29 سبتمبر 2024
حزب أنهك الدولة التونسية
لا يتعلق الأمر، هذه المرّة، بحزب ديني متطرّف، يتبنى أيديولوجية الإنهاك التي وردت في كتاب إدارة التوحش، من أجل إفشال الدولة الوطنية، والتأسيس بدلا عنها لدولة الإمارة، اليوتوبيا التي تحلم بها تنظيمات القاعدة والدولة الإسلامية (داعش) وأنصار الشريعة، ومريدوهم، ويبشّر بها قياداتهم. مصدر الإنهاك حزب نداء تونس الذي أوهم جمهوراً واسعاً من التونسيين، ومن نخبهم الفكرية والسياسية والإعلامية، أنه سيقود عملية إصلاح عميقة وواسعة، ينقذ بموجبها الدولة التونسية من مخاطر التفكّك والانهيار التي تهدّدها.
ولد هذا الحزب مدلّلا، مجتبى من الطبقة السياسية والنقابية اليساريو- ليبرالية التي نشأت وناضلت ورسّخت وجودها خلال العقود الستة التي تلت استقلال البلاد سنة 1956. فقد تمكّن مؤسس الحزب الباجي قائد السبسي، الرئيس الحالي، وسليل دولة الاستبداد البورقيبية والبنعليّة، من استثمار جهد هذه الطبقة، ومختلف المعارضات السياسية ذات المرجعية الحداثية الحقيقية، أو الوهمية بكل أطيافها وألوانها الناعمة والراديكالية في التأسيس لحزبه نداء تونس، والوصول به إلى هرم السلطة في الانتخابات التشريعية والرئاسية لسنة 2014، على قاعدة البراغماتية الانتخابية والتصويت النفعي، وذلك بعد أن استنجد بكل دروس المكر والدهاء السياسي التي تعلّمها طوال 70 عاماً من الممارسة السياسية، والعمل في مؤسسات الدولة، موظّفا، ومديراً، ووزيرا، وسفيرا، ورئيساً لمجلس النواب، ثمّ رئيساً للحكومة، حتى انطلت حيله على ساسة ومعارضين عقائديين متمرّسين، فلبّوا نداءه صاغرين مطيعين، قبل أن ينتهي به الأمر إلى ترويض الإسلاميين، وجعلهم حلفاء دائمين.
اللافت أن الحزب الوليد الذي بلغ أربع سنوات، اعتلى السلطة حاملاً معه عاهات من أسسوه، من توريث ذوي القربى، وتنازع على المناصب، وتقاتلٍ على المغانم، وصراعات ومحسوبية وجهوية وزبونية، وعنف مادي ومعنوي، وتشويه وهتك أعراض، حتى انقسم على نفسه وتشظّى، ما أصاب القفار عديداً من مقرّاته، وفرّ منه قياديون وأنصار ومؤيدون، في أقل من سنة من ولايته. ولم يعد يمثل هذا الحزب علامةً، لمقارعة الإسلاميين، والحداثة والتقدّم، والإرث الوطني، والحركة الإصلاحية التونسية ورموزها التاريخيين، كما سوّق نفسه أول مرّة، وإنما تحوّل إلى عنوانٍ للسوقية السياسية، بكل ما تعنيه الكلمة من دلالات السقوط الأخلاقي والآثام التي تطمس نبل الاهتمام بالحياة العامة وخدمة الآخرين.
هو حزب شبهات الفضائح الأخلاقية، والسياسية، والمالية، التي طاولت نوابا وقياديين، فعلمها القاصي والداني، في الرأي العام التونسي، وتجلّت في الصفحات الأولى من الصحف والمواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي، حتى تندرت بها الصحافة العربية والعالمية، وأثثت المجالس والمنتديات السياسية.
ولم تنعكس عملية التهرئة والانحلال الأخلاقي والسياسي الذي عاشه الحزب الحاكم على هياكله الحزبية، ونشاطه الجماهيري، وأدائه السياسي، وتماسكه، فقط، وإلا ما كان ليحظى باهتمام أصحاب الرأي والنخب السياسية والمجالس الشعبية، ولكن تمّ تصدير تلك الظواهر والنعوت والصفات إلى هياكل الدولة ومؤسساتها، فتأثرت بها أيّما تأثير، فلم تعد قادرةً على القيام بدورها في إدارة الشأن العام، والحفاظ على حياة الناس، وحلّ مشكلاتهم اليومية وصيانة أمنهم ووجودهم وتأمين مستقبلهم.
وقد سقطت الدولة التونسية أسيرةً لدى لوبيات المال والأعمال والسياسة وسماسرتها الذين يتحكّمون في هذا الحزب، ويرسمون له توجهاته، ويحدّدون له معاركه وسياساته، فهم من أنهك حكومة الحبيب الصيد حتى بلغت الانهيار، وهم من أتى بحكومة يوسف الشاهد بدون أدنى مبرّر، سوى وضع خريطة طريق جديدة للوصول إلى المناصب والمغانم وصفقات الدولة وأموالها وإعادة توزيع ريعها المادي والسلطوي. وإلا فكيف نبرر وصف نواب هذا الحزب رئيس الحكومة السابق بأنه رجل الدولة الوطني النظيف، ثم يسحبون منه الثقة في جلسة عامة مشهودة، بثّتها التلفزيونات، وتابعها جمهور واسع من التونسيين والمهتمين الدوليين؟ وما مبرّر دعوة رئيس الحكومة الحالي الذي يبدو أنه لم يختر أياً من وزرائه وطاقمه المسيّر بمعزلٍ عن اختيارات (ورغبات) رئيس الجمهورية وعائلته، في انتهاك مفضوح لدستور الدولة وقانونها الأساسي، دعوته إلى تولي قيادة حزب نداء تونس، بالتوازي مع القيام بمهام رئيس الحكومة، في عملية استرجاع واستذكار لأحلك فترات تاريخ تونس السياسي المعاصر التي شهدت سيطرة الدولة – الحزب التي عانت منها النخب الوطنية، وقاومتها بشراسة؟
بلغت الدولة التونسية، في ظلّ حكم "نداء تونس" وهيمنته، أرذل العمر، وأصابها من العجز ما لم يحدث في أعتى الأزمات السياسية والاجتماعية على مدى نصف القرن المنقضي، حتى توقف النمو الاقتصادي بالكامل، ولم يخرج من دائرة الصفر، وهاجرت مؤسسات اقتصادية كثيرة إلى الخارج، وضرب الإرهاب في مقتل حواضر البلاد وأريافها، فأصبحت على حافة الإفلاس المالي، بعد أن بلغ العجز في الميزانية ستة مليارات من مجموع 29 مليار دينار، ما يهدّد بعدم خلاص أجور موظفي الدولة ومتقاعديها، ناهيك عن قدرتها على سداد ديونها التي بلغت أكثر من 60%، وهي النسبة الأعلى في تاريخ الحكومات التونسية المتعاقبة، فأتاحت المجال أمام صندوق النقد الدولي، ليمارس وصايته على التونسيين، ويتحكّم في رقابهم ومصائرهم.
وفي ظل حكم "نداء تونس"، بلغ الفساد أعلى مراتبه، فانتشر واستشرى في مراكز الدولة، وتخومها البرية والبحرية، وعلى طرقاتها، وفي قلب إداراتها ومؤسساتها ومنشآتها العمومية ومراكزها الصحية ومنظومتها التعليمية والجامعية والإعلامية، حتى صار ظاهرة مستعصية على التفكيك والمقاومة، بشهادة هيئات ومؤسسات الشفافية والتصدّي للفساد.
وعلى الرغم من كل تلك المخاطر، فإن حزب النداء الذي وعد التونسيين بالرخاء، وبأن لديه برامج وضعها خيرة الخبراء، وله من الوزراء ما يشكّل أربع حكومات، لا يزال يطعّم الدولة، بنسائه وبرجاله، بعضهم من المنبت التجمعي (التجمع الدستوري الديمقراطي) القديم، فيما آخرون من الطارئين على الحياة السياسية وعلى الدولة، ممن تحوم حولهم شبهات الفساد، أو لهم قضايا منظورة في المحاكم، أو ممن يفتقرون إلى الكفاءات والمعارف والخبرات والتجارب والوازع الوطني والأخلاقي، أو من الذين فشلوا في حكومتي "نداء تونس" الأولى والثانية بقيادة الحبيب الصيد، لتولي المناصب العليا والوسطى والدنيا في الدولة والإدارة، ضاربا عرض الحائط بالتقارير الوطنية والدولية عن دقة الوضع التونسي الاقتصادي والمالي والأمني وخطورته، وهو المنذر بانهيار الدولة ومؤسساتها وتلاشي سلطانها.
لا فرق، في نهاية الأمر، بين أن تنهك الدولة بواسطة تنظيم إرهابي، صاحب أيديولوجيا في الإنهاك، أو عن طريق منظومة فساد توظف هذا الحزب أو ذاك، فالنتيجة ستكون نفسها، وهي تفكيك الدولة وضياع مواطنيها، وتحولهم لاجئين ومشرّدين ومفقرين وبؤساء متسولين، تستخدمهم وتثري من ورائهم عصابات الإتجار بالبشر وسماسرة الموت، ذلك أن الفساد والإرهاب صنوان يقومان بالدور نفسه والوظيفة نفسها، الفارق الوحيد أن تنظيمات التطرّف تنهك الدولة، من أجل أن تحل الإمارة الدينية الداعشية المزعومة محلّها، أما أحزاب الفساد فتنهكها، وتقدّمها لقمةً سائغة لتنظيمات الإرهاب. والمعادلة اليوم أن تبقى الدولة، أو أن يحلّ محلها الخراب الذي تبشّر به أحزاب الفساد وتنظيمات الإرهاب.
ولد هذا الحزب مدلّلا، مجتبى من الطبقة السياسية والنقابية اليساريو- ليبرالية التي نشأت وناضلت ورسّخت وجودها خلال العقود الستة التي تلت استقلال البلاد سنة 1956. فقد تمكّن مؤسس الحزب الباجي قائد السبسي، الرئيس الحالي، وسليل دولة الاستبداد البورقيبية والبنعليّة، من استثمار جهد هذه الطبقة، ومختلف المعارضات السياسية ذات المرجعية الحداثية الحقيقية، أو الوهمية بكل أطيافها وألوانها الناعمة والراديكالية في التأسيس لحزبه نداء تونس، والوصول به إلى هرم السلطة في الانتخابات التشريعية والرئاسية لسنة 2014، على قاعدة البراغماتية الانتخابية والتصويت النفعي، وذلك بعد أن استنجد بكل دروس المكر والدهاء السياسي التي تعلّمها طوال 70 عاماً من الممارسة السياسية، والعمل في مؤسسات الدولة، موظّفا، ومديراً، ووزيرا، وسفيرا، ورئيساً لمجلس النواب، ثمّ رئيساً للحكومة، حتى انطلت حيله على ساسة ومعارضين عقائديين متمرّسين، فلبّوا نداءه صاغرين مطيعين، قبل أن ينتهي به الأمر إلى ترويض الإسلاميين، وجعلهم حلفاء دائمين.
اللافت أن الحزب الوليد الذي بلغ أربع سنوات، اعتلى السلطة حاملاً معه عاهات من أسسوه، من توريث ذوي القربى، وتنازع على المناصب، وتقاتلٍ على المغانم، وصراعات ومحسوبية وجهوية وزبونية، وعنف مادي ومعنوي، وتشويه وهتك أعراض، حتى انقسم على نفسه وتشظّى، ما أصاب القفار عديداً من مقرّاته، وفرّ منه قياديون وأنصار ومؤيدون، في أقل من سنة من ولايته. ولم يعد يمثل هذا الحزب علامةً، لمقارعة الإسلاميين، والحداثة والتقدّم، والإرث الوطني، والحركة الإصلاحية التونسية ورموزها التاريخيين، كما سوّق نفسه أول مرّة، وإنما تحوّل إلى عنوانٍ للسوقية السياسية، بكل ما تعنيه الكلمة من دلالات السقوط الأخلاقي والآثام التي تطمس نبل الاهتمام بالحياة العامة وخدمة الآخرين.
هو حزب شبهات الفضائح الأخلاقية، والسياسية، والمالية، التي طاولت نوابا وقياديين، فعلمها القاصي والداني، في الرأي العام التونسي، وتجلّت في الصفحات الأولى من الصحف والمواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي، حتى تندرت بها الصحافة العربية والعالمية، وأثثت المجالس والمنتديات السياسية.
ولم تنعكس عملية التهرئة والانحلال الأخلاقي والسياسي الذي عاشه الحزب الحاكم على هياكله الحزبية، ونشاطه الجماهيري، وأدائه السياسي، وتماسكه، فقط، وإلا ما كان ليحظى باهتمام أصحاب الرأي والنخب السياسية والمجالس الشعبية، ولكن تمّ تصدير تلك الظواهر والنعوت والصفات إلى هياكل الدولة ومؤسساتها، فتأثرت بها أيّما تأثير، فلم تعد قادرةً على القيام بدورها في إدارة الشأن العام، والحفاظ على حياة الناس، وحلّ مشكلاتهم اليومية وصيانة أمنهم ووجودهم وتأمين مستقبلهم.
وقد سقطت الدولة التونسية أسيرةً لدى لوبيات المال والأعمال والسياسة وسماسرتها الذين يتحكّمون في هذا الحزب، ويرسمون له توجهاته، ويحدّدون له معاركه وسياساته، فهم من أنهك حكومة الحبيب الصيد حتى بلغت الانهيار، وهم من أتى بحكومة يوسف الشاهد بدون أدنى مبرّر، سوى وضع خريطة طريق جديدة للوصول إلى المناصب والمغانم وصفقات الدولة وأموالها وإعادة توزيع ريعها المادي والسلطوي. وإلا فكيف نبرر وصف نواب هذا الحزب رئيس الحكومة السابق بأنه رجل الدولة الوطني النظيف، ثم يسحبون منه الثقة في جلسة عامة مشهودة، بثّتها التلفزيونات، وتابعها جمهور واسع من التونسيين والمهتمين الدوليين؟ وما مبرّر دعوة رئيس الحكومة الحالي الذي يبدو أنه لم يختر أياً من وزرائه وطاقمه المسيّر بمعزلٍ عن اختيارات (ورغبات) رئيس الجمهورية وعائلته، في انتهاك مفضوح لدستور الدولة وقانونها الأساسي، دعوته إلى تولي قيادة حزب نداء تونس، بالتوازي مع القيام بمهام رئيس الحكومة، في عملية استرجاع واستذكار لأحلك فترات تاريخ تونس السياسي المعاصر التي شهدت سيطرة الدولة – الحزب التي عانت منها النخب الوطنية، وقاومتها بشراسة؟
بلغت الدولة التونسية، في ظلّ حكم "نداء تونس" وهيمنته، أرذل العمر، وأصابها من العجز ما لم يحدث في أعتى الأزمات السياسية والاجتماعية على مدى نصف القرن المنقضي، حتى توقف النمو الاقتصادي بالكامل، ولم يخرج من دائرة الصفر، وهاجرت مؤسسات اقتصادية كثيرة إلى الخارج، وضرب الإرهاب في مقتل حواضر البلاد وأريافها، فأصبحت على حافة الإفلاس المالي، بعد أن بلغ العجز في الميزانية ستة مليارات من مجموع 29 مليار دينار، ما يهدّد بعدم خلاص أجور موظفي الدولة ومتقاعديها، ناهيك عن قدرتها على سداد ديونها التي بلغت أكثر من 60%، وهي النسبة الأعلى في تاريخ الحكومات التونسية المتعاقبة، فأتاحت المجال أمام صندوق النقد الدولي، ليمارس وصايته على التونسيين، ويتحكّم في رقابهم ومصائرهم.
وفي ظل حكم "نداء تونس"، بلغ الفساد أعلى مراتبه، فانتشر واستشرى في مراكز الدولة، وتخومها البرية والبحرية، وعلى طرقاتها، وفي قلب إداراتها ومؤسساتها ومنشآتها العمومية ومراكزها الصحية ومنظومتها التعليمية والجامعية والإعلامية، حتى صار ظاهرة مستعصية على التفكيك والمقاومة، بشهادة هيئات ومؤسسات الشفافية والتصدّي للفساد.
وعلى الرغم من كل تلك المخاطر، فإن حزب النداء الذي وعد التونسيين بالرخاء، وبأن لديه برامج وضعها خيرة الخبراء، وله من الوزراء ما يشكّل أربع حكومات، لا يزال يطعّم الدولة، بنسائه وبرجاله، بعضهم من المنبت التجمعي (التجمع الدستوري الديمقراطي) القديم، فيما آخرون من الطارئين على الحياة السياسية وعلى الدولة، ممن تحوم حولهم شبهات الفساد، أو لهم قضايا منظورة في المحاكم، أو ممن يفتقرون إلى الكفاءات والمعارف والخبرات والتجارب والوازع الوطني والأخلاقي، أو من الذين فشلوا في حكومتي "نداء تونس" الأولى والثانية بقيادة الحبيب الصيد، لتولي المناصب العليا والوسطى والدنيا في الدولة والإدارة، ضاربا عرض الحائط بالتقارير الوطنية والدولية عن دقة الوضع التونسي الاقتصادي والمالي والأمني وخطورته، وهو المنذر بانهيار الدولة ومؤسساتها وتلاشي سلطانها.
لا فرق، في نهاية الأمر، بين أن تنهك الدولة بواسطة تنظيم إرهابي، صاحب أيديولوجيا في الإنهاك، أو عن طريق منظومة فساد توظف هذا الحزب أو ذاك، فالنتيجة ستكون نفسها، وهي تفكيك الدولة وضياع مواطنيها، وتحولهم لاجئين ومشرّدين ومفقرين وبؤساء متسولين، تستخدمهم وتثري من ورائهم عصابات الإتجار بالبشر وسماسرة الموت، ذلك أن الفساد والإرهاب صنوان يقومان بالدور نفسه والوظيفة نفسها، الفارق الوحيد أن تنظيمات التطرّف تنهك الدولة، من أجل أن تحل الإمارة الدينية الداعشية المزعومة محلّها، أما أحزاب الفساد فتنهكها، وتقدّمها لقمةً سائغة لتنظيمات الإرهاب. والمعادلة اليوم أن تبقى الدولة، أو أن يحلّ محلها الخراب الذي تبشّر به أحزاب الفساد وتنظيمات الإرهاب.