إعلان الرئيس الفلسطيني محمود عباس الأخير بتعليق العمل في جميع الاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل، وتشكيل لجنة لمتابعة تطبيق هذا القرار على خلفية عمليات الهدم في وادي الحمص جنوب مدينة القدس المحتلة، لم يكن القرار الأول فقد سبقه منذ عام 2015 تسعة قرارات من المجلس المركزي أو اللجنة التنفيذية التابعة لمنظمة التحرير بنفس المضمون، التي تعني بشكل أساسي وقف أو تعليق التنسيق الأمني، والاعتراف بإسرائيل، والعمل ببروتوكول باريس الاقتصادي الذي ينظم العلاقات الاقتصادية بين السلطة وإسرائيل، وقد تم تشكيل أكثر من لجنة لدراسة أو وضع آليات عملية لتطبيق هذه القرارات، ومن ثم إعادة الأمر إلى المجلس المركزي أو اللجنة التنفيذية أو الرئيس، وهكذا دواليك، دون أن يلمس الشعب الفلسطيني أي خطوة عملية على أرض الواقع، ومن الواضح أن السلطة الفلسطينية لو كانت جدّية في السير قدماً في تطبيق هذه القرارات لشرعت عملياً في تطبيقها ولو بشكل جزئي منذ عام 2015، ولكن إذا كانت السلطة لا تنوى تطبيق قراراتها في ما يتعلق بالعلاقة مع إسرائيل فما التفسير المقبول لقرارات كهذه.
في الواقع، فإن صعود اليمين المتطرف في إسرائيل والقضم البطيء والمتدرج لحقائق اتفاق أوسلو على الأرض، والقضاء على كل مظاهر السيادة، والإبقاء فقط على ما يخدم الأمن الإسرائيلي، أفرغت السلطة الفلسطينية من محتواها، ونزعت عنها شرعية وجودها القائمة على مشروع التسوية، والأهم من ذلك نظرة الشعب الفلسطيني لها. ومع تسارع مخطط صفقة القرن لتصفية القضية الفلسطينية والاقتراب من إنهاء المشروع الصهيوني في الضفة الغربية بضم 60% من مساحة الضفة، وفرض الصبغة اليهودية على المدينة المقدسة، كان على السلطة أن تتصرف وتتخذ قرارات تاريخية بحجم المخطط الإسرائيلي للحفاظ على نوع من الشرعية لدى الشعب الفلسطيني، وبما أن السلطة الفلسطينية أسقطت من حساباتها الفعل المقاوم، وإحداث تغيير جوهري في دور ومكانة السلطة الفلسطينية، والتوجه نحو تمتين الجبهة الداخلية عبر مصالحة حقيقية قائمة على الشراكة الوطنية ومشروع المقاومة، فقد رجحت اللجوء إلى تبني قرارات، وبصخب إعلامي وبروبغندا ملحمية لملء فراغ الشرعية الشاغر، وتوسل دعامات تستهوي الروح الوطنية الفلسطينية والعاطفة الجماهيرية، ولكن دون إجراءات عملية على الأرض قد تفهم إسرائيلياً بأنها تغيير في الواقع السياسي والأمني القائم للسلطة ضد إسرائيل.
وإذ تهدد السلطة بتعليق العمل بالاتفاقيات، والإيحاء بأن السلطة مستعدة لأسوأ الاحتمالات بتضعضع مكانتها، وصولاً لإمكانية تفككها وانهيارها، فإنها توجه رسائل إلى القيادة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، بأن السلطة لم تعد مكترثة ببقائها على هذا الحال، وعلى إسرائيل أن تستعد لملء الفراغ الأمني والخدماتي في الضفة والعودة للتماسّ المباشر مع مدن وقرى الضفة الغربية، أي العودة لصيغة الاحتلال لما قبل اتفاق أوسلو.
