18 أكتوبر 2024
حراك لبنان ومحاذير السياسة
كم كان المشهد مفرحاً! مئات الشبان والشابات من مختلف المشارب الطائفية والسياسية تجمعوا في ساحة واحدة، للهتاف ضد فساد النظام في البلاد. مشهد لم يكن لأحد أن يتوقعه في لبنان، الغارق في الانقسامات السياسية والطائفية أفقياً وعمودياً، بشكل بات معه من شبه المستحيل أن يتوحّد أبناء الشعب خلف عناوين مطلبية معينة، لكن المستحيل بات اليوم ممكناً. جاءت أزمة النفايات في البلاد، والتي عانى منها الجميع من دون استثناء، لتكون فرصة لالتقاء الكل في الساحات، وفي هتاف واحد ضد الطبقة السياسية جمعاء.
العنوان الخدماتي كان أبعد ما يكون عن الانقسام السياسي وتشعباته الطائفية والمذهبية. لم يكن هناك أحد في لبنان لم يعان من تكدس النفايات في شارعه أو أمام مقر عمله. لم يكن من الممكن لمثل هذا العنوان أن يكون محل خلاف. وعلى غراره، من الممكن أن تكون هناك عناوين كثيرة يمكن أن يتجمع حولها المتظاهرون، وتزيد أعدادهم، خصوصاً إذا كانت عناوين مطلبية غير موغلة في الملفات السياسية. انقطاع الكهرباء والمياه، مثلاً، من العناوين الجامعة بين أبناء بيروت والضاحية الجنوبية والمتن والجبل والشمال والجنوب. عنوان كان يستأهل التحرك منذ زمن بعيد، خصوصاً أن الحكومات المتعاقبة على لبنان، منذ نهاية الحرب الأهلية، لم تتمكن من معالجة هذا الملف، على الرغم من حجم الإنفاق الضخم عليه، والذي ذهب، في مجمله، إلى جيوب المسؤولين الذين ولدوا مافيات بديلة لتقديم هاتين الخدمتين للمواطنين مقابل بدل مادي.
من المؤكد أن الأوان قد آن لتخرج هذه المطالبات الخدماتية وغيرها إلى الشارع، وبصوت واحد جامع، قبل الانزلاق إلى المطالب السياسية التي من شأنها أن تخرّب الحراك في هذا التوقيت المبكر. لا شك أن المطالب السياسية التي تم رفعها محقة، وأساسية لمن يريد أن يبني بلداً جديداً حقيقياً، ويتخلص من الطبقة السياسية الحاكمة. لكن من المؤكد أيضاً أنه من المبكر جداً طرح شعارات مثل "استقالة الحكومة" أو "حل المجلس النيابي" أو "انتخاب رئيس جمهورية" أو "إجراء انتخابات برلمانية مبكرة". كل هذه العناوين، على أهميتها وأحقيتها، لكنها مادة انقسام حاد بين اللبنانيين، خصوصاً عندما يبدأ التماس بين السياسة والطائفية أو المذهبية، سواء في ما يتعلق بموقع رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة أو رئيس المجلس النيابي.
الأرضية قد لا تكون مهيأة الآن لرفع الشعارات الكبرى الخلافية. لتكن محاربة الفساد والمفسدين فرصة التقاء وتآلف أطياف المجتمع اللبناني في ساحة واحدة، وربما الخروج بحركة سياسية حقيقية عابرة للطوائف والتبعات. حركة حاملة لهموم شعبية ومؤسسة لمرحلة وعي سياسي لا تزال الغالبية اللبنانية بعيدة عنه. فحتى النزول إلى الشارع ضمن العناوين الخدماتية، قد لا يمنع لاحقاً هذا المتظاهر من التصويت في أي "انتخابات مبكرة" للطبقة السياسية الحاكمة نفسها حالياً، خصوصاً عندما يبدأ العزف على الوتر المذهبي والطائفي، وهو الوتر التي تسوق فيها الأحزاب كل جماهيرها.
الالتقاء في ساحتي رياض الصلح والشهداء، وبوجود مجموعات شبابية خارجة من الإطارات الحزبية والطائفية، فرصة لتكوين وعي جديد، وهو ما بدأ فعلياً يحصل، ويثير مخاوف الطبقة السياسية والحزبية التي بدأت تطلق جمهورها لمواجهة المتظاهرين، ومحاولة وصمهم بانتماءات سياسية، للحد من قدرتهم على سحب الجمهور من الأحزاب نفسها. فمجموعات 8 آذار، بقيادة حزب الله، تروج أن التحرك مدعوم من السفارات الأجنبية، ويحمل أجندات مشبوهة، ومجموعات 14 آذار، بقيادة تيار المستقبل، تصف المتظاهرين بأنهم من "سرايا المقاومة" التابعة لحزب الله. بغض النظر عن التوصيفين المتناقضين، إلا أنها المرة الأولى ربما التي تتفق فيها التيارات السياسية المختلفة في لبنان على شيء، هو معاداة هذا التحرك الشعبي.
