وبقدر ما لعبت الزوايا كمؤسسة دينية تقليدية دوراً في الحفاظ على الدين الإسلامي واللغة العربية في عهد الاستعمار الفرنسي حتى يوليو/ تموز 1962، بقدر ما باتت في الفترة الأخيرة مثار جدل مجتمعي بسبب دور تقوم به لصالح تبييض صورة وزير الطاقة الأسبق شكيب خليل، والذي يسعى للاستفادة من دعم المؤسسة الدينية التقليدية.
ويقوم خليل منذ عودته إلى البلاد في مارس/ آذار الماضي، بزيارات مكوكية إلى الزوايا الدينية لتحسين صورته من اتهامات بالفساد والتورط في تلقي عمولات ورشاوى وجهها له منذ أغسطس/ آب 2013 النائب العام لمجلس قضاء الجزائر، تتعلق بصفقات عقدت بين 2003 و2008 بين شركة سوناطراك وشركات نفطية أجنبية.
ورغم الاعتراضات الكبيرة التي يعلنها الرأي العام ومحاولة ناشطين مدنيين منع شكيب خليل من دخول زوايا في مدن ميلة وعناية شرق الجزائر والشلف غرب البلاد، أو الاعتراض على محاولته استغلال هذه المساجد والزوايا لتبييض سمعته، إلا أن بعض الزوايا تواصل لعب دور ليس من أدوارها الطبيعية الموكلة لها مجتمعياً، والمتعلقة بتحفيظ القرآن واللغة والحديث.
في هذا السياق، يعتقد الأستاذ الباحث في التاريخ والتراث، محمد أرزقي فراد، أن الزوايا الدينية التي لعبت دوراً مهماً وحاسماً في الحفاظ على الدين والأصول والقيم، تحولت بفعل الاستغلال السياسي الفاضح إلى هيئات للدجل السياسي وكلفت بمهام ليست من مهامها أصلاً.
ومنذ مجيء الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى سدة الحكم عام 1999، اعتمد بشكل مبالغ فيه على الزوايا الدينية، خصوصاً في تزكية سياساته، مستفيداً من القيمة الرمزية لدى قطاع غالب من المجتمع الجزائري لتلك الزوايا. واللافت أن الاعتماد على المؤسسة الدينية التقليدية كان خياراً مفروضاً على السلطة بسبب عاملين، يتعلق الأول بكونها الأكثر قرباً من المجتمع الذي يحفظ لها رمزيتها وقدسيتها، ولكون القائمين عليها يسهل تطويعهم.
أما العامل الثاني، فيتعلق بكون المؤسسة الدينية الحركية التي تتنفذ عليها حركات الإسلام السياسي، عصية على التطويع، كما أنها تقف موقفاً متحفظاً من أدوار أخرى مشبوهة لعبتها الزوايا في عقود سابقة.
ويرى الباحث في الفكر الديني محمد بغداد أن "الزوايا الدينية دخلت في ورطة كبيرة، والمؤسسة الدينية ستواجه من خلال هذه الورطة تحديات دينية مستقبلية تلقي عليها تبعات ليست في متناولها"، في إشارة إلى وضع الزوايا في مواقف محرجة أمام المجتمع والتاريخ.
ليس لكل الزوايا الدينية الموقف نفسه، فبعضها رفض الانخراط في هذا المسعى كالزاوية التيجانية في منطقة تماسين جنوب البلد، وأيضاً زاوية في منطقة ميلة شرقي الجزائر أعلنت رفضها استقبال الوزير السابق شكيب خليل، وفضلت الحفاظ على موقفها المجتمعي.