مرت سنوات على انتهاء الحكم العسكري في اليونان، وولدت أجيالٌ وأجيالٌ لا تعرف شيئاً عن تلك الحقبة التي أثرت بشكل واضح في تاريخ اليونان الحديث. لذلك تنظم مؤسسات وهيئات من وقت لآخر معارض تضم صوراً وفيديوهات ووثائق عن تلك الحقبة، أملاً في أن تشكل وعياً للشباب اليوناني بخطورة تغييب الديمقراطية والتعدي على المؤسسات الدستورية.
يعرف الحكم الديكتاتوري في اليونان (1967ــ 1974) بأسماء مثل "خوندا" وهي كلمة إيطالية تعني الحكم العسكري، أو "ديكتاتورية العقداء" حيث إن الذين قاموا بالانقلاب كانوا برتبة عقداء في الجيش اليوناني، كما تعرف بأسماء أخرى اعتبارية مثل الحقبة المظلمة ونحو ذلك.
تبنى انقلاب العقداء خطاباً يمينياً متطرفاً، وادّعى أنه يحمي الأمة اليونانية من الشيوعية. كما تبنى خطاباً مجّد الأمة اليونانية بماضيها وحاضرها. وتنفيذاً لسياساته الأيديولوجية، قام بسجن ونفي وتعذيب آلاف المعارضين، إضافة إلى مقتل المئات في سجونه ومعتقلاته. أحدثُ معرض عن فترة الديكتاتورية تقيمه مؤسسة البرلمان اليوناني، بمشاركة عشرات المؤسسات الثقافية والمتاحف في أثينا والمجموعات الفردية.
قسّم المعرض حسب سنوات الحكم الديكتاتوري، حيث تمّ التأريخ لأحداث كل سنة بمجموعة من الوثائق والصور والمنشورات، كما ضمّ المعرض منشورات من صحف تلك الحقبة داخل وخارج اليونان، وصوراً من نشاطات معارضي الانقلاب والمتضامنين معهم في العواصم الأوروبية.
كما يضم المعرض كتاباً توثيقياً يؤرخ لأحداث يومية جرت خلال سنوات الديكتاتورية، حيث فرض الحكم العسكري رقابة على المنشورات ولاحق المعارضين له، وطردهم من وظائفهم وضيق على أقاربهم ومعارفهم.
يتحدث الكتاب في إحدى صفحات عام 1968، عن سجن شباب وطلاب مناهضين لحكم العسكر، وعن طرد أكاديميين من وظائفهم بسبب مخالفتهم للنظام ومؤسساته، أو مساعدتهم لأعدائه، كما يتحدث عن حركة التحرر اليونانية "باك" التي أسسها أندرياس باباندريو، وذلك بهدف محاربة الانقلاب العسكري، إضافة إلى صور عديدة من المهرجانات الحاشدة التي كان الانقلابيون يعتمدون عليها لتحسين صورتهم داخلياً وخارجياً.
كما يتحدث الكتاب عن الدستور الذي عدله الانقلابيون بعد استفتاء وهمي عام 1968، بحيث جعل الجيش وصياً على الدولة والمجتمع، فيما كانت جنازات زعماء مثل يورغوس باباندريو – والد أندرياس باباندريو- وجنازات سياسيين وأدباء آخرين تتحول إلى مظاهرات تحدٍ لسلطات الانقلاب. وفي لندن تظاهر مناهضون للانقلاب رفضاً لإقامة مباريات ألعاب القوى في اليونان.
وبعد انسحاب اليونان من المجلس الأوروبي بسبب الديكتاتورية، سعى العسكر خلال عامي 1971 ــ 1972 إلى إقامة تحالفات سياسية واقتصادية مع دول أفريقية وبلقانية لكسر عزلتهم، فيما بقيت أولوية الولايات المتحدة حماية مصالح حلف ناتو في شرق المتوسط، رغم تصريحات مسؤوليها المتكررة بضرورة استعادة الشرعية الدستورية اليونانية، حيث أسهمت سياسة العسكر المعادية للشيوعية في جعلهم حلفاء مهمين للسياسة الغربية.
