لبنان… الحرب ومساراتها
لا يبدو أن العدوان الإسرائيلي على لبنان في طريقه إلى نهاية قريبة، فالأمور مرشّحةٌ لمزيد من التعقيد والتصعيد في الأيام المقبلة، خصوصاً في حال تنفيذ دولة الاحتلال تهديداتها بالردّ على الضربة الإيرانية لإسرائيل، والذي من الممكن أن يستدرج ردوداً أعنف من إيران وحلفائها في المنطقة، وفي مقدمتهم حزب الله.
حتى دون ذلك، وفي حال قرّرت طهران امتصاص الضربة المرتقبة، حرصاً على عدم الدخول في مواجهة مباشرة مع إسرائيل والغرب، سيبقى العدوان على لبنان ماضياً في منحىً تصاعدي، مع التغيير الحاصل خلال الأيام الماضية على الجبهة.
فخلال الأيام الأولى من العدوان، الذي بدأ فعلياً قبل عشرة أيام، كان واضحاً أن حزب الله فاقدٌ للتوازن في ردوده، خصوصاً أن العمليات الإسرائيلية جاءت مباشرة بعد "مجزرة البيجر"، واغتيال الأمين العام للحزب، حسن نصر الله، فالصليات الصاروخية للحزب في الأيام الأولى للعدوان لم تكن متوائمة مع ضراوة الغارات الإسرائيلية التي يبدو أن إحداها أدت إلى اغتيال المرشّح أميناً عاماً للحزب، هاشم صفي الدين. لكن الأمور تعدلت قليلاً خلال الأيام القليلة الماضية، وبدأ حزب الله في استعادة قليل من توازنه، وخصوصاً مع بدء الاحتلال عملياته البرّية داخل الأراضي اللبنانية، إذ تمكّن المقاتلون فيه، إلى حد كبير، من عرقلة التقدّم الإسرائيلي، وإن لم يمنعوه كلياً، وتمكنوا من إيقاع خسائر في صفوف جيش الاحتلال. وبالتوازي مع ذلك، ازداد زخم القصف الصاروخي إلى الداخل الإسرائيلي، وتخطّى الشمال ليصل إلى حيفا، ويحقق إصابات مباشرة.
من المرجّح أن يكون هذا التغيير في الواقع على الأرض عنواناً للتصعيد الإسرائيلي تجاه لبنان في الفترة المقبلة، وضرب أهداف جديدة كانت خارج دائرة العمليات الإسرائيلية، ردّاً على قصف حيفا، وهو ما سبق وحصل في عدوان 2006، حين ضربت الموانئ والمنشآت الحيوية اللبنانية بعد قصف العمق الإسرائيلي. غير أن من الواضح أن إسرائيل، ومن ورائها الولايات المتحدة، لا تعوّلان فقط على هذا السياق من الحرب على حزب الله، إذ إن التخطيط هو لتحرك أبعد من ذلك، يكون مدفوعاً بالتصعيد الإسرائيلي، خصوصاً إذا توسّعت دائرة أهداف الاحتلال في الداخل اللبناني.
عزل حزب الله داخلياً من أهم الأهداف التي تسعى إليها واشنطن وتل أبيب، فالحراك الأميركي بدأ فعلياً مع المسؤولين اللبنانيين لترتيب انتخاب رئيس الجمهورية، بعيداً عن رأي حزب الله المكبّل في الحركة السياسية بفعل العدوان. كان خطاب نائب الأمين العام لحزب الله، نعيم قاسم، أخيراً، واضحاً في تلميحه إلى هذا الحراك ورفض الحزب له، حين أشار إلى أولوية وقف إطلاق النار "قبل الجلوس والاتفاق على أمور أخرى". غير أن هذا الطلب، ومعه وقف إطلاق النار من دون ربط لبنان بجبهة غزّة، لا يبدو أنه يلقى آذاناً صاغية لدى دولة الاحتلال وواشنطن، فالمؤشّرات تدلّ على أن الحراك الأميركي ماضٍ في مسار ترتيب اتفاق على انتخاب رئيس للبنان، مع رسالة أن ذلك سيحدُث من دون وقف إطلاق النار.
إضافة إلى ذلك، هناك هدف تأليب الرأي العام اللبناني ضد حزب الله، مستنداً إلى النقمة لدى الكثير من اللبنانيين على سلوك وممارسات الحزب خلال السنوات الماضية، وهو ما بدا واضحاً في الرسالة المصورة التي وجهها رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو إلى اللبنانيين، ودعاهم إلى "تحرير" بلدهم من حزب الله. ومع الأسف، وبغض النظر عن رسالة نتنياهو، بدأت الأصوات الممتعضة من موجات النزوح في بيروت والمناطق الآمنة نسبياً تعلو، ومعها بدأت تكثر الإشكالات الفردية بين نازحين وبعض سكان المناطق اللبنانية التي لجأوا إليها.
الخوف اليوم هو من تطور هذه الإشكالات إلى ما هو أسوأ، وهو من المؤكّد واحد من المخطّطات الإسرائيلية، لإدخال لبنان في مسار حرب مختلفة.