حسم قضية ريجيني مؤجّل... وقلق مصري من التصعيد الأوروبي

05 ابريل 2016
يصرّ أهل ريجيني على معرفة الحقيقة (أندرياس سولارو/فرانس برس)
+ الخط -
طالبت مصر، السلطات الإيطالية، أمس الاثنين، رسمياً، بتأجيل اﻻجتماع الأمني المشترك الذي كان سيعقد اليوم الثلاثاء، في روما، بين محققين إيطاليين وممثلين للشرطة المصرية بحضور المدعي العام لروما، للوقوف على آخر تطورات التحقيق في قضية مقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني، الذي عثر على جثته مطلع فبراير/ شباط الماضي بطريق مصر- اسكندرية الصحراوي بعد نحو أسبوع من الاختفاء. وبحسب صحيفة "ذا غارديان" البريطانية، فإن مصر طالبت بتأجيل زيارة الوفد الرسمي بضعة أيام لحين الانتهاء من جمع كافة الأدلة المتعلقة بالتحقيقات حول مقتل ريجيني. 

ويحبس النظام الحاكم في مصر أنفاسه في انتظار نتيجة الاجتماع الأمني المذكور المؤجل، لأنّه وفقاً لمصدر دبلوماسي مصري، "سيكون الأهم بين الطرفين منذ بدء التحقيق، نظراً لأن أي تفسيرات سيقدمها الجانب المصري ولن يقبلها المحققون الإيطاليون أو يرون أنها تتناقض مع ما لديهم من أدلة، سيؤدي إلى انفصام العلاقة بين الطرفين تماماً، وستكشف إيطاليا عن الخيوط التي تمتلكها والأدلة التي ترى أنها تثبت تورط جهاز أمني رسمي مصري في اختطاف الطالب وتعذيبه".

ويضيف المصدر الدبلوماسي لـ"العربي الجديد"، أن "المحققين اﻹيطاليين مصممون على تورّط جهاز أمني مصري في الحادث"، متوقعاً أن تؤدي الرواية التي أعلنتها الداخلية إلى "اتساع الفجوة بين الجانبين". ويشير إلى أن "استباق الشرطة المصرية اﻻجتماع المشترك المتفق عليه مع المحققين اﻹيطاليين بالرواية التي أذاعتها، ثم تملّصت منها عن تورط تشكيل عصابي في الواقعة، سيضاعف صعوبة مهمة الشرطة المصرية في إقناع المحققين اﻹيطاليين بهذه الرواية، خصوصاً في ظلّ عرض جميع متعلقات ريجيني".

ويرجح المصدر أن "تكون للقضية في حال عدم اقتناع الإيطاليين بالرواية المصرية، عواقب وخيمة على السياسة الأوروبية تجاه مصر، لأن المحققين الإيطاليين يضعون هذه الواقعة في إطار واسع من الممارسات القمعية كعمليات القتل، والخطف، والاعتقال خارج إطار القانون، يتهمون السلطات المصرية بممارستها ضد المصريين والأجانب".

وعلى الرغم من أنّ الداخلية المصرية تراجعت عن اتهام "التشكيل العصابي"، الذي قتلت جميع أفراده الشهر الماضي، بالمسؤولية عن اختطاف وقتل ريجيني، كانت التحريات التي قدمتها الشرطة للنيابة العامة، للمرة الأولى منذ تفجير القضية، تصبّ في هذا الاتجاه. وادعت الشرطة أن إخفاء حاجيات ريجيني كان بدافع السرقة، وأن العصابة التي قتلته هي نفسها التي سرقته.

في هذا السياق، يقول مصدر قضائي بالنيابة العامة، على صلة بالفريق المختص بنظر القضية، إنّ "التحريات التي قدمتها الشرطة تعني تصوراً من اثنين؛ الأول أن تكون العصابة المتورطة في السرقة هي التي قتلت ريجيني، وبالتالي تسقط القضية عملياً لأن جميع أعضاء العصابة لقوا مصرعهم. والتصوّر الثاني أن تكون العصابة التي سرقت ريجيني قد سرقت منه حاجياته بعد إلقائه جثة هامدة على قارعة الطريق، وفي هذه الحالة ستعود القضية إلى نقطة البداية، لأن هذا التصوّر يفصل تماماً بين فعل السرقة وفعل القتل"، وفقاً للمصدر القضائي.


