جدل تشكيل البرلمان السوداني: استفراد بالسلطة أم استكمال الثورة؟

20 مارس 2020
تحذيرات من إعادة التجربة البرلمانية السابقة (أشرف الشاذلي/فرانس برس)
+ الخط -
يسعى التحالف الحاكم في السودان، من جديد، لإنعاش فكرة تشكيل مجلس تشريعي انتقالي في البلاد، يساهم في ثورة تشريعية وقانونية لتخطي القوانين التي وضعها نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، ويتولى مهمة الرقابة على أداء الحكومة. لكن قوى معارضة تشكك في أهمية تشكيل هذا المجلس ودوره في الفترة المقبلة.

وعقد تحالف "قوى الحرية والتغيير" الحاكم اجتماعاً، الأربعاء الماضي، ناقش خلاله جملة من الملفات، من بينها تأخر تشكيل المجلس التشريعي الانتقالي، وقرر العمل على الإسراع بتكوينه، وشكّل وفداً للتواصل مع المكون العسكري حول الخطوة، وأعلن رغبته في التواصل مع الجبهة الثورية وقوى الكفاح المسلح للتوصّل إلى تكوين مجلس متفق عليه، خصوصاً مع اقتراب موعد التوقيع على اتفاق السلام مع الجبهة الثورية في التاسع من إبريل/نيسان المقبل، حسب ما جاء في بيان للتحالف.

ونصت الوثيقة الدستورية الموقّعة بين العسكريين والمدنيين، في 17 أغسطس/آب الماضي، على تشكيل هياكل للسلطة الانتقالية، من بينها المجلس التشريعي. وهو، بحسب الوثيقة، سلطة تشريعية مستقلة تتشكل من 300 عضو، يراعى فيها تمثيل القوى المشاركة كافة في "التغيير"، عدا أعضاء "المؤتمر الوطني"، حزب الرئيس المخلوع عمر البشير، والقوى السياسية التي شاركت في النظام السابق حتى سقوطه. وحددت الوثيقة نسبة 40 في المائة على الأقل لتمثيل النساء في المجلس، وأعطت نسبة الثلثين لـ"قوى الحرية والتغيير"، والبقية للقوى غير الموقّعة على ميثاق "الحرية والتغيير"، على أن يتم اختيار النسبة الأخيرة بالتشاور بين التحالف والعسكريين في مجلس السيادة. ونصت الوثيقة كذلك على أن يشكَّل المجلس التشريعي الانتقالي، ويباشر مهامه في فترة لا تتجاوز 90 يوماً من تاريخ التوقيع على الوثيقة. وفي 16 ديسمبر/كانون الأول الماضي، انتهت فترة التسعين يوماً، لكن إعلان المجلس تأخر مراراً، بسبب اتفاق بين الحكومة والجبهة الثورية، وهي تحالف لحركات متمردة، تقاتل منذ عهد البشير في عدد من المناطق. ونص الاتفاق على تشكيل المجلس بعد التوقيع على اتفاق سلام شامل، عبر المفاوضات التي تستضيفها دولة جنوب السودان.

غير أن حالة من عدم الرضا عمّت الأوساط السياسية نتيجة ذلك التأخير، وعدم ضمان التوصل إلى اتفاق سلام في وقت قريب، وغياب العمل التشريعي والقانوني الذي يواكب الثورة السودانية، إذ لا تزال البلاد تُحكم عبر قوانين، غالبها سنّها نظام البشير. وظل التحالف الحاكم في حالة مطالبات مستمرة بضرورة تكوين المجلس، ليس من أجل مهمة التشريع وحدها، بل كذلك للقيام بمهمة الرقابة على الأداء الحكومي، الذي تتحفظ مكونات كثيرة من "الحرية والتغيير" عليه، خصوصاً في جوانبه الاقتصادية والضائقة المعيشية التي يعاني منها المواطن.

وقال رئيس المجلس المركزي لـ"قوى الحرية والتغيير"، كمال بولاد، لـ"العربي الجديد"، إن المجلس التشريعي المنتظر يأخذ أهم رسائل المرحلة الانتقالية في إطار التشريع لما تبقى من المرحلة الانتقالية، وتأخير تشكيله أفضى إلى خلل بات واضحاً في الفترة الماضية. وأكد عدم وجود سبب جوهري وواقعي للتأخير، لافتاً إلى أن "قوى الحرية والتغيير" تُفكر في الوصول إلى نتيجة، من خلال الحوار مع رفقائها من حملة السلاح، للاتفاق على مشاركتهم في المجلس التشريعي ونسبتها، على أن يحتفظ لهم بمقاعدهم خالية إلى حين استكمال عملية السلام، وفي الوقت نفسه يتشكّل المجلس كمؤسسة هامة وركيزة أساسية من ركائز المرحلة الانتقالية، حتى يؤدي عمله المطلوب في الرقابة على الجهاز التنفيذي أولاً، ثم استكمال قضايا التشريع المطلوبة.



