حفل طلاق
هل من الممكن أن نقول ما أشبه اليوم بالبارحة، فتفكير النساء لا يتغيّر، خصوصًا في حال جرح مشاعرهن الرقيقة. انتشر خبر إقامة فتاة من غزة حفل طلاق. تمعنُّوا جيدا في الخبر، فهي لم تدعُ صديقاتها المقرَّبات وزميلاتها السابقات إلى حفل زفافها، كما جرت العادة، لكنها دعتهن إلى حفل طلاقها، فقد أقامت حفلا زيَّنت واجهته بالبالونات المنفوخة الملونة، والشعارات التي تحاول أن تقنع بها نفسها قبل الآخرين بأنَّ الطلاق خير، وفرح وسعادة. ويبدو أنني سوف أصاب بالعدوى منها؛ فأسرف في تعداد محاسن الطلاق، كما تسرف الفتيات، هذه الأيام، في تَعداد محاسن العريس الذي لم يمر على تعارف الواحدة منهن به أيام قليلة، ولكنه يصبح حامي الحمى، والبطل المغوار، وحبيب القلب، وسارق النوم من العيون، ووالد الذُّرية الصالحة التي لا تزال في علم الغيب.
عن نفسي، كرّرت مقولة ما أشبه اليوم بالبارحة، لأني تذكَّرت فيلما عربيا، حين قررتْ بطلته أن تقيم احتفالا بطلاقها، ودعت إليه صديقاتها، ولكنها كانت منصفةً في حقِّ نفسها، حيث دعت صديقاتها الشامتات المدَّعيات إلى المحبة، واللواتي لا هم لهن سوى تناقل أخبار الفضائح الأسرية. وعلى الرغم من ذلك، حافظت البطلة على صداقتهن، أو الوجود مع " الشلة"؛ لأن هذا الوسط هو الذي نشأت فيه، ولا يمكن أن تبتعد عنه. وقد تم إنتاج هذا الفيلم "حلاق السيدات" في عام 1960، فأكثر من نصف قرن قد مر على نمطية تفكير النساء نفسها، حين يشعرن بالخذلان، وبأن الطرف الآخر لم يقدر قيمتهن، وبأنه قد أودعهن لقمةً تُلاك في فم مجتمع لا يرحم أمثالهن. المجتمع الذي يعتبر أن المرأة التي تتحمَّل صلَف زوجها وظلمه وجوره صابرة، والأخرى التي تطلب حريتها، وتقرّر أن تشطب من قاموس حياتها كل معاني الذل تصبح مطلَّقة، وتلاحقها الاتهامات؛ فهي دائما المتهمة وليست "بنت عيشة"، بل هي متمرِّدة على النعمة، وليس هناك نعمة أكبر من زوجٍ يسترها بين أربعة جدران، مهما أساء معاملتها، وكال لها بين هذه الجدران صنوف العذاب، أشكالًا وألوانًا.
لو عدنا إلى البداية في قصة طلاق الفتاة التي أقامت حفلاً بالمناسبة، فالبداية هي زواج مبكِّر، والحياة كلها تُبنى على أخطاء، أو نجاحات متراكمة، فكل خطأ يقود إلى خطأ فادح، وكل نجاح يقود إلى نجاحات، وليس نجاحا، فالتفكير والتخطيط السليم هو مفتاح النجاح، وما دام أولياء الأمور لم يخطّطوا لأولادهم ولبناتهم، ولم يتركوا لهم حرية اختيار حياتهم؛ فهم يدفعون بهم نحو نهاياتٍ محزنة، ربما تكون انتحار الشاب؛ بسبب فقدان الأمل في تكوين حياة، أو احتفال فتاةٍ بطلاقها، بعد عجزها عن بناء بيت سعيد مع شريكٍ غير مناسب، وربما قد عملت هذه الفتاة بمبدأ المواجهة، كأحسن حلّ للدفاع؛ فقرّرت أن تخرج على مواقع "السوشيال ميديا"؛ لكي تحتفل بطلاقها في حادثةٍ غريبةٍ وجديدة، على مجتمع ضيِّق؛ ما أخرج الطرف الآخر عن صمته؛ فخرج على مواقع "السوشيال ميديا" مدافعاً ومبرِّرًا، ومن دفاعاته المضحكة المبكية أنه تزوجها صغيرة، وربَّاها على يديه.
قبل أيام، فُجعنا بأب يقتل ابنته الصغيرة، بضربها ضربًا مبرِّحًا؛ لأنها طلبت زيارة أمها المطلقة. وبقليل من التفكير، نكتشف أن الزواج الفاشل يفرز ضحايا هناك، هم الأطفال، وكذلك الأم المطلقة التي حُرمت من أطفالها، ولم تجد قانونًا ينصفها، ويحكم لها بحضانة أطفالها بدلا عن أبٍ سيّئ الخلق، وسبق أن ألقى بطفله الآخر من الشرفة، وأصابه بكسور في الجمجمة، ونجا من الموت بأعجوبة.
منظومة القوانين المهترئة، في ما يخصُّ قوانين الأسرة والزواج والطلاق، وحضانة الأولاد، ورعاية المطلَّقات وحمايتهن، هي السبب في وقوع هذه الحوادث، كما أن تغليب الحكم العشائري المتوارَث، والمحتكم لثقافة العيب، والمتحيِّز دومًا للرجل، هما السبب، في أن تحتفل فتاة في مقتبل العمر بطلاقها، وهي توقن أن الحفل سوف ينتهي، وسوف تركن إلى زاوية مظلمة في بيت عائلتها، تفكِّر في مصيرٍ مظلمٍ ينتظرها، بانضمامها إلى قافلة المطلقات.