ويضيف المصدر ذاته لـ"العربي الجديد"، أنّ فريق النيابة "لا تزال يده مغلولة"، لأن التحريات التي قدّمتها الشرطة لا تدعمها إلّا أقوال شقيقة أحد أعضاء العصابة المقتولين. وركّزت فقط على مسألة السرقة، ولم تتحدث عن القتل. بينما يتناقض تقرير الطب الشرعي مع فرضية الاختطاف والقتل للسرقة أو بدافع إجرامي، وﻻ سيما أن القتيل ليست له عائلة في مصر ليتمكن المختطفون من مساومتها"، على حدّ تعبيره.

وما يضعف رواية وتحريات الشرطة المصرية أنّها عرضت جميع متعلقات ريجيني الشخصية من بطاقات تحقيق شخصية، وبطاقات جامعية ودراسية، بحالتها، وكأنها أُخذت من الطالب القتيل وحُفظت بمكان آمن، حتى تم الكشف عنها. وهو ما يتنافى مع سلوك العصابات اﻹجرامية التي تتعمّد دائماً إعدام أي متعلقات تخص ضحاياها هروباً من المسؤولية، خصوصاً أنّ التخلص من مثل هذه البطاقات أيسر كثيراً من التخلص من جثة عليها آثار تعذيب، بحسب متابعين أمنيين.

كما يضاعف الشكوك تأكيد الشرطة العثور على جميع المبالغ المالية التي كانت بحوزة ريجيني، وهي 5000 جنيه، باﻹضافة لثلاث نظّارات شمسية، وساعة، وهاتفَين محمولَين حديثَين، باﻹضافة لقطعة صغيرة من مخدّر الحشيش داخل حقيبة يد مرسوم عليها شعار المنتخب اﻹيطالي لكرة القدم. ويتنافى الحفاظ على كل هذه المتعلقات مع سلوكيات أي عصابة إجرامية تخطف المواطنين، مصريين أو أجانب، من أجل المال، أو الاستيلاء على الحاجيات الشخصية لبيعها والاستفادة من حصيلتها، وﻻ سيما أن بعض المتعلقات غالية الثمن كالساعة والنظارات الشمسية، وفقاً لهؤلاء المتابعين.

ولم تكشف الشرطة عن أي متعلقات أخرى لضحايا أجانب لدى التشكيل العصابي المزعوم، والذي أعلنت الشرطة، في وقت سابق، قتل جميع عناصره (خلال تبادل لإطلاق النار)، ما يعني إحالة الواقعة للنيابة العامة من دون شهود أو متهمين، إلّا الشهود المنتمين للشرطة نفسها.
واعتادت الشرطة المصرية، في الأشهر اﻷخيرة، قتل عدد كبير من الأشخاص ثم الإعلان عن انتمائهم لجماعة "اﻹخوان المسلمين"، أو مجموعات متشددة، أو عصابات إجرامية، ما يؤدي إلى حفظ القضايا الخاصة بهم، وعدم تحريكها، على الرغم من أن هناك دﻻئل عديدة في بعض الوقائع على أن الشرطة تقبض عليهم أولاً، وتستجوبهم ثم تصفيهم خارج اﻹطار القانوني.

وسبق للشرطة المصرية عبر مصادر مجهولة وأخرى معلنة، أن طرحت في الصحف المصرية روايات متتالية لمقتل ريجيني، جميعها باء بالفشل ورفضته النيابة والمحققون اﻹيطاليون، ابتداءً من اﻻدعاء بأنه مثلي جنسياً، ثم الادعاء زوراً أنّه تشاجر قبل اختفائه بقليل مع شاب إيطالي مجهول، ثم أنّ له علاقات نسائية، وأخيراً نسب الاتهام لعصابة تم قتل جميع أفرادها.

المساهمون