميركية توفرها لهم، عندما زيّنت لهم جرائمهم اليومية في اليمن، واعتقال مئات من الناشطات والناشطين داخل السعودية، وأدى صمت حكومات غربية كثيرة ونفاقها، بل وتواطؤ بعضها مع رموز النظام السعودي، إلى تضخيم إحساسهم بالاستهانة بردود الأفعال الغربية على أي فعلٍ يقدمون عليه مستقبلا.
ولأول مرة، بدا النظام السعودي متخبطا أكثر من أي مرة سابقة، مرتبكا منذ البداية، في الدفاع عن نفسه. التزم الصمت، وبعد ذلك التعبير عن الغضب من التهمة التي ما زال يُتهم الإعلام
بإلصاقها به، ثم تصريح ولي العهد، محمد بن سلمان، من دون أن يرفّ له جفن، إن خاشقجي خرج من مبنى القنصلية بعد عشرين دقيقة بالتمام والكمال.. وبعد ذلك، تولى الإعلام السعودي والموالي للسعودية الذي التزم الصمت في البداية الدفاع عن المجرم المفترض، وتبنّى خطةً هجوميةً لإلقاء الجريمة على الآخرين، وعلى الإعلام المعادي للسعودية في تركيا وقطر وواشنطن. ويصعب على المرء الذي يحترم ذكاء الآخرين أن يجد نفسه في موقع إعلاميين ومحللين سياسيين كثيرين انبروا، طوال الأيام الماضية، إلى دفع التهمة عن المجرمين المفترضين، عندما تنكشف الحقيقة، وتسقط الأقنعة عن القتلة الحقيقيين.
وحتى عندما تتأكد الأنباء أن السعودية ستقر رسميا بمقتل خاشقجي داخل قنصلية بلاده، وإلصاق التهمة بـ "القتلة المارقين"، فإن العالم لن ينسى أن ولي العهد السعودي، الذي يُعِدُّ نفسه لخلافة والده، كذب على شعبه وعلى العالم، بل وحاول التستّر على جريمةٍ كان يعلم بها، لأنه لا يمكن أن يكون على غير علم بوقوعها، هذا إذا لم يكن هو من أمر بها فعلا كما ذهبت إلى ذلك صحيفة واشنطن بوست. فأية مصداقية ستبقى لـ "رجل دولة" كاذب، حتى لا نتهمه بما هو أفظع، وبما قد تكشف عنه التحقيقات مستقبلا!
في نهاية المطاف، الضحية الوحيدة في كل هذه الجريمة هو جمال خاشقجي الذي رحل وإلى الأبد. وأكبر تكريم له حتى لا يذهب دمه سدى، ليس فقط القصاص من القتلة ومن أكباش الضحية الذين سيلقي بهم النظام السعودي في المحرقة، وإنما بالنضال من أجل تحقيق الأفكار التي كان يدافع عنها خاشقجي في آخر حياته، بعد أن قرّر الخروج من السعودية للدفاع عنها، وفي وقف حرب اليمن العبثية التي ذهب ضحيتها آلاف الأبرياء، وإطلاق سراح مئات من معتقلات ومعتقلي الرأي في السجون السعودية، وفتح هامش حرية الرأي والتعبير أمام بنات وأبناء شعبه الذين وهب دمه دفاعا عن حقهم في حياة حرة وكريمة.
الأكيد أن النظام السعودي، المتهم الرئيسي في هذه الجريمة، سيدفع ثمنها غاليا، لأن دم الضحية المغدور لا يجف، سيظل يلاحق المجرمين حتى بعد موتهم. وعلى من يشكّ في ذلك أن يعود إلى قراءة تاريخ الجرائم السياسية التي قُتل ضحاياها غدرا من كينيدي مرورا بالمهدي بن بركة وموسى الصدر وحتى رفيق الحريري.. فدم كل هؤلاء ما زال يقطر يذكّر الأجيال ببشاعة الجرائم التي جعلته يسيل غدرا.
وقد بدأ النظام السعودي، فعلا، بدفع الثمن من مصداقيته وصورته في الداخل والخارج. وفي
لقد انكشف، لمن ما زال يراودهم قليل من الشك، أن النظام السعودي الذي يفقد كل يوم مصداقيته، يمثل أكبر خطر ليس فقط على شعبه المغلوب على أمره، وإنما على المنطقة كلها، وعلى العالم برمته. وليست هذه المرة الأولى التي أكتب فيها مثل هذا الكلام، فقد سبق أن وقعت عام 2013 مقالا بعنوان "السعودية.. الخطر الداهم"، جاء فيه أن تحالف أميركا مع النظام القمعي السعودي سيكون مكلفا مع مرور الوقت، وقد جاءت اللحظة التي يمكن أن نقدّر فيها الثمن الذي سيطلبه الرئيس الأميركي دونالد ترامب من النظام السعودي لحماية رموزه من تورّطهم في الجريمة. وفي المقابل، الكلفة السياسية التي سيدفعها ترامب نفسه الذي حوّل إدارته إلى مكتب علاقات عامة، وتحوّل هو أيضا إلى رجل علاقات عامة يقوم بتجميل صورة النظام السعودي، وتبرئة ساحته، والبحث عن مخارج مشرّفة لرموزه من المأزق الذي ورّطوا أنفسهم فيه.
لقد أخطا النظام السعودي في تقدير تداعيات الجريمة التي أقدم على ارتكابها وردود الأفعال التي ستخلفها، دفعهم إلى فعل ذلك الغرور الكبير الذي ركب رؤوس قادتها. وساعدتهم الحماية التي ظلت الإدارة الأميركية توفرها لهم، عندما زيّنت لهم جرائمهم اليومية في اليمن، واعتقال مئات من الناشطات والناشطين داخل السعودية، وأدى صمت حكومات غربية كثيرة ونفاقها، بل وتواطؤ بعضها مع رموز النظام السعودي، إلى تضخيم إحساسهم بالاستهانة بردود الأفعال الغربية على أي فعلٍ يقدمون عليه مستقبلا.
ولأول مرة، بدا النظام السعودي متخبطا أكثر من أي مرة سابقة، مرتبكا منذ البداية، في الدفاع عن نفسه. التزم الصمت، وبعد ذلك التعبير عن الغضب من التهمة التي ما زال يُتهم الإعلام
وحتى عندما تتأكد الأنباء أن السعودية ستقر رسميا بمقتل خاشقجي داخل قنصلية بلاده، وإلصاق التهمة بـ "القتلة المارقين"، فإن العالم لن ينسى أن ولي العهد السعودي، الذي يُعِدُّ نفسه لخلافة والده، كذب على شعبه وعلى العالم، بل وحاول التستّر على جريمةٍ كان يعلم بها، لأنه لا يمكن أن يكون على غير علم بوقوعها، هذا إذا لم يكن هو من أمر بها فعلا كما ذهبت إلى ذلك صحيفة واشنطن بوست. فأية مصداقية ستبقى لـ "رجل دولة" كاذب، حتى لا نتهمه بما هو أفظع، وبما قد تكشف عنه التحقيقات مستقبلا!
في نهاية المطاف، الضحية الوحيدة في كل هذه الجريمة هو جمال خاشقجي الذي رحل وإلى الأبد. وأكبر تكريم له حتى لا يذهب دمه سدى، ليس فقط القصاص من القتلة ومن أكباش الضحية الذين سيلقي بهم النظام السعودي في المحرقة، وإنما بالنضال من أجل تحقيق الأفكار التي كان يدافع عنها خاشقجي في آخر حياته، بعد أن قرّر الخروج من السعودية للدفاع عنها، وفي وقف حرب اليمن العبثية التي ذهب ضحيتها آلاف الأبرياء، وإطلاق سراح مئات من معتقلات ومعتقلي الرأي في السجون السعودية، وفتح هامش حرية الرأي والتعبير أمام بنات وأبناء شعبه الذين وهب دمه دفاعا عن حقهم في حياة حرة وكريمة.