من الأحداث الهامة التي يذكرها الكتاب محاولة سلاح البحرية اليوناني عام 1972 التمرد على الحكومة الانقلابية واحتلال جزيرة سيروس لجعلها مقراً لمناهضة العسكر، لكن الحركة فشلت بسبب وشاية وتمّ اعتقال عشرات الضباط. وفي نفس العام انفصلت سفينة حربية يونانية خلال تدريبات لحلف الناتو في إيطاليا حيث طلب طاقمها اللجوء هناك، وهو ما حظي باهتمام عالمي.
كما يفرد الكتاب صفحات وافية للأحداث التي أصبحت تعرف لاحقاً بأحداث كلية الهندسة "بوليتخنيّو" أو 17 نوفمبر، حيث اقتحمت مدرعات الجيش حرم الجامعة ما أدى إلى مقتل عدد من الطلاب.
إقرأ أيضاً: غارث فودن.. ضد مغالطات النظرة الأوروبية
وفي 25 نوفمبر 1973، قام حاكم المدرسة العسكرية ديميتريس إيوانيذيس بانقلاب على زميله يورغوس باباذوبولوس، فيما شهد صيف 1974 انقلاباً ضد الرئيس القبرصي مكاريوس بتدبير من نظام إيوانيذيس في أثينا، الأمر الذي أدى إلى تدخل تركيا وتقسيم الجزيرة. وكانت أحداث قبرص المسمار الأخير في نعش الحكم العسكري الذي انهار بعدها ممهداً لعودة المرحلة الدستورية.
وفي مقابلة مع "العربي الجديد" قالت آنا إينيبيكيذو، المشرفة على المعرض، إن الهدف الأول كان جذب أكبر عدد من المهتمين لا سيما من طلاب المدارس، وبناء عليه، تمّ عرض الصور والوثائق بأشكال مختلفة بحيث تحفّز الزائر على البحث بنفسه، كما عرضت وثائق ورسائل مختلفة لمواطنين إما أيدوا أو عارضوا الانقلاب آنذاك.
وتضيف أن المعرض يخصص كذلك وحدة للتعريف بعقيدة وفكر الانقلابيين، وأخرى لشعارات الانقلاب التي تم توزيعها في الساحات والمرافق العامة، كما يمكن للزائر أن يستمع إلى مقطوعات من خطب الانقلابيين أو بث محطة الراديو الحكومية الموجهة آنذاك بتعليمات من الديكتاتورية، وأن يتابع مشاهد فيديو توثيقية للحياة اليومية في تلك الحقبة. كما تمّ تخصيص وحدة للتصريحات والمواقف العامة التي اتخذتها الشخصيات المعروفة ضد حكم العسكر.
وقالت إن بعض الزوار ممن عاشوا الفترة، أحضروا مقتنيات ووثائق شخصية وصوراً لنشاطاتهم ضد الانقلاب خارج اليونان، ما أسهم في جعل المعرض مجالاً للتفاعل الحيّ مع الجمهور. كما يضيف الطلاب لوحات وإبداعات من وحي زيارتهم للمعرض، وهذه الإبداعات تصبح بدورها قسماً من المعروضات.
ويقول خريستوس خريستيذيس المختص بالتاريخ اليوناني لـ "العربي الجديد" إن عدداً قليلاً من اليونانيين أيد الانقلاب لمصالح شخصية، وأيده آخرون لقناعات أيديولوجية، فيما انخرط الكثيرون ضمن هيئات ومنظمات مقاومة النظام العسكري، وكان بينهم شخصيات معروفة في مجال الفن والسياسة والقضاء والأدب.
وقال إن الطلاب، كونهم لم يعيشوا المرحلة، يسألون كثيراً عن كيفية فرض مجموعة من الأشخاص نظاماً ديكتاتورياً على بلد بأكمله، ويسألون عن مواقف مؤسسات بعينها مثل الكنيسة والأكاديميين من الانقلاب، كما يسألون عن مصير الانقلابيين بعد سقوط نظامهم، ويخرجون برغبة في المزيد من البحث والتمحيص حول الموضوع.
إقرأ أيضاً: "سينما الهواء الطلق" في اليونان .. تقليد تهدده الرقمنة
يعرف الحكم الديكتاتوري في اليونان (1967ــ 1974) بأسماء مثل "خوندا" وهي كلمة إيطالية تعني الحكم العسكري، أو "ديكتاتورية العقداء" حيث إن الذين قاموا بالانقلاب كانوا برتبة عقداء في الجيش اليوناني، كما تعرف بأسماء أخرى اعتبارية مثل الحقبة المظلمة ونحو ذلك.
