14 نوفمبر 2024
حضيض النشر في معرض الكتاب
ما زلت ضد أي نوع من الرقابة الرسمية على الكتب. وما زلت أصر على ضرورة منح الكاتب حريةً مطلقةً في الكتابة، على أن يتحمل لاحقا أي تبعات تترتب على نشرها، إن أقدم على نشرها. وما زلت أنصح كل الكتّاب، الشباب تحديدا، بالتعود على التفكير، وعلى الكتابة بحرية مطلقة تماماً، وعدم الخضوع لأي رقيبٍ في أثناء الكتابة، سواء أكان رسمياً أم عائلياً أم مجتمعياً أم دينياً، أم حتى ضميرياً ذاتياً، ذلك أن الكتابة الأولية نوع من التفكير الذي لا يمكن أن يُمارس إلا في بيئة حرية كاملة.
لا يعني هذا أن كل ما يكتب وفقاً لتلك البيئة الحرّة يكون صالحاً للنشر بالضرورة دائماً، فمتطلبات النشر واشتراطاته تختلفان عن متطلبات الكتابة، وإذا كان الإبداع المحض يتطلب حرية مطلقة، فذلك لأنه، بالإضافة إلى طبيعته الابتكارية، لا ينبغي إخضاعه لشروط الزمان والمكان، في حين أن النشر غالباً ما يكون خاضعاً لتلك الظروف، ولأسباب كثيرة. فما يمكن نشره في هذا المكان، أو هذا البلد، على سبيل المثال، قد لا يسمح بنشره في مكان أو بلد آخر، وما يستحيل نشره اليوم قد ينشر غدا أو بعد غد، وما يتعنت الرقيب أو مسؤول النشر إزاءه هنا قد يرحّب به، ويشجعه هناك.
لكن، هل يعني هذا أن نتساهل مع هراء الكتّاب مما نراه أصبح ظاهرة في معارض كثيرة للكتب في السنوات الأخيرة؟ هل نغض الطرف عن هذه الرداءة الكتابية التي أسهمت في إفساد الذوق القرائي العام لدى معظم من يتعاطى معها؟ هل لهؤلاء المفسدين الذين يصفون أنفسهم وتصفهم دور النشر التي تنشر لهم هراءهم كتّاباً الاستفادة من دعواتنا إلى الحرية المطلقة في الكتابة، وتحرّي ما تيسر منها في النشر؟
قبل أيام، اطلعت على كتابٍ نشرته إحدى دور النشر الكويتية الكبيرة لشخصٍ علمت، في ما بعد، أنه من مشاهير برامج التواصل الاجتماعي. وعلى الرغم من أنني أعرف مدى انتشار هذه النوعية المغرقة في رداءتها من كتب الشباب، في السنوات الأخيرة، إلا أنني لم أكن لأتصور أن يصل الأمر إلى هذه الدرجة من الحضيض. ولم أكن لأصدق أن دار نشر، يفترض أنها عريقة، تقدم على نشر مثل هذه الرداءة التي تعدّت كل ما يمكن تصوّره من التبجح والادعاء والسطحية والانحطاط. ولأنني عبّرت عن وجهة نظري شديدة القسوة بذلك الكتاب الذي تعدّت طبعاته العشرين خلال شهور قليلة، كما ادّعت الدار، واجهني بعض من حولي برأيي الرافض كل أنواع الرقابة، معتبراً أن الرقابة وجدت لمكافحة مثل هذا الكتاب.
حسناً.. لكن الرقابة لا تكافح مثلاً هذا الكتاب، والدليل أنه موجود في المكتبات ومعارض الكتب، بلا أي مشكلاتٍ أو عراقيل، في وقتٍ تُمنع فيه أعمال راقية، لأنها لم تعجب السيد الرقيب.
ما العمل إذن؟
ليس الحل الحقيقي بالرقابة، ولا يمكن أن يكون بها، بل بتفعيل الدور الحقيقي للنقد البنّاء، مهما كانت قسوته، لكي يؤدي دوره في التوعية والتثقيف في أوساط القراء المحتملين، حتى يعتادوا على القراءة الواعية بكل حرية واستقلالية، بعيداً عن الاستقطابات الدعائية الفجة. وهذا يعني أن نصرّ على رفض الرقابة الرسمية، وتشجيع رقابة القراء الواعية بدلاً منها. وعندها، ستكون دور النشر على محكّ المسؤولية الحقة تجاه قرائها، فلا تتساهل في نشر كتبٍ فاسدة لمجرد أنها، لسببٍ أو لآخر، قادرة على الانتشار، كانتشار النار في الهشيم.. على النقد أن يقنع دور النشر ومدّعي الكتابة أن عقول القرّاء ليست هشيماً على الأقل.
لكن، هل يعني هذا أن نتساهل مع هراء الكتّاب مما نراه أصبح ظاهرة في معارض كثيرة للكتب في السنوات الأخيرة؟ هل نغض الطرف عن هذه الرداءة الكتابية التي أسهمت في إفساد الذوق القرائي العام لدى معظم من يتعاطى معها؟ هل لهؤلاء المفسدين الذين يصفون أنفسهم وتصفهم دور النشر التي تنشر لهم هراءهم كتّاباً الاستفادة من دعواتنا إلى الحرية المطلقة في الكتابة، وتحرّي ما تيسر منها في النشر؟
قبل أيام، اطلعت على كتابٍ نشرته إحدى دور النشر الكويتية الكبيرة لشخصٍ علمت، في ما بعد، أنه من مشاهير برامج التواصل الاجتماعي. وعلى الرغم من أنني أعرف مدى انتشار هذه النوعية المغرقة في رداءتها من كتب الشباب، في السنوات الأخيرة، إلا أنني لم أكن لأتصور أن يصل الأمر إلى هذه الدرجة من الحضيض. ولم أكن لأصدق أن دار نشر، يفترض أنها عريقة، تقدم على نشر مثل هذه الرداءة التي تعدّت كل ما يمكن تصوّره من التبجح والادعاء والسطحية والانحطاط. ولأنني عبّرت عن وجهة نظري شديدة القسوة بذلك الكتاب الذي تعدّت طبعاته العشرين خلال شهور قليلة، كما ادّعت الدار، واجهني بعض من حولي برأيي الرافض كل أنواع الرقابة، معتبراً أن الرقابة وجدت لمكافحة مثل هذا الكتاب.
حسناً.. لكن الرقابة لا تكافح مثلاً هذا الكتاب، والدليل أنه موجود في المكتبات ومعارض الكتب، بلا أي مشكلاتٍ أو عراقيل، في وقتٍ تُمنع فيه أعمال راقية، لأنها لم تعجب السيد الرقيب.
ما العمل إذن؟
ليس الحل الحقيقي بالرقابة، ولا يمكن أن يكون بها، بل بتفعيل الدور الحقيقي للنقد البنّاء، مهما كانت قسوته، لكي يؤدي دوره في التوعية والتثقيف في أوساط القراء المحتملين، حتى يعتادوا على القراءة الواعية بكل حرية واستقلالية، بعيداً عن الاستقطابات الدعائية الفجة. وهذا يعني أن نصرّ على رفض الرقابة الرسمية، وتشجيع رقابة القراء الواعية بدلاً منها. وعندها، ستكون دور النشر على محكّ المسؤولية الحقة تجاه قرائها، فلا تتساهل في نشر كتبٍ فاسدة لمجرد أنها، لسببٍ أو لآخر، قادرة على الانتشار، كانتشار النار في الهشيم.. على النقد أن يقنع دور النشر ومدّعي الكتابة أن عقول القرّاء ليست هشيماً على الأقل.