09 نوفمبر 2024
حرب "مقدسة" على ملايين السوريين
في سياق تنفيذ التوجهات الروسية الفعلية في سورية، قام الطيران الروسي، قبل ظهر الأربعاء، الثلاثين من سبتمبر/أيلول الماضي، بأولى عملياته الجوية، مستهدفا خمس مناطق حول حمص. العملية الجوية أودت بحياة 36 مدنياً من المحاصرين منذ نحو عامين. ويأتي سقوط هؤلاء الضحايا متسقاً مع خط بياني مستقر للاستهداف المنهجي والمنظم للمدنيين السوريين، منذ شرع النظام في شن حربه على شعبه. وبما أن هناك تلاقياً في الرؤى والسياسات بين موسكو ودمشق، لم يكن غريباً أن يلتزم الطيران الروسي بأمر العمليات الثابت والدائم باستهداف المدنيين باعتبارهم "حاضنة للإرهاب". وعلى النحو نفسه، جرى ويجري، وبأسلحة روسية، تدمير المدن التي توفر "بيئة للإرهاب". وتم قذف عشرة ملايين سوري خارج الحدود، مع مطاردتهم بالمقاتلات والشتائم، لأنهم "دواعش يؤيدون الإرهاب". وحدث، خلال 54 شهراً من هذه الحرب، أن قضى نحو عشرين ألف طفل سوري (بعضهم تحت التعذيب)، لأن هؤلاء مرشحون لأن يصبحوا، في مستقبل الأيام، "ارهابيين". والقضاء على الإرهاب، في منظور النظام، يستلزم فعل كل شيء، بما في ذلك العمل على إبادة أغلبية الشعب واستئصالها. والقيادة الروسية، كما ثبت من شواهد عديدة، معجبة بهذا التحليل، وما يرافقه من أداء عسكري ضد كل مظاهر الحياة والطبيعة والعمران في سورية (خارج مناطق "سورية المفيدة").
تبين للقيادة الروسية، وقبلها القيادة الإيرانية، أن الاستغناء عن غالبية الشعب السوري أمر حيوي من أجل تثبيت تحالف بلديهما في وجه الغرب. ويجري استخدام عبارة الحرب على داعش والتكفيريين كلمة سر معلنة، لخوض حرب ضارية، بمختلف أنواع الأسلحة، وبلا توقف، ضد المدنيين والمرافق المدنية، بما فيها دور العبادة والمستشفيات والمدارس والأسواق الشعبية. أما داعش نفسها فكنز استراتيجي، يجري استثماره والحفاظ على وجوده، من أجل استكمال "الحرب المقدسة" على السوريين، بأغلبيتهم المسلمة، وبما يتعدّى هذه الأغلبية من الطوائف والأقليات الأخرى التي تعترض على هذه الحرب، وتنشد الحرية والكرامة والسلام لشعبها. وجدت القيادة الإيرانية مبكراً، في المنظور الطائفي المذهبي، مدخلاً صالحاً، لخوض هذه الحرب والتعبئة "الثورية" من أجلها. أما داعش فمتروكة في مركزها، وقد تركها النظام أكثر من عام في الرقة، كي تثبت أقدامها. الميليشيات الإيرانية، ومنها ميليشيا حزب الله وأبي الفضل العباس وغيرها، تقاتل المعارضة المعتدلة وبيئة "الإرهاب"، والمقصود السوريين السنة في أماكن إقامتهم، حتى لو كان بينهم من ينتمون إلى طوائف أو أقليات أخرى.
الخطابات المتناسلة للقيادة الروسية حول الحملة على داعش والإرهاب، لا يُراد منها محاربة
هذا التنظيم الإرهابي، كما يدل الواقع وتوضح الوقائع، إلا هدفاً متأخراً ومفترضاً، أما الهدف الأول والأكبر فهو فك عزلة النظام ومكافأته على الحرب التي يشنها على شعبه، بإقامة تحالف دولي واسع، يشارك فيه هذا النظام، كما لا تكتم القيادة الروسية ذلك، وهي التي كانت قد رفضت قيام تحالف دولي إقليمي ضد داعش، وترفض، حتى الآن، الانضمام إليه، ذلك أنها، في واقع الحال، معنية بأمر آخر، بالغنيمة الذهبية التي حازتها بتوسيع وجودها العسكري وتثبيته على الأرض السورية، ومن دون قيد أو شرط عليه. وخلال ذلك، تخوض حرب النظام العسكرية والسياسية والدبلوماسية والإعلامية ضد حقوق السوريين في الحياة والحرية والعدالة والكرامة، باعتبار هذه الأهداف تنتمي إلى عالم الإرهاب.
