10 ابريل 2019
جنوب السودان... توالي السقوط
مع هطول الأمطار الغزيرة في دولة جنوب السودان، من شهر أبريل/ نيسان إلى نوفمبر/ تشرين الثاني، دخلت قوات المعارضة المسلحة الجنوبية مدينة واو، عاصمة ولاية بحر الغزال، ومن أكبر مدن جنوب السودان. يتكرر هذا المشهد في الغابات الاستوائية المطيرة في جنوب السودان، ولا تتخيله إلّا السينما الأميركية في نسخ مشابهة لغابات الأمازون وحياة العصابات هناك.
بعد ما كان الخلاف الرئيسي بين حكومة دولة الجنوب وغالبيتها من قبيلة الدينكا، والقبائل المتمردة الأخرى من النوير، ثم بين النوير والمورلي، كما في أحداث جونقلي، يظهر تمردٌ جديدٌ بقيادة أبناء قبيلة الفراتيت، المتحالفة مع القبائل التي تناصب الدينكا العداء، بالإضافة إلى مقاتلين من جيش الرب للمقاومة، وهي جماعة مسيحية مسلحة، تشن هجماتٍ على حكومة الجنوب من أوغندا.
ويُذكر أنّ قبيلة الفراتيت، التي شنت هذا الهجوم هي بقيادة الوزير السابق في حكومة السودان، قبل انفصال الجنوب، علي تميم فرتاك، والذي كان ينتمي إلى حزب المؤتمر الوطني الحاكم في السودان، وشغل منصب وزير الطيران والكهرباء، ثم منصب مستشار للرئيس عمر البشير عام 2008. كما كانت القوات التابعة للقبيلة تقاتل إلى جانب القوات المسلحة السودانية في أثناء الحرب الأهلية بين شمال وجنوب السودان. ولدى أبناء هذه القبيلة ما يكفي من الغبن تجاه حكومة الجنوب، لإشعال حربٍ أهلية أخرى، فقد منع سلفاكير ميارديت، عندما كان زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان وقائد الجيش الشعبي، أبناء الفراتيت من التدريب والاستيعاب في الجيش الشعبي، الذي أصبح في ما بعد جيش حكومة الجنوب.
سقطت مدينة واو فجر يوم 25 يونيو/ حزيران 2016، أي بعد ثلاثة أيام من سقوط مدينة راجا، ثاني أكبر وأهم مدينة في الولاية نفسها، وهي معقل قبيلة الفراتيت، أكبر معارضي رئيس جنوب السودان، سلفاكير، وأكبر داعمي زعيم المعارضة الجنوبية المسلحة، رياك مشار، المنتمي إلى قبيلة النوير. وتمثل قبيلة الدينكا غالبية الجيش الحكومي، بينما تمثل قبيلتا النوير والفراتيت أساس قوات المعارضة المسلحة، بالإضافة إلى بقية القبائل الجنوبية الأخرى.
وعلى الرغم من الأمطار الكثيفة، إلّا أنّ عدم الاستقرار، بسبب الصراعات المستمرة والحرب الأهلية منذ عام 2013، أثبت فشل دولة الجنوب في الإبقاء على مواطنيها بين حدود الدولة. بدأت تلك الحرب في جوبا، عاصمة دولة جنوب السودان، نتيجة صراعٍ بين عناصر قبلية من الحرس الرئاسي، مخلّفة حوالى 50.000 من القتلى وحوالى 2.5 مليونَي من اللاجئين والنازحين.
ويُعتبر المشرّدون من دولة الجنوب لاجئين في كل الدول المجاورة، إلّا في السودان، فتتم
معاملتهم معاملة النازحين، إعلامياً ومن الأمم المتحدة. ولهذا، لا يتم إنصافهم، وذلك لاقتسامهم معونة النازحين في إقليم دارفور، بسبب الحرب أيضاً، ومنطقة جنوب كردفان. وهذا الجزء المقتسم في حد ذاته ضئيل، حيث خصصت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدة نحو 80% من الميزانية لعامي 2016- 2017 للأنشطة المتعلقة بقضايا اللجوء في كل العالم، بينما تم تخصيص الباقي، وقدره 20% لأزمات النزوح.
وعلى الرغم من وجود اتفاق سلام بين المتمردين والحكومة، تم توقيعه في أغسطس/ آب 2015، ونص على تقاسم السلطة بين أطراف النزاع، وتشكيل حكومةٍ انتقالية، مدتها ثلاثون شهراً، تجري بعدها انتخاباتٌ على كل المستويات، إلّا أنّ الاتفاقية لم تتسع لجميع أطراف الصراع، كما جاء قرار الـ28 ولاية قاصمَ ظهرٍ للاتفاقية الهشة.
بالإضافة إلى الكوارث الطبيعية وإرث الصراعات القبلية، هناك أزمة حكم في دولة الجنوب، فالملاحظ أنه يتم باستمرار تغيير الوزراء أو إبعادهم. فقد أقال رئيس دولة جنوب السودان سلفاكير وزير خارجيته، برنابا مريال بنجامين، والذي تم تعيينه في عام 2013 من منصبه، بعد يومين من تزايد حدة الانتقادات للوزير، بسبب وثيقةٍ أرسلها إلى لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة في جنيف، ردت فيها وزارته على اتهامات ضد جوبا بانتهاك حرية التعبير في البلاد. وبحسب الوثيقة، اعتبرت وزارة الخارجية وزيراً جنوبياً سابقاً في حكومة الوحدة الوطنية قبل انفصال الجنوب، وكان قد تمّ طرده من دولة الجنوب؛ مواطناً أجنبياً في السودان، لكونه ينتمي إلى منطقة أبيي المتنازع عليها بين جوبا والخرطوم. وقد خلف برنابا على حقيبة وزارة الخارجية، دينق ألور، الذي شغل منصب وزير خارجية السودان قبل الانفصال، ثم أصبح الآن وزير خارجية دولة جنوب السودان. ومن غريب المصادفات أنّه ينتمي إلى منطقة أبيي الحدودية المتنازع عليها بين الدولتين.
هناك تحديات عديدة تواجه حكومة جوبا، وتقعدها عن الإمساك بأطراف النزاعات الدائرة، وهناك عجز يلازمها في التدخل لفض هذه النزاعات. وعلى الرغم من تعزيزات القوات الدولية، التي يتم إرسالها في ظروفٍ مشابهةٍ، إلّا أنّها لم تتمكّن من فض الاشتباكات الدائرة. كما أنّها، ومنذ لحظة ميلاد الدولة، تدور رحى حلولها لاحتواء الصراعات مع الجماعات المسلحة المعارضة، مما أسهم في إنهاك قواتها.
وهناك تحدٍّ آخر يكمن في انتشار السلاح وصعوبة جمعه من المواطنين، بعد انتهاء الحرب الأهلية بين شمال وجنوب السودان. فقد كان هناك اعتقاد سائد لدى النخبة الجنوبية، الشريكة في الحكم في زمن وحدة السودان، بأنّ حكومة الخرطوم كانت لديها رؤية، وهي تجريد الجنوب من أي شأن استراتيجي. أما ما حدث بعد ذلك فهو تسليح حكومة الجنوب القبائل ودعم القوات الموالية لها، حتى انقلب السحر على الساحر.
بعد ما كان الخلاف الرئيسي بين حكومة دولة الجنوب وغالبيتها من قبيلة الدينكا، والقبائل المتمردة الأخرى من النوير، ثم بين النوير والمورلي، كما في أحداث جونقلي، يظهر تمردٌ جديدٌ بقيادة أبناء قبيلة الفراتيت، المتحالفة مع القبائل التي تناصب الدينكا العداء، بالإضافة إلى مقاتلين من جيش الرب للمقاومة، وهي جماعة مسيحية مسلحة، تشن هجماتٍ على حكومة الجنوب من أوغندا.
ويُذكر أنّ قبيلة الفراتيت، التي شنت هذا الهجوم هي بقيادة الوزير السابق في حكومة السودان، قبل انفصال الجنوب، علي تميم فرتاك، والذي كان ينتمي إلى حزب المؤتمر الوطني الحاكم في السودان، وشغل منصب وزير الطيران والكهرباء، ثم منصب مستشار للرئيس عمر البشير عام 2008. كما كانت القوات التابعة للقبيلة تقاتل إلى جانب القوات المسلحة السودانية في أثناء الحرب الأهلية بين شمال وجنوب السودان. ولدى أبناء هذه القبيلة ما يكفي من الغبن تجاه حكومة الجنوب، لإشعال حربٍ أهلية أخرى، فقد منع سلفاكير ميارديت، عندما كان زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان وقائد الجيش الشعبي، أبناء الفراتيت من التدريب والاستيعاب في الجيش الشعبي، الذي أصبح في ما بعد جيش حكومة الجنوب.
سقطت مدينة واو فجر يوم 25 يونيو/ حزيران 2016، أي بعد ثلاثة أيام من سقوط مدينة راجا، ثاني أكبر وأهم مدينة في الولاية نفسها، وهي معقل قبيلة الفراتيت، أكبر معارضي رئيس جنوب السودان، سلفاكير، وأكبر داعمي زعيم المعارضة الجنوبية المسلحة، رياك مشار، المنتمي إلى قبيلة النوير. وتمثل قبيلة الدينكا غالبية الجيش الحكومي، بينما تمثل قبيلتا النوير والفراتيت أساس قوات المعارضة المسلحة، بالإضافة إلى بقية القبائل الجنوبية الأخرى.
وعلى الرغم من الأمطار الكثيفة، إلّا أنّ عدم الاستقرار، بسبب الصراعات المستمرة والحرب الأهلية منذ عام 2013، أثبت فشل دولة الجنوب في الإبقاء على مواطنيها بين حدود الدولة. بدأت تلك الحرب في جوبا، عاصمة دولة جنوب السودان، نتيجة صراعٍ بين عناصر قبلية من الحرس الرئاسي، مخلّفة حوالى 50.000 من القتلى وحوالى 2.5 مليونَي من اللاجئين والنازحين.
ويُعتبر المشرّدون من دولة الجنوب لاجئين في كل الدول المجاورة، إلّا في السودان، فتتم
وعلى الرغم من وجود اتفاق سلام بين المتمردين والحكومة، تم توقيعه في أغسطس/ آب 2015، ونص على تقاسم السلطة بين أطراف النزاع، وتشكيل حكومةٍ انتقالية، مدتها ثلاثون شهراً، تجري بعدها انتخاباتٌ على كل المستويات، إلّا أنّ الاتفاقية لم تتسع لجميع أطراف الصراع، كما جاء قرار الـ28 ولاية قاصمَ ظهرٍ للاتفاقية الهشة.
بالإضافة إلى الكوارث الطبيعية وإرث الصراعات القبلية، هناك أزمة حكم في دولة الجنوب، فالملاحظ أنه يتم باستمرار تغيير الوزراء أو إبعادهم. فقد أقال رئيس دولة جنوب السودان سلفاكير وزير خارجيته، برنابا مريال بنجامين، والذي تم تعيينه في عام 2013 من منصبه، بعد يومين من تزايد حدة الانتقادات للوزير، بسبب وثيقةٍ أرسلها إلى لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة في جنيف، ردت فيها وزارته على اتهامات ضد جوبا بانتهاك حرية التعبير في البلاد. وبحسب الوثيقة، اعتبرت وزارة الخارجية وزيراً جنوبياً سابقاً في حكومة الوحدة الوطنية قبل انفصال الجنوب، وكان قد تمّ طرده من دولة الجنوب؛ مواطناً أجنبياً في السودان، لكونه ينتمي إلى منطقة أبيي المتنازع عليها بين جوبا والخرطوم. وقد خلف برنابا على حقيبة وزارة الخارجية، دينق ألور، الذي شغل منصب وزير خارجية السودان قبل الانفصال، ثم أصبح الآن وزير خارجية دولة جنوب السودان. ومن غريب المصادفات أنّه ينتمي إلى منطقة أبيي الحدودية المتنازع عليها بين الدولتين.
هناك تحديات عديدة تواجه حكومة جوبا، وتقعدها عن الإمساك بأطراف النزاعات الدائرة، وهناك عجز يلازمها في التدخل لفض هذه النزاعات. وعلى الرغم من تعزيزات القوات الدولية، التي يتم إرسالها في ظروفٍ مشابهةٍ، إلّا أنّها لم تتمكّن من فض الاشتباكات الدائرة. كما أنّها، ومنذ لحظة ميلاد الدولة، تدور رحى حلولها لاحتواء الصراعات مع الجماعات المسلحة المعارضة، مما أسهم في إنهاك قواتها.
وهناك تحدٍّ آخر يكمن في انتشار السلاح وصعوبة جمعه من المواطنين، بعد انتهاء الحرب الأهلية بين شمال وجنوب السودان. فقد كان هناك اعتقاد سائد لدى النخبة الجنوبية، الشريكة في الحكم في زمن وحدة السودان، بأنّ حكومة الخرطوم كانت لديها رؤية، وهي تجريد الجنوب من أي شأن استراتيجي. أما ما حدث بعد ذلك فهو تسليح حكومة الجنوب القبائل ودعم القوات الموالية لها، حتى انقلب السحر على الساحر.