"أعتبر نفسي محظوظا طوال فترة تواجدي معكم، سأشتاق إليكم كثيرا، والخاسر من هذا الفراق هو أنا. أعلم جيدا أنكم ستواصلون النجاح من بعدي، لذلك رحلت بكل فخر دون خوف"، بهذه الكلمات المؤثرة ودع مارسيلو بييلسا منتخب تشيلي بعد سنوات من العمل الشاق، ليثبت اللوكو أنه على حق، لاستمرار هذا الفريق بالمستوى نفسه مع سامباولي ثم بيتزي.
تجربة تشيلي
منتخب تشيلي لا يعود إلى مناطقه من أجل الدفاع، لكنه ليس فريق استحواذ مثل برشلونة، إنها تجربة تعتمد أولاً وأخيراً على الضغط العالي، ليترجم هذا الفريق كل أفكار ومبادئ بييلسا ومن أتوا بعده. ويعتمد الفريق اللاتيني على استراتيجية الضغط المرتد، عن طريق محاولة قطع الكرة في منتصف ملعب الخصم، ومن ثم تنفيذ مرتدة قاتلة.
ونجح الفريق في الفوز ببطولة كوبا أميركا لمدة عامين متتاليين، ليحقق المعادلة الصعبة أمام منتخب بقيمة الأرجنتين، نتيجة خنق ميسي، وإجباره على الابتعاد عن منطقة الجزاء، مع محاولة استغلال الهفوات الدفاعية، وبالتالي يستحيل القول إن فوز تشيلي على راقصي التانغو بمثابة انتصار الهجوم أو الدفاع، بل أقرب إلى نجاح الإرث الكروي مقارنةً بغياب المشروع عند بلاد الفضة، ليترقب العالم مواجهة ممكنة بين تشيلي وبطل اليورو في كأس القارات.
حالة سانتوس
لا يمكن القول إن تتويج البرتغال بيورو 2016 يمثل انتصارا للكرة الدفاعية، صحيح أن فريق سانتوس لعب بطريقة مغلقة إلى حد كبير، وراهن على خطة 4-4-2 من دون مهاجم في بعض المباريات، إلا أن ظروف البطولة وطريقة تنظيمها أمور خدمت برازيل أوروبا إلى حد كبير، من خلال تفادي معظم الكبار حتى النهائي، وعدم تمتع فرنسا بشخصية الفريق البطل مثل ألمانيا أو إيطاليا، كأمثلة مرشحة فوق العادة للحسم.
فرناندو سانتوس رجل يتحكم في الفراغات بشكل جيد، يعرف كيف يشحن عزيمة لاعبيه عند الحاجة، لا يغامر أبداً، ويعتبر مدربا صبورا إلى أقصى درجة، لكنه ليس هيلينو هيريرا صانع أمجاد إنتر في الستينات، لأن المدرب الدفاعي الذي يستحق هذا اللقب هو سيميوني، الأرجنتيني حقا ملك التحكم في الفراغات الدفاعية عند هجوم خصومه.
طريقة صعود سانتوس شبيهة بقوة المدرب المصري حسن شحاتة في بطولات الكان، لأنها معتركات مغلقة تضم عدداً غير كبير من المباريات، تؤثر فيها عوامل أخرى كالجدول والقرعة وطريقة لعب منافسيه، لذلك يستحق المدرب البرتغالي التقدير لكنه أبعد ما يكون عن مدرب العام الذي تأكد من خلال عمله أن الدفاع هو الملك هذه السنة، لكن رونالدو محظوظ بحق بسبب جمعه بين اليورو و"التشامبيونزليغ" في فترة زمنية قصيرة.
التنوع
يمتاز ريال مدريد عن منافسيه بخاصية التنوع الإيجابي، فالفريق يستطيع اللعب بالمرتدات بسبب تواجد لاعبين من طينة غاريث بيل، لوكاس فاسكيز، وكريستيانو رونالدو، بالإضافة إلى قدرته على الهجوم المنظم والبناء من الخلف، نتيجة توافر توني كروس ولوكا مودريتش في المنتصف، مع ميزة الحسم في الأوقات الصعبة عن طريق الكرات الثابتة وألعاب الهواء.
سجل الريال هدفاً في نهائي ميلانو عن طريق رأسية راموس، ونجح في العودة أمام إشبيلية في السوبر بالطريقة نفسها، كذلك حسم عدة مباريات في الليغا هذا الموسم، مستخدماً السلاح الفتاك نفسه، ألا وهو امتلاك الهواء والتفوق في الضربات الرأسية. وبعيداً عن الدور المحوري لهذه اللعبة، فإن الريال أيضاً يجيد الانطلاق في أضيق الفراغات، وأمثال إيسكو هم السبب في ذلك بكل تأكيد، نتيجة قوتهم في عنصر المراوغة أمام المدافعين.
زيدان في المقابل نجم له "كاريزما" خاصة، وصاحب شخصية كبيرة محل إعجاب جميع النجوم، لذلك أعاد الهدوء سريعاً إلى البيت الملكي، ونجح في ضبط الأمور إلى حد كبير، مع ثباته الانفعالي خلال المواقف الصعبة، ليقوم بمجموعة من التغييرات التي تقلب النتيجة لصالحه مثل مباراة ديبورتيفو بالدوري، من الهزيمة بفارق هدف إلى فوز في الوقت القاتل.
أسلوب اللعب
كما يخدم التنوع طريقة لعب ريال مدريد، فإنه أيضا قد يؤثر على الفريق مستقبلا، بسبب افتقاد الفريق إلى شخصية واضحة وطابع تكتيكي حقيقي، وهذا يعود أكثر إلى الإدارة من الأساس، لأن بيريز يقوم بتغيير المدربين كثيرا، كل مدرب له صفات غير الآخر، ما ينعكس بالسلب على تكتيك المجموعة في النهاية، بسبب افتقاد التناغم والانسجام، تلك العناصر التي تحول أي مجموعة إلى فريق جماعي، كما يقول ساكي.
بالطبع زيدان ليس مدرباً عادياً لكنه أيضاً ليس عبقرياً حتى هذه اللحظة، وإذا كانت تغييراته في بعض المباريات أتت بثمارها سريعاً، إلا أنه أيضاً يفتقد في مواجهات أخرى إلى القراءة الخططية السليمة، كقراره بخروج كروس أمام الأتليتي في نهائي الأبطال، لكن الشيء المؤكد افتقاد الفريق لهوية أكثر وضوحاً، رغم فوزه بالبطولات الثلاث.
من الصعب تذكر ثلاث إلى أربع مباريات عظيمة للملكي هذا الموسم، ويرتبط هذا الأمر بفكرة أن الفوز هو المراد في النهاية، دون النظر إلى طريقة اللعب، لذلك إذا أراد خبراء التكتيك تصنيف الأسلوب الكروي الناجح في عام 2016 بعد تتويج الميرينغي، فمن الصعب الوصول إلى إجابة صريحة، لا مرتدات عبر الدفاع ولا هجوم قائم على أدوات معروفة.