جرّب السوريون، على مدى الأعوام الأربعة الماضية، الأسلحة الروسية من طائرات ميغ وسوخوي وصواريخ غراد وسام. وبهذه الأسلحة، تم تدمير حماة وحلب وحمص ودير الزور ودرعا ريف دمشق، وها هم الروس بأنفسهم قد أتوا بأسلحة أكثر تطوراً، لتقويض ما تبقى من مظاهر الحياة والعمران، وللفتك بمن تبقى من السوريين، جنباً إلى جنب مع قوات النظام. وتجري تسمية هذه الحرب بأنها حرب على الإرهاب، وهي شبيهة بالحروب الاستعمارية في القرن التاسع عشر، وبحروب المستوطنين الأوربيين في أميركا وأستراليا وكندا ونيوزلندا على السكان الأصليين في القرن السابع عشر، وبالحرب الصهيونية البريطانية على شعب فلسطين.
تضيف الاستهانة المطلقة بأرواح مئات آلاف البشر في هذه الحرب على السوريين العنصرية إلى البربرية، فقد استقر، في أذهان القائمين على هذه الحرب، أن وجود الشعب السوري، بأغلبيته الغالبة، غير مفيد، ومن الحيوي الاستغناء عنه، والتخلص منه، وتسمية هذه الحرب بأنها حرب على الإرهاب. وبما أن لدى البشرية حساسية شديدة ضد الإرهاب، وبما أن الإرهاب يلتصق بالمسلمين السنة دون غيرهم، وبما أن السوريين، في غالبيتهم، مسلمون سنة، فسوف تكون هذه الحرب، من الناحية الدعائية، سهلة، ويجب أن تجمع روسيا وإيران والغرب معا، بما يفيد في النتيجة باعتراف غربي بمناطق النفوذ الإيرانية والروسية في الشرق الأوسط. وهكذا، تتم هزيمة أميركا والغرب بإزاحة عقبة الشعب السوري الذي يزعج النظام في بلده. ويتاح لإيران خوض حربها المقدسة التي طالما منّت النفس بها، الحرب ضد أكثرية المسلمين (مليار مسلم فقط) مرموزاً لهم بالسنّة في سورية واليمن، الذين تساندهم المملكة العربية السعودية وقوى سنيّة أخرى. مع السعي، في الأثناء، إلى اجتذاب قوى سنيّة، وإقامة علاقات معها، مثل حركة حماس، أو القاهرة، على الرغم من التباعد بينهما، من أجل التغطية والتمويه، ونفي العامل الطائفي المذهبي (الحاضر بقوة وسطوع) عن هذه الحرب "المقدسة". وقد لوحظ أن طهران انفردت بين دول العالم، ورحبت ترحيباً حاراً، الأربعاء الماضي، بالغارات الجوية الروسية التي قتلت عشرات المدنيين.
في هذه الأثناء لا تمانع القيادتان، الروسية والإيرانية، في الحديث عن أن الشعب السوري هو من يقرر مصير الحكم في بلاده. إبادة الشعب واقتلاعه وتشريده، ثم الاحتكام اللفظي إليه! استخدام هذه العبارة مفيد، لأنه يتماشى مع مفهوم كوني عالمي، فلماذا لا تُستخدم؟ البشر كثيراً ما يتوقفون عند الألفاظ والعبارات والتصريحات والأقوال، بأكثر من تركيزهم على الوقائع والممارسات والمجريات. وبهذا، من المفيد والحيوي خداعهم بمثل هذه العبارة، وبغير أن تتوقف الحرب المقدسة على ملايين المدنيين السوريين. وهذا ما دأبت عليه طهران وموسكو.
سوف يذكر التاريخ، ابتداء من مقبل السنوات القريبة، أن القيادة الروسية خاضت حرب إبادة وتطهير ضد شعب عربي عريق، وأنها ألحقت إساءة بالغة جداً، وضرراً جسيماً بالعلاقات الروسية العربية، وانتهجت نهجاً استعمارياً ضد شعب بريء ومضطهد، في زمن طوى فيه العالم الحقبة الاستعمارية، واعتبرها من الشرور الأخلاقية الواجبة التصفية.
تبين للقيادة الروسية، وقبلها القيادة الإيرانية، أن الاستغناء عن غالبية الشعب السوري أمر حيوي من أجل تثبيت تحالف بلديهما في وجه الغرب. ويجري استخدام عبارة الحرب على داعش والتكفيريين كلمة سر معلنة، لخوض حرب ضارية، بمختلف أنواع الأسلحة، وبلا توقف، ضد المدنيين والمرافق المدنية، بما فيها دور العبادة والمستشفيات والمدارس والأسواق الشعبية. أما داعش نفسها فكنز استراتيجي، يجري استثماره والحفاظ على وجوده، من أجل استكمال "الحرب المقدسة" على السوريين، بأغلبيتهم المسلمة، وبما يتعدّى هذه الأغلبية من الطوائف والأقليات الأخرى التي تعترض على هذه الحرب، وتنشد الحرية والكرامة والسلام لشعبها. وجدت القيادة الإيرانية مبكراً، في المنظور الطائفي المذهبي، مدخلاً صالحاً، لخوض هذه الحرب والتعبئة "الثورية" من أجلها. أما داعش فمتروكة في مركزها، وقد تركها النظام أكثر من عام في الرقة، كي تثبت أقدامها. الميليشيات الإيرانية، ومنها ميليشيا حزب الله وأبي الفضل العباس وغيرها، تقاتل المعارضة المعتدلة وبيئة "الإرهاب"، والمقصود السوريين السنة في أماكن إقامتهم، حتى لو كان بينهم من ينتمون إلى طوائف أو أقليات أخرى.
