لا تزال تداعيات الخلافات السياسية العديدة بين "حركة أمل"، برئاسة رئيس مجلس النواب، نبيه بري، وفريق رئيس الجمهورية، ميشال عون، الذي يضم صهره، رئيس "التيار الوطني الحر"، جبران باسيل، مُستمرة. وقد أُضيفت إليها أخيراً أزمة فاقمت من حالة التنافر الذي بلغ حد العداء بين جمهور الفريقين على مواقع التواصل الاجتماعي، التي تضجّ باتهامات ناشطي "حركة أمل" لـ"الوطني الحر" بـ"التطبيع مع إسرائيل" و"الإساءة لحزب الله ولأمينه العام حسن نصر الله".
ولم تكن الخلافات الأخيرة حول توقيع رئيس الجمهورية مرسوم منح ضباط إحدى الدورات العسكرية أقدمية استثنائية، بداية الأزمة بين الطرفين. إلا أن الأسابيع القليلة الماضية حملت تطورات إضافية، نقلت الخلاف من الإطار السياسي، بلغتي القانون والدستور، إلى معركة إعلامية بين "الحركة" و"التيار" على مواقع التواصل الاجتماعي وعبر شاشتي الفريقين السياسيين "أن بي أن" و"أو تي في"، اللتين قدمتا لجمهورهما مقدمات نشرات أخبار تعبوية ساهمت في تعميق الخلاف.
ووصفت "أو تي في" اعتراض جمهور "حزب الله" و"حركة أمل" على عرض فيلم المخرج الأميركي، ستيفن سبيلبرغ، "ذا بوست" بـ"الجريمة الثقافية"، بعد أن وصلت دعوات نشطاء يساريين مُقربين من الحزب إلى مقاطعة الفيلم بحجة "دعم سبيلبرغ لإسرائيل مادياً خلال عدوانها على لبنان عام 2006" إلى طاولة مجلس الوزراء. وكاد الفيلم أن يُمنع من العرض قبل أن يوقّع وزير الداخلية، نهاد المشنوق، على قرار عرضه. وتزامنت مقدمّة قناة "أو تي في" مع الكلمة التي ألقاها نصر الله، خلال مناسبة حزبية، وبدت وكأنها رد مُباشر على كلامه عن "ضرورة حسم أمر التطبيع بشكل واضح منعاً لأي التباس داخلي". لتقول القناة، المُتحدثة بلسان رئيس الجمهورية و"التيار الوطني الحر" معاً، إن "انتهاك الحق في الحريّة، يعيد بشكل أو بآخر، تجسيد نظرية قمع الرأي الآخر، بذريعة مواجهة العدو، وهو منطق لم يُفض في تاريخ الصراع العربي-الإسرائيلي، إلا إلى هزيمة تلو هزيمة". وانتهز جمهور "حركة أمل" هذا التزامن، وأطلق عدد من ناشطيها البارزين على مواقع التواصل الاجتماعي وسم "تيار التطبيع" الذي تحول إلى منصة افتراضية لمهاجمة "التيار" في كُل الملفات السياسية العالقة بين الطرفين، ومنها التعيينات في وزارة الخارجية التي يتولاها جبران باسيل، ورفض بري لتمرير أي تعديلات يقترحها باسيل على قانون الانتخابات النيابية المُقررة في مايو/أيار المُقبل، إلى جانب مرسوم الضباط.
"الحزب لم يعد حكماً"
وبعد أن كان "حزب الله" هو الحكم في خلافات حليفيه البارزين طوال مسيرة التحالف، التي انطلقت عام 2006 مع توقيع وثيقة تفاهم بين عون ونصر الله، أصبح الحزب اليوم أقرب إلى "الحركة" منه إلى "التيار". ويعتبر الحزب أنه "أوفى بالتعهد" وأوصل ميشال عون إلى موقع رئاسة الجمهورية بعد تعطيل مجلس النواب طوال عامين ونصف العام حتى قبول مُختلف القوى بعون. لكن نواب الحزب ووزراءه سجلوا مواقف مُتمايزة في عدد من الملفات التي طُرحت على طاولة مجلس الوزراء وفي مجلس النواب، شأنهم شأن "حركة أمل" التي رفضت الكثير من طروحات "التيار" الاقتصادية والسياسية في ملفات النفط والكهرباء وقانون الانتخابات، وهو رفض جمع "القوات اللبنانية" و"حركة أمل" و"الحزب التقدمي الاشتراكي" في جبهة واحدة، وخلفهم "حزب الله"، مُقابل التفاهم السياسي والاقتصادي الذي صاغه "الوطني الحر" مع "تيار المُستقبل" وسمح بإطلاق العهد الرئاسي الجديد، ومعه تم إقرار جُملة ملفات مالية كانت مُجمدة بسبب الخلافات السياسية بينهما.
وقد رفض باسيل، خلال مؤتمر صحافي أمس الجمعة، الحديث عن "ثنائية مارونية - سنية تستهدف المكون الشيعي في البلد". واستثنى باسيل "حركة أمل" من قائمة القوى السياسية والطائفية التي سماها في إطار رفض المشاركة في أي نزاع طائفي، ومنها "حزب الله، والدروز، وتيار المستقبل". كما وصف باسيل تياره بأنه "تيار يدعو لقيامة الدولة المدنية، ونحن مع حماية حقوق كل الطوائف في لبنان حتى يتم إقرار فصل الطائفية عن الحياة السياسية كما نص اتفاق الطائف". وفي مقابل طرح باسيل، يواصل بري بث الرسائل السياسية عن متانة علاقته مع "حزب الله"، كما تتواصل اللقاءات التي تجمعه مع ممثلي النائب وليد جنبلاط. ومن شأن مسار التحالفات السياسية التي ستواكب الانتخابات النيابية أن تطغى على أي خلاف، على أن يتم استكمال الإشكال السياسي والدستوري بنفس الأدوات بعد صدور نتائج الانتخابات وتشكيل الحكومة المُقبلة.