وحول رغبة "تحالف الحرية والتغيير" في التشاور مع المكوّن العسكري داخل مجلس السيادة، أوضح بولاد أن الوثيقة الدستورية نصّت على منح نسبة 33 في المائة من عضوية المجلس لقوى سياسية خارج إطار التحالف الحالي، وهي نسبة يختص بها المكون العسكري، لذلك لا بد من التشاور معه، موضحاً أن لجنة من "الحرية والتغيير"، شُكلت في اليومين الماضيين، ستجتمع بالمكون العسكري للقيام بالمهمة، متوقعاً توصّل اللجنة إلى نتائج إيجابية تصب في مصلحة تشكيل المجلس التشريعي والرقابة، معيداً التأكيد أنه لا بد من الرقابة على الأداء الحكومي كضرورة ملحّة، لا سيما في ظل الأزمات المعيشية الحالية والتفاوض حول تحقيق السلام.

لكن القيادي في حركة "الإصلاح الآن" المعارضة أسامة توفيق قلل من قيمة التحركات التي يقوم بها "تحالف الحرية والتغيير" الحاكم هذه الأيام، تحت مبرر الرقابة على الحكومة، مشيراً، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن التحالف يشارك بشكل مباشر في صنع القرارات الحكومية، من خلال مشاركته في اجتماعات مشتركة مع مجلس الوزراء، ومجلس السيادة، وبالتالي ليس له ما يقدمه، حتى وإن تحوّلت عضويته إلى البرلمان. وأضاف توفيق أن التحالف الحاكم والحكومة نفسها خرقا الوثيقة الدستورية من قبل، بتحديد فترة 6 أشهر لتحقيق السلام، وهو أمر لم ينجز حتى الآن، معتبراً أن الطرفين يريدان كسب الوقت وليسا جادين في تشكيل برلمان حقيقي يقوم بواجب التشريع والرقابة، مبيناً أن أي خطوة لتكوين البرلمان، في الوقت الراهن، ستنسف المفاوضات الجارية في جوبا بين الحكومة والحركات المسلحة، التي وقّعت من قبل على اتفاق مكتوب بتأجيل عملية تشكيل البرلمان. وأشار توفيق إلى أن تشكيل المجلس التشريعي لن تكون له أي جدوى، وفقط سيوفر 300 وظيفة لقيادات "الحرية والتغيير"، مستبعداً مشاركة "الإصلاح الآن" في المجلس التشريعي، أو أي من الأحزاب الأخرى، لأنها لا تريد أن تكون "كومبارس" في مؤسسة يحوز "الحرية والتغيير" على نسبة الثلثين فيها.

أما محمد علي أونور، عضو "الكتلة التاريخية"، القريبة من الحركة الشعبية لتحرير السودان بزعامة عبد العزيز الحلو، إحدى الحركات التي تحاور الحكومة في جوبا، فاعتبر أن خطوة تشكيل المجلس التشريعي كواحدة من الخطوات المستعجلة التي مضى فيها "الحرية والتغيير" تشبه إلى حد بعيد خطوات النظام السابق، الذي كان يدعو الأطراف السياسية إلى حوار وهمي وغير فاعل، يفضي إلى نتائج صورية. وأضاف أونور، لـ"العربي الجديد"، أن البلاد أمامها تحديات أصعب، والأولوية الآن ينبغي أن تكون لتحقيق سلام شامل وعادل عبر اتفاق جاد مع القوى الحقيقية والفاعلة في الميدان العسكري والسياسي، مثل الحركة الشعبية لتحرير السودان. وحول تأثير الخطوة على مفاوضات السلام الجارية في جوبا، أوضح أن الحركات المسلحة لن تأبه، سلباً أو إيجاباً، وستتعامل معها كأنها لم تكن، لأنها تريد سلاماً وملتزمة بوقف إطلاق النار وليست معنية بتشكيل هياكل للسلطة على أساس المحاصصات السياسية، التي لم تُجدِ نفعاً في سياسة السودان منذ الاستقلال، حسب تقديره.

دلالات