أن نرى فناناً سورياً يظهر في إعلان تجاري لا يبدو أمراً مستغرباً، خصوصاً أن تجربة الفنانين السوريين في الظهور ضمن الإعلانات ليست جديدة. إذْ بدأت منذ سبعينيات القرن الماضي، عندما ظهرت الفنانة، صباح جزائري، في إعلان لأحد أنواع المشروبات الغازية. لكن تلك التجربة كانت متفاوتة النتائج، فبعضها تسبب لأولئك الفنانين بتعرضهم للسخرية من قِبَل الجمهور، حتى إنها وصمت تاريخهم الفني بالعار الذي لا يمكن محوه بسهولة، بينما بعضها الآخر، وهو قليل جداً، حفر صوت الفنان قبل صورته في قلوب الجمهور. فكانت رغم بساطتها وبدائيتها النسبية، جزءاً من هوية ذلك الفنان وتجربته الفنية، مثل الفنانة، أصالة نصري، التي علق صوتها في أذهان الناس بداية، عبر أحد الإعلانات التي عرضها التلفزيون الرسمي السوري لبطاقات "يانصيب معرض دمشق الدولي" في طفولتها. إذ غنت أغنية الإعلان من دون أن تظهر فيه، تاركة لطفلتين الرقص على أنغام أغنيتها. وبقي ذلك الإعلان يُعرَض على الشاشة لسنوات، حتى تحول إلى ذكرى من كلاسيكيات التلفزيون السوري الرسمي. وأحب الجمهور، أيضاً، صوت والدها الفنان، مصطفى نصري، في إعلان شهادات الاستثمار، ولا سيما حينما يغني: "ولادي صاروا تلاتة وأمهم إلهام، وعلي أضمن أنا مستقبل الأيام".
كثر هم الفنانون الذين خاضوا تلك التجربة بدءاً من دريد لحام، إلى جيني إسبر، وسلاف فواخرجي وغيرهم. لكن الفنان السوري المعارض، جهاد عبدُه، قدم هذه المرة شيئاً مختلفاً عمن سبقوه. ولعل وجوده في الولايات المتحدة الأميركية، وظهوره في عدة أفلام سينمائية في هوليوود، لفت الأنظار إليه. فنشر عبر صفحته على فيسبوك الإعلان التجاري الذي ظهر فيه مؤخراً للشرائح الإلكترونية الذكية "إنتيل"، وكتب عبدُه: "أتشرف بالمشاركة بكل تواضع في هذا. مع النجم الرائع جيم بارسون. المستقبل سيحمل اللامعقول، باستخدام التكنولوجيا. الشرائح الذكية إنتيل ستغزو العقول قريباً". ويظهر عبدُه في الإعلان وهو يجلس ويلعب الشطرنج مع طفلة، بينما يقوم الممثل نجم المسلسل الكوميدي الشهير "بيغ بانغ ثيوري"، جيم بارسون، بالتحدث عن مزايا شريحة "إنتيل" التي تمثل العقل الذكي لأجهزة الكمبيوتر. بينما يتكلم الكلب الجالس بجانب الطفلة، ويدلها على طريقة كسب اللعبة، في إشارة إلى قدرة ذلك المعالج، وذلك في إعلان لم تتجاوز مدته الخمس عشرة ثانية.
Facebook Post |
هذه هي المرة الأولى التي يشارك فيها جهاد عبدُه في إعلان تجاري، الأمر الذي لاقى استحسان متابعيه عبر وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصاً أنَّها المرة الأولى التي يظهر فيها فنان سوري في إعلان لشركة عالميّة مُتخصّصة بمعالجات أجهزة الكمبيوتر، الأمر الذي وجده المتابعون مدعاة فخرٍ بهذا الفنان الذي اختار الانحياز للثورة السورية، ومعارضة النظام، وانتقاد ممارساته ضد الشعب السوري، واضطر لمغادرة سورية إلى الولايات المتحدة، حيث عمل في مهن عادية مثل توصيل البيتزا، وقيادة سيارة الأجرة. لكنه في الوقت ذاته، اعتبر أن عمله في تلك المهن شكَّل إضافة إلى تجربته، وساعده في التعرف على المجتمع الأميركي، حتى أصبح في رصيده عددٌ لا بأس به من الأفلام الهوليوودية التي شارك فيها كبار النجوم، مثل فيلم "جهاد في هوليوود" الذي قدم قصته الحقيقية، وجمعه بالنجم توم هانكس. كما حصل على عضوية نقابة الفنانين الأميركيين في أكتوبر/ تشرين الثاني عام 2016، بالإضافة إلى فوزه بجائزة "أوسكار" المخصصة للطلاب، عن فيلم سويسري لعب فيه دور البطولة عام 2017. ما يجعل ظهوره في الإعلان مؤخراً إضافة جديدة لمسيرته، خصوصاً أن هذا النوع من الإعلانات يقدمه كبار نجوم هوليوود.