وعلى جميع الأحوال، فإن قرارات السلطة بوقف أو تعليق العمل بالاتفاقيات لا يتعلق فقط بتبني بعض القرارات، وحتى لو رغبت السلطة في تطبيقها، فإن هناك من الأسباب ما يحول بينها وبين تطبيقها على أرض الواقع، نظراً لتشابكات وتعقيدات العلاقة، والصورة الضبابية لما يمكن أن تتمخض عنه هذه القرارات لو تم تطبيقها فعلياً.
أول هذه الأسباب هو تشابك العلاقات السياسية والأمنية والاقتصادية للسلطة مع الاحتلال، إذ إنها أُسست من رحم اتفاق أوسلو الذي ربط السلطة في كثير من جوانبها مع إسرائيل، فالسلطة لا تسيطر على أي موانئ برّية أو جوية، وجميع المنافذ خاضعة لسيطرة الاحتلال، بمعنى أن الحركة التجارية والمالية وتنقل الأفراد لا يمكن التحكم فيها فلسطينياً، حتى لو تم اتخاذ قرار بذلك، عوضاً عن أن السلطة الفلسطينية غير قادرة على وقف التنسيق الذي لطالما هددت به، لأنها تدرك جيداً أن وقف التنسيق من وجهة النظر الإسرائيلية هو انتفاء مبرر وجودها الأمني والسياسي.
ثاني هذه الأسباب يتعلق بالجبهة الداخلية الفلسطينية ووحدة الصف الفلسطيني، فخطوات استراتيجية كبرى على صلة بالقضية الفلسطينية تتطلب وحدة موقف فلسطيني، وجبهة واسعة متماسكة تمثل أغلب مكونات وألوان الطيف السياسي الفلسطيني، وهو ما يفتقر إليه الواقع الفلسطيني منذ عام 2007 أي بعد سيطرة حماس على قطاع غزة، والانقسام الجغرافي والسياسي الذي ضرب بأطنابه كافة مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية الفلسطينية، وبما أن الأمر يتعلق بالعلاقة بإسرائيل ومستقبل السلطة الفلسطينية، عوضاً عن المنعطف التاريخي والخطير الذي تمرّ به القضية الفلسطينية في سياق ما باتت تعرف بصفقة القرن التي ترنو إلى تصفية القضية وإفراغ المشروع الوطني الفلسطيني من مضامينه، فإن وحدة الموقف الفلسطيني والتحرك على أرضية مشتركة تنطلق من الثوابت الفلسطينية، ومن برنامج جامع لإنجاز مشروع التحرير تتطلب الإسراع في قطار المصالحة ولملمة الشتات السياسي الفلسطيني.
ثالث هذه الأسباب مرتبط بالواقع الإقليمي والدولي المحيط بالسلطة الفلسطينية، الذي يحدّ من قدرة السلطة الفلسطينية على اتخاذ إجراءات متقدمة بمضامين تحمل في طياتها مواجهة السياسيات الإسرائيلية وتحدي الغطرسة الصهيونية في مدينة القدس، وفي سياسات التهويد والمصادرة والتدمير، ومحاربة الوجود الفلسطيني واختزال دور السلطة في المكوّن الأمني، فالواقع العربي منقسم ومنشغل بأولويات أخرى؛ بالتأكيد ليس القضية الفلسطينية من بينها، وخصوصاً بعض الدول الخليجية التي مدّت جسورها السرّية والعلنية مع إسرائيل لمواجهة تحديات وهمية، وقدمت بعض القرابين لإسرائيل وعلى حساب القضية الفلسطينية، ومن الدول العربية الأخرى ما هي غارقة في حروب داخلية طائفية أو أهلية وتعاني من انقسامات أفقية وعمودية، ومنها ما هي منشغلة في تثبيت أركان حكمها وتتربص بالشعب والقوى الثورية، وغارقة في هواجسها من عودة الروح الثورية لدى شعوبها، وبالتالي فإن السند التاريخي العربي للقضية الفلسطينية لم يعد موجوداً.