الخطابات المتناسلة للقيادة الروسية حول الحملة على داعش والإرهاب، لا يُراد منها محاربة
جرّب السوريون، على مدى الأعوام الأربعة الماضية، الأسلحة الروسية من طائرات ميغ وسوخوي وصواريخ غراد وسام. وبهذه الأسلحة، تم تدمير حماة وحلب وحمص ودير الزور ودرعا ريف دمشق، وها هم الروس بأنفسهم قد أتوا بأسلحة أكثر تطوراً، لتقويض ما تبقى من مظاهر الحياة والعمران، وللفتك بمن تبقى من السوريين، جنباً إلى جنب مع قوات النظام. وتجري تسمية هذه الحرب بأنها حرب على الإرهاب، وهي شبيهة بالحروب الاستعمارية في القرن التاسع عشر، وبحروب المستوطنين الأوربيين في أميركا وأستراليا وكندا ونيوزلندا على السكان الأصليين في القرن السابع عشر، وبالحرب الصهيونية البريطانية على شعب فلسطين.
تضيف الاستهانة المطلقة بأرواح مئات آلاف البشر في هذه الحرب على السوريين العنصرية إلى البربرية، فقد استقر، في أذهان القائمين على هذه الحرب، أن وجود الشعب السوري، بأغلبيته الغالبة، غير مفيد، ومن الحيوي الاستغناء عنه، والتخلص منه، وتسمية هذه الحرب بأنها حرب على الإرهاب. وبما أن لدى البشرية حساسية شديدة ضد الإرهاب، وبما أن الإرهاب يلتصق بالمسلمين السنة دون غيرهم، وبما أن السوريين، في غالبيتهم، مسلمون سنة، فسوف تكون هذه الحرب، من الناحية الدعائية، سهلة، ويجب أن تجمع روسيا وإيران والغرب معا، بما يفيد في النتيجة باعتراف غربي بمناطق النفوذ الإيرانية والروسية في الشرق الأوسط. وهكذا، تتم هزيمة أميركا والغرب بإزاحة عقبة الشعب السوري الذي يزعج النظام في بلده. ويتاح لإيران خوض حربها المقدسة التي طالما منّت النفس بها، الحرب ضد أكثرية المسلمين (مليار مسلم فقط) مرموزاً لهم بالسنّة في سورية واليمن، الذين تساندهم المملكة العربية السعودية وقوى سنيّة أخرى. مع السعي، في الأثناء، إلى اجتذاب قوى سنيّة، وإقامة علاقات معها، مثل حركة حماس، أو القاهرة، على الرغم من التباعد بينهما، من أجل التغطية والتمويه، ونفي العامل الطائفي المذهبي (الحاضر بقوة وسطوع) عن هذه الحرب "المقدسة". وقد لوحظ أن طهران انفردت بين دول العالم، ورحبت ترحيباً حاراً، الأربعاء الماضي، بالغارات الجوية الروسية التي قتلت عشرات المدنيين.
في هذه الأثناء لا تمانع القيادتان، الروسية والإيرانية، في الحديث عن أن الشعب السوري هو من يقرر مصير الحكم في بلاده. إبادة الشعب واقتلاعه وتشريده، ثم الاحتكام اللفظي إليه! استخدام هذه العبارة مفيد، لأنه يتماشى مع مفهوم كوني عالمي، فلماذا لا تُستخدم؟ البشر كثيراً ما يتوقفون عند الألفاظ والعبارات والتصريحات والأقوال، بأكثر من تركيزهم على الوقائع والممارسات والمجريات. وبهذا، من المفيد والحيوي خداعهم بمثل هذه العبارة، وبغير أن تتوقف الحرب المقدسة على ملايين المدنيين السوريين. وهذا ما دأبت عليه طهران وموسكو.
سوف يذكر التاريخ، ابتداء من مقبل السنوات القريبة، أن القيادة الروسية خاضت حرب إبادة وتطهير ضد شعب عربي عريق، وأنها ألحقت إساءة بالغة جداً، وضرراً جسيماً بالعلاقات الروسية العربية، وانتهجت نهجاً استعمارياً ضد شعب بريء ومضطهد، في زمن طوى فيه العالم الحقبة الاستعمارية، واعتبرها من الشرور الأخلاقية الواجبة التصفية.