كشفت مكتبة إيرلندا الوطنية عن نسخة رقمية من رسالة وجهها الكاتب الأيرلندي جيمس جويس لابنه جيورجيو في التاسع من تموز/ يوليو 1931، بعد خمسة أيام من عقد قرانه الرسمي على نورا بارناكل، يعبّر فيه عن انزعاجه من مطاردة الصحافيين له منذ لحظة خروجه من مكتب كينزنغتون للتوثيق وحتى لحظة كتابة الرسالة.
جويس الثائر على عقارب الساعة وصاحب النظرة السلبية إلى تقاليد الزواج بوصفها عبودية، اضطر إلى توثيق زواجه من نورا، بعد 27 عاماً من الحياة المشتركة، فقط للحصول على اعتراف قانوني بنسبة ولديه إليه وأحقيتهما في ميراثه.
لم يستطع جويس البقاء ضمن اللياقة التي يفرضها المجتمع؛ فواجه تطفل الصحافيين بما يليق من انزعاج وفتور، متعجباً في رسالته من قدرة هؤلاء على مواصلة التربص بأسرار الآخرين.
يحكي جويس لجيورجيو وزوجته هيلين عن المحاولة الاستفزازية لمراسل الـ"سانداي إكسبريس" الذي انتظره على سُلم منزله مطالباً إياه بالتعليق على وصف نورا في سجلات التوثيق بكلمة "عانس". وحين تجاهله الكاتب؛ عاد برسالةٍ من رئيس التحرير، هي عبارة عن "ابتزاز محض"، على حد قول جويس الذي كتب: "لقد عرضوا عليَّ نصف صفحة في جريدتهم لكتابة مقال عن الحب الحر والزواج الحديث، وقالوا إنهم سيدفعون لي جيداً في حال قبولي؛ أما إذا رفضتُ فسيكتبون بحرية مطلقة، وكما يحلو لهم، عن زواجي المزدوج".
العبارة البسيطة التي أجاب بها جويس على هذا العرض: "أنا لا أكتب في الصحافة، ولا أقرأها أيضاً"؛ تشكّل مفتاحاً رئيسياً لفهم أحد جوانب شخصيته بالغة التعقيد، ألا وهو انفصاله عن حركة الزمن وكراهيته لتسلسله، وهو ما عبر عنه في رائعته "عوليس" التي تتناول أحداث يوم عادي من حياة إنسان عادي، بدقة مذهلة، وسردٍ لا يتكئ على ترتيب زمني وفقاً لمنطق الساعة التي تحصي الزمن وتجزئه، بل ضمن تفجير ذرات الزمن؛ معتمداً الحوار الداخلي حيناً، والوصف الفوتوغرافي، والأسلوب الملحمي أحياناً أخرى؛ عاكساً صورةً صادقة عن عالم النفس الداخلي وعلاقتها مع الخارج، ومختزلاً الكون كله في جوزة واحدة، على حد تعبيره.
يُذكر أن هذه الرسالة هي واحدة من تسعين مخطوطة آلت إلى "مؤسسة جيمس جويس" في زيورخ، بعد وفاة البروفسور هانز جاهنك، ابن جيورجيو جويس من زوجته الثانية.