العنوان الخدماتي كان أبعد ما يكون عن الانقسام السياسي وتشعباته الطائفية والمذهبية. لم يكن هناك أحد في لبنان لم يعان من تكدس النفايات في شارعه أو أمام مقر عمله. لم يكن من الممكن لمثل هذا العنوان أن يكون محل خلاف. وعلى غراره، من الممكن أن تكون هناك عناوين كثيرة يمكن أن يتجمع حولها المتظاهرون، وتزيد أعدادهم، خصوصاً إذا كانت عناوين مطلبية غير موغلة في الملفات السياسية. انقطاع الكهرباء والمياه، مثلاً، من العناوين الجامعة بين أبناء بيروت والضاحية الجنوبية والمتن والجبل والشمال والجنوب. عنوان كان يستأهل التحرك منذ زمن بعيد، خصوصاً أن الحكومات المتعاقبة على لبنان، منذ نهاية الحرب الأهلية، لم تتمكن من معالجة هذا الملف، على الرغم من حجم الإنفاق الضخم عليه، والذي ذهب، في مجمله، إلى جيوب المسؤولين الذين ولدوا مافيات بديلة لتقديم هاتين الخدمتين للمواطنين مقابل بدل مادي.
من المؤكد أن الأوان قد آن لتخرج هذه المطالبات الخدماتية وغيرها إلى الشارع، وبصوت واحد جامع، قبل الانزلاق إلى المطالب السياسية التي من شأنها أن تخرّب الحراك في هذا التوقيت المبكر. لا شك أن المطالب السياسية التي تم رفعها محقة، وأساسية لمن يريد أن يبني بلداً جديداً حقيقياً، ويتخلص من الطبقة السياسية الحاكمة. لكن من المؤكد أيضاً أنه من المبكر جداً طرح شعارات مثل "استقالة الحكومة" أو "حل المجلس النيابي" أو "انتخاب رئيس جمهورية" أو "إجراء انتخابات برلمانية مبكرة". كل هذه العناوين، على أهميتها وأحقيتها، لكنها مادة انقسام حاد بين اللبنانيين، خصوصاً عندما يبدأ التماس بين السياسة والطائفية أو المذهبية، سواء في ما يتعلق بموقع رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة أو رئيس المجلس النيابي.
الأرضية قد لا تكون مهيأة الآن لرفع الشعارات الكبرى الخلافية. لتكن محاربة الفساد والمفسدين فرصة التقاء وتآلف أطياف المجتمع اللبناني في ساحة واحدة، وربما الخروج بحركة سياسية حقيقية عابرة للطوائف والتبعات. حركة حاملة لهموم شعبية ومؤسسة لمرحلة وعي سياسي لا تزال الغالبية اللبنانية بعيدة عنه. فحتى النزول إلى الشارع ضمن العناوين الخدماتية، قد لا يمنع لاحقاً هذا المتظاهر من التصويت في أي "انتخابات مبكرة" للطبقة السياسية الحاكمة نفسها حالياً، خصوصاً عندما يبدأ العزف على الوتر المذهبي والطائفي، وهو الوتر التي تسوق فيها الأحزاب كل جماهيرها.
الالتقاء في ساحتي رياض الصلح والشهداء، وبوجود مجموعات شبابية خارجة من الإطارات الحزبية والطائفية، فرصة لتكوين وعي جديد، وهو ما بدأ فعلياً يحصل، ويثير مخاوف الطبقة السياسية والحزبية التي بدأت تطلق جمهورها لمواجهة المتظاهرين، ومحاولة وصمهم بانتماءات سياسية، للحد من قدرتهم على سحب الجمهور من الأحزاب نفسها. فمجموعات 8 آذار، بقيادة حزب الله، تروج أن التحرك مدعوم من السفارات الأجنبية، ويحمل أجندات مشبوهة، ومجموعات 14 آذار، بقيادة تيار المستقبل، تصف المتظاهرين بأنهم من "سرايا المقاومة" التابعة لحزب الله. بغض النظر عن التوصيفين المتناقضين، إلا أنها المرة الأولى ربما التي تتفق فيها التيارات السياسية المختلفة في لبنان على شيء، هو معاداة هذا التحرك الشعبي.