كما قد نشعر أنّنا بمنأى عن الإصابة بأمراض خبيثة أو مميتة، نشعر أيضاً أنّنا بمنأى عن التقدّم في السن. صغارٌ نحن. وكلّما صادفنا أناساً أكبر منّا، شعرنا بالأمان. والأصغر سنّاً هم بمثابة إنذار شؤمٍ دائم. من دون أن يقولوا شيئاً، يذكّروننا بمسارٍ حتميّ لا بد أنّنا مقبلون عليه. وإذا لم نمت في شبابنا أو في منتصف العمر، فنحن واصلون إلى الشيخوخة. ليس بالضرورة أن نخشاها لأنّنا نخاف الموت. على الأرجح، لا نريد لجلدنا أن يتبدّل أو أن نتخلّى عن بشرتنا النضرة والملساء، وأن ينتظرنا شاب أو شابة طويلاً ريثما ننزل من سيّارة الأجرة. وأكثر، علينا أن نشكرهم لأنّهم لم يتأفّفوا.
ونصير مجرّد أجداد وجدّات نرعى أحفادنا ليهتم أبناؤنا بشبابهم. وإن كنّا نفعل ذلك اليوم، إلّا أننا وبكل أنانيّة، نرفض أن يتحوّل إلى وظيفة في شيخوختنا. وفي لحظات وحدتنا، نبحث في صورنا القديمة. في زمننا، لن نحتفظ بصندوق خشبي نضع فيه أغراضاً عزيزة على قلوبنا. نشغّل "اللابتوب"، وندخل إلى الملف الخاص بنا. هذه نسختنا الأجمل. وقد لا يصدّق أحفادنا أنّنا الشخص نفسه، ويكادون يُشفقون علينا ويُشفقون أكثر على حسرة تظهر في عيوننا. من قال إننا رغبنا يوماً في التخلّي عن عمرٍ قديم؟ لكلّ مرحلة جمالها. هكذا يقولون. لكن دائماً هناك ما هو أجمل. المسنّون أنفسهم لا يشترون زهرة ذابلة، مع أنّهم يتشاركون عمراً واحداً. ولو أرادوا، ربّما وجدوا تفاصيل مشتركة تجمعهم.
لم نشبع بعد ممّا فاتنا. مرّ الماضي سريعاً. مرّ أثناء تفكيرنا فيه. ما كان يجب أن يحدث هذا، وإلّا لما كانت الشيخوخة فترة للحلم بالماضي. أصلاً لن نعرف أن نعيش الماضي بحقّ إلّا بعدما نجتازه.
ربّما بقيت لنا أيام أو أشهر أو سنوات قليلة. وقد نقضيها مع عكازات أو من دون. أجمل ما في هذه الأيّام أنّنا نصبح قادرين على تحديد أحجام كل ما حدث معنا في الماضي. تصغر الأشياء أو المأساة أو الحزن، وكأنّها لم تكن موجعة يوماً.
سنكبر، وقد نتسلّق جبالاً ليس بمقدور الشباب تسلّقها بعدما زالت أوجاعنا. ولنحسب أنّنا نرتدي ثياباً غير مكويّة، ونضحك على هذه الفكرة الغريبة. ربّما لن تتغيّر وجوهنا كثيراً. وهذا أكثر ما يعنينا. الطب يريدنا أن نتغيّر إلى الأجمل، ذلك الذي نتمسّك به.
إلّا المرض، والنوم في ذلك الفراش ليل نهار. هذا كثير. الشيخوخة هي فرصتنا الأخيرة للاستراحة من ماضينا وإعادة اكتشاف ذلك الحقيقي، ولا يجب أن ننشغل بتفاصيل أخرى، وإن كان لا مفرّ منها.
اقــرأ أيضاً
ونصير مجرّد أجداد وجدّات نرعى أحفادنا ليهتم أبناؤنا بشبابهم. وإن كنّا نفعل ذلك اليوم، إلّا أننا وبكل أنانيّة، نرفض أن يتحوّل إلى وظيفة في شيخوختنا. وفي لحظات وحدتنا، نبحث في صورنا القديمة. في زمننا، لن نحتفظ بصندوق خشبي نضع فيه أغراضاً عزيزة على قلوبنا. نشغّل "اللابتوب"، وندخل إلى الملف الخاص بنا. هذه نسختنا الأجمل. وقد لا يصدّق أحفادنا أنّنا الشخص نفسه، ويكادون يُشفقون علينا ويُشفقون أكثر على حسرة تظهر في عيوننا. من قال إننا رغبنا يوماً في التخلّي عن عمرٍ قديم؟ لكلّ مرحلة جمالها. هكذا يقولون. لكن دائماً هناك ما هو أجمل. المسنّون أنفسهم لا يشترون زهرة ذابلة، مع أنّهم يتشاركون عمراً واحداً. ولو أرادوا، ربّما وجدوا تفاصيل مشتركة تجمعهم.
لم نشبع بعد ممّا فاتنا. مرّ الماضي سريعاً. مرّ أثناء تفكيرنا فيه. ما كان يجب أن يحدث هذا، وإلّا لما كانت الشيخوخة فترة للحلم بالماضي. أصلاً لن نعرف أن نعيش الماضي بحقّ إلّا بعدما نجتازه.
ربّما بقيت لنا أيام أو أشهر أو سنوات قليلة. وقد نقضيها مع عكازات أو من دون. أجمل ما في هذه الأيّام أنّنا نصبح قادرين على تحديد أحجام كل ما حدث معنا في الماضي. تصغر الأشياء أو المأساة أو الحزن، وكأنّها لم تكن موجعة يوماً.
سنكبر، وقد نتسلّق جبالاً ليس بمقدور الشباب تسلّقها بعدما زالت أوجاعنا. ولنحسب أنّنا نرتدي ثياباً غير مكويّة، ونضحك على هذه الفكرة الغريبة. ربّما لن تتغيّر وجوهنا كثيراً. وهذا أكثر ما يعنينا. الطب يريدنا أن نتغيّر إلى الأجمل، ذلك الذي نتمسّك به.
إلّا المرض، والنوم في ذلك الفراش ليل نهار. هذا كثير. الشيخوخة هي فرصتنا الأخيرة للاستراحة من ماضينا وإعادة اكتشاف ذلك الحقيقي، ولا يجب أن ننشغل بتفاصيل أخرى، وإن كان لا مفرّ منها.