كل الدلائل تؤكد أن السلطة الفلسطينية غير جادّة في تغيير الوضع القائم مع إسرائيل، وفي إعادة صياغة العلاقة التي بنيت على أساس اتفاق أوسلو الذي تم استنزافه إسرائيلياً بما يخدم الأمن والمشروع الصهيوني، فالسلطة ما زالت تعوّل على مشروع التسوية وعلى سياسة الانتظار والترقب، والحفاظ بقدر الإمكان على ما تبقى من منجزات السلطة الفلسطينية، وحتى وإن قررت ذلك فإن التزامات السلطة التي قامت على اتفاق أوسلو والأوضاع الداخلية الفلسطينية والإقليمية لا تسمح لها بالسير قدماً في خطوات كهذه.
في الواقع، فإن صعود اليمين المتطرف في إسرائيل والقضم البطيء والمتدرج لحقائق اتفاق أوسلو على الأرض، والقضاء على كل مظاهر السيادة، والإبقاء فقط على ما يخدم الأمن الإسرائيلي، أفرغت السلطة الفلسطينية من محتواها، ونزعت عنها شرعية وجودها القائمة على مشروع التسوية، والأهم من ذلك نظرة الشعب الفلسطيني لها. ومع تسارع مخطط صفقة القرن لتصفية القضية الفلسطينية والاقتراب من إنهاء المشروع الصهيوني في الضفة الغربية بضم 60% من مساحة الضفة، وفرض الصبغة اليهودية على المدينة المقدسة، كان على السلطة أن تتصرف وتتخذ قرارات تاريخية بحجم المخطط الإسرائيلي للحفاظ على نوع من الشرعية لدى الشعب الفلسطيني، وبما أن السلطة الفلسطينية أسقطت من حساباتها الفعل المقاوم، وإحداث تغيير جوهري في دور ومكانة السلطة الفلسطينية، والتوجه نحو تمتين الجبهة الداخلية عبر مصالحة حقيقية قائمة على الشراكة الوطنية ومشروع المقاومة، فقد رجحت اللجوء إلى تبني قرارات، وبصخب إعلامي وبروبغندا ملحمية لملء فراغ الشرعية الشاغر، وتوسل دعامات تستهوي الروح الوطنية الفلسطينية والعاطفة الجماهيرية، ولكن دون إجراءات عملية على الأرض قد تفهم إسرائيلياً بأنها تغيير في الواقع السياسي والأمني القائم للسلطة ضد إسرائيل.
وإذ تهدد السلطة بتعليق العمل بالاتفاقيات، والإيحاء بأن السلطة مستعدة لأسوأ الاحتمالات بتضعضع مكانتها، وصولاً لإمكانية تفككها وانهيارها، فإنها توجه رسائل إلى القيادة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، بأن السلطة لم تعد مكترثة ببقائها على هذا الحال، وعلى إسرائيل أن تستعد لملء الفراغ الأمني والخدماتي في الضفة والعودة للتماسّ المباشر مع مدن وقرى الضفة الغربية، أي العودة لصيغة الاحتلال لما قبل اتفاق أوسلو.
وعلى جميع الأحوال، فإن قرارات السلطة بوقف أو تعليق العمل بالاتفاقيات لا يتعلق فقط بتبني بعض القرارات، وحتى لو رغبت السلطة في تطبيقها، فإن هناك من الأسباب ما يحول بينها وبين تطبيقها على أرض الواقع، نظراً لتشابكات وتعقيدات العلاقة، والصورة الضبابية لما يمكن أن تتمخض عنه هذه القرارات لو تم تطبيقها فعلياً.
أول هذه الأسباب هو تشابك العلاقات السياسية والأمنية والاقتصادية للسلطة مع الاحتلال، إذ إنها أُسست من رحم اتفاق أوسلو الذي ربط السلطة في كثير من جوانبها مع إسرائيل، فالسلطة لا تسيطر على أي موانئ برّية أو جوية، وجميع المنافذ خاضعة لسيطرة الاحتلال، بمعنى أن الحركة التجارية والمالية وتنقل الأفراد لا يمكن التحكم فيها فلسطينياً، حتى لو تم اتخاذ قرار بذلك، عوضاً عن أن السلطة الفلسطينية غير قادرة على وقف التنسيق الذي لطالما هددت به، لأنها تدرك جيداً أن وقف التنسيق من وجهة النظر الإسرائيلية هو انتفاء مبرر وجودها الأمني والسياسي.
ثاني هذه الأسباب يتعلق بالجبهة الداخلية الفلسطينية ووحدة الصف الفلسطيني، فخطوات استراتيجية كبرى على صلة بالقضية الفلسطينية تتطلب وحدة موقف فلسطيني، وجبهة واسعة متماسكة تمثل أغلب مكونات وألوان الطيف السياسي الفلسطيني، وهو ما يفتقر إليه الواقع الفلسطيني منذ عام 2007 أي بعد سيطرة حماس على قطاع غزة، والانقسام الجغرافي والسياسي الذي ضرب بأطنابه كافة مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية الفلسطينية، وبما أن الأمر يتعلق بالعلاقة بإسرائيل ومستقبل السلطة الفلسطينية، عوضاً عن المنعطف التاريخي والخطير الذي تمرّ به القضية الفلسطينية في سياق ما باتت تعرف بصفقة القرن التي ترنو إلى تصفية القضية وإفراغ المشروع الوطني الفلسطيني من مضامينه، فإن وحدة الموقف الفلسطيني والتحرك على أرضية مشتركة تنطلق من الثوابت الفلسطينية، ومن برنامج جامع لإنجاز مشروع التحرير تتطلب الإسراع في قطار المصالحة ولملمة الشتات السياسي الفلسطيني.
ثالث هذه الأسباب مرتبط بالواقع الإقليمي والدولي المحيط بالسلطة الفلسطينية، الذي يحدّ من قدرة السلطة الفلسطينية على اتخاذ إجراءات متقدمة بمضامين تحمل في طياتها مواجهة السياسيات الإسرائيلية وتحدي الغطرسة الصهيونية في مدينة القدس، وفي سياسات التهويد والمصادرة والتدمير، ومحاربة الوجود الفلسطيني واختزال دور السلطة في المكوّن الأمني، فالواقع العربي منقسم ومنشغل بأولويات أخرى؛ بالتأكيد ليس القضية الفلسطينية من بينها، وخصوصاً بعض الدول الخليجية التي مدّت جسورها السرّية والعلنية مع إسرائيل لمواجهة تحديات وهمية، وقدمت بعض القرابين لإسرائيل وعلى حساب القضية الفلسطينية، ومن الدول العربية الأخرى ما هي غارقة في حروب داخلية طائفية أو أهلية وتعاني من انقسامات أفقية وعمودية، ومنها ما هي منشغلة في تثبيت أركان حكمها وتتربص بالشعب والقوى الثورية، وغارقة في هواجسها من عودة الروح الثورية لدى شعوبها، وبالتالي فإن السند التاريخي العربي للقضية الفلسطينية لم يعد موجوداً.
كل الدلائل تؤكد أن السلطة الفلسطينية غير جادّة في تغيير الوضع القائم مع إسرائيل، وفي إعادة صياغة العلاقة التي بنيت على أساس اتفاق أوسلو الذي تم استنزافه إسرائيلياً بما يخدم الأمن والمشروع الصهيوني، فالسلطة ما زالت تعوّل على مشروع التسوية وعلى سياسة الانتظار والترقب، والحفاظ بقدر الإمكان على ما تبقى من منجزات السلطة الفلسطينية، وحتى وإن قررت ذلك فإن التزامات السلطة التي قامت على اتفاق أوسلو والأوضاع الداخلية الفلسطينية والإقليمية لا تسمح لها بالسير قدماً في خطوات كهذه.