تبنى انقلاب العقداء خطاباً يمينياً متطرفاً، وادّعى أنه يحمي الأمة اليونانية من الشيوعية. كما تبنى خطاباً مجّد الأمة اليونانية بماضيها وحاضرها. وتنفيذاً لسياساته الأيديولوجية، قام بسجن ونفي وتعذيب آلاف المعارضين، إضافة إلى مقتل المئات في سجونه ومعتقلاته. أحدثُ معرض عن فترة الديكتاتورية تقيمه مؤسسة البرلمان اليوناني، بمشاركة عشرات المؤسسات الثقافية والمتاحف في أثينا والمجموعات الفردية.
قسّم المعرض حسب سنوات الحكم الديكتاتوري، حيث تمّ التأريخ لأحداث كل سنة بمجموعة من الوثائق والصور والمنشورات، كما ضمّ المعرض منشورات من صحف تلك الحقبة داخل وخارج اليونان، وصوراً من نشاطات معارضي الانقلاب والمتضامنين معهم في العواصم الأوروبية.
كما يضم المعرض كتاباً توثيقياً يؤرخ لأحداث يومية جرت خلال سنوات الديكتاتورية، حيث فرض الحكم العسكري رقابة على المنشورات ولاحق المعارضين له، وطردهم من وظائفهم وضيق على أقاربهم ومعارفهم.
يتحدث الكتاب في إحدى صفحات عام 1968، عن سجن شباب وطلاب مناهضين لحكم العسكر، وعن طرد أكاديميين من وظائفهم بسبب مخالفتهم للنظام ومؤسساته، أو مساعدتهم لأعدائه، كما يتحدث عن حركة التحرر اليونانية "باك" التي أسسها أندرياس باباندريو، وذلك بهدف محاربة الانقلاب العسكري، إضافة إلى صور عديدة من المهرجانات الحاشدة التي كان الانقلابيون يعتمدون عليها لتحسين صورتهم داخلياً وخارجياً.
كما يتحدث الكتاب عن الدستور الذي عدله الانقلابيون بعد استفتاء وهمي عام 1968، بحيث جعل الجيش وصياً على الدولة والمجتمع، فيما كانت جنازات زعماء مثل يورغوس باباندريو – والد أندرياس باباندريو- وجنازات سياسيين وأدباء آخرين تتحول إلى مظاهرات تحدٍ لسلطات الانقلاب. وفي لندن تظاهر مناهضون للانقلاب رفضاً لإقامة مباريات ألعاب القوى في اليونان.
وبعد انسحاب اليونان من المجلس الأوروبي بسبب الديكتاتورية، سعى العسكر خلال عامي 1971 ــ 1972 إلى إقامة تحالفات سياسية واقتصادية مع دول أفريقية وبلقانية لكسر عزلتهم، فيما بقيت أولوية الولايات المتحدة حماية مصالح حلف ناتو في شرق المتوسط، رغم تصريحات مسؤوليها المتكررة بضرورة استعادة الشرعية الدستورية اليونانية، حيث أسهمت سياسة العسكر المعادية للشيوعية في جعلهم حلفاء مهمين للسياسة الغربية.
من الأحداث الهامة التي يذكرها الكتاب محاولة سلاح البحرية اليوناني عام 1972 التمرد على الحكومة الانقلابية واحتلال جزيرة سيروس لجعلها مقراً لمناهضة العسكر، لكن الحركة فشلت بسبب وشاية وتمّ اعتقال عشرات الضباط. وفي نفس العام انفصلت سفينة حربية يونانية خلال تدريبات لحلف الناتو في إيطاليا حيث طلب طاقمها اللجوء هناك، وهو ما حظي باهتمام عالمي.
كما يفرد الكتاب صفحات وافية للأحداث التي أصبحت تعرف لاحقاً بأحداث كلية الهندسة "بوليتخنيّو" أو 17 نوفمبر، حيث اقتحمت مدرعات الجيش حرم الجامعة ما أدى إلى مقتل عدد