ولم يكن غريباً أن "مؤتمر حضرموت الجامع" الذي يتبنى هذا النوع من المطالبات، ينعقد بحضور المحافظ فرج سالمين البحسني، ليوصل رسالة بأن السلطة المحلية في المحافظة، والمفترض أنها تعبر عن التوجه الحكومي، تبارك بصورة أو بأخرى مطالبات أقل ما يمكن القول عنها إنها تؤسس لانفصال عملي في المحافظة النفطية اليمنية التي تحتل مع ما جاورها ضمن ما يُسمى "إقليم حضرموت" أكثر من نصف مساحة اليمن. وزار محافظ حضرموت أخيراً السعودية بدعوة منها. وكان واضحاً أن البحسني، ومن خلال لقاءاته التي أجراها والتصريحات التي أطلقها، يلقى احتفاءً لافتاً من قبل الرياض، على الأقل مقارنة بالمسؤولين الحكوميين اليمنيين الذين يتواجدون في السعودية أو يزورونها.
وفي ظل المعطيات والتطورات المختلفة، يتهامس سياسيون يمنيون على مستوى رفيع بأن التفسير الأقرب لما يجري أن السعودية تمهّد الطريق لإنجاز حلم ظل يراود القيادات المتعاقبة منذ عقود وهو مد خط أنابيب ينقل النفط السعودي من حقل الغوار بالمنطقة الشرقية وحقول أخرى إلى ميناء تصدير على بحر العرب، وبذلك تكون الرياض، وفق بعض المتابعين، قد ضربت عصفورين بحجر: تقليل كلفة النقل، وخصوصاً الشحنات المصدرة إلى دول شرق آسيا، وكذا تأمين خطوط الملاحة في حال تعرض خط الملاحة الدولي المار بمضيق هرمز على المدخل الجنوبي للخليج العربي والخاضع لسيطرة إيران لأية إجراءات قد تعرقل تدفق الوقود السعودي للعالم. ويزيد من أهمية هذا الهدف التوتر المتلاحق الذي تشهده علاقة الرياض وطهران، والملفات الملتهبة بينهما على أكثر من صعيد.
وتولي السعودية أهمية لضمان ثبات تدفق النفط باعتبارها أكبر مصدري النفط في العالم بواقع 10 ملايين برميل يومياً، حسب آخر الإحصاءات. ويمثل إنتاجها النفطي ركيزة اقتصادها القومي وورقة هامة تستخدمها أمام الأطراف الكبرى في المجتمع الدولي لتبرير بعض الإجراءات والسياسات. وحسب مراقبين يمنيين، فقد سعت السعودية في فترات سابقة للتشاور مع الحكومات اليمنية المتعاقبة لبحث مسألة الاستفادة من العمق اليمني لمد خط أنابيب نفطي إلى البحر العربي، لكن تلك الجهود لم يكتب لها النجاح.
وفي وقتٍ تحفّظ فيه مسؤولون حكوميون تواصلت معهم "العربي الجديد"، عن إبداء أي تعليق حول الموضوع، يتوقع مراقبون أن العراقيل التي كانت تعترض طريق الأنبوب السعودي في الأراضي اليمنية باتت اليوم أقل، خصوصاً مع الإقامة شبه الدائمة للرئيس اليمني عبدربه منصور هادي في الرياض، وكذا بسبب احتياج الحكومة الشرعية للدعم المالي والعسكري والسياسي السعودي في هذه المرحلة حتى استكمال تحرير المناطق التي لا تزال تحت سيطرة الحوثيين.
وتترافق هذه التحركات مع الأنباء التي تفيد بأن السعودية شرعت في العامين الماضيين بإجراءات عدة في محافظتي حضرموت والمهرة، إلى الشرق منها، من بينها توثيق عرى التواصل مع الشخصيات القبلية والعسكرية النافذة في المحافظتين. ولعل الاستقبال الاستثنائي الذي حظي به محافظ حضرموت في الرياض كان مثالاً، إلى جانب استضافة السعودية مراراً لوفود قبلية من المحافظة من دون التنسيق مع الحكومة الشرعية.
وتتحدث مصادر عن منح السلطات السعودية وثائق الجنسية أو ما يسمى بالتابعية، على نطاق واسع بين المواطنين، وخصوصاً في محافظة المهرة، شرق حضرموت، والتي حظيت أواخر العام المنصرم وأوائل العام الحالي بإجراءات خاصة، أبرزها حسب مصادر "العربي الجديد"، تفعيل مطارها الجوي من قبل السعودية لنقل أسلحة ومعدات عسكرية وجنود لفترة تربو على الشهر بحجة تأمين المحافظة من التهريب. وأكد مواطنون في مدينة الغيضة، عاصمة المحافظة، في أحاديث مع "العربي الجديد"، أن دوي الطائرات الحربية السعودية لم يكد يتوقف في سماء المدينة طوال شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وأن مطار الغيضة الذي كان مغلقا منذ سنوات، تمت إعادة تأهيله واستقبل طائرات حربية سعودية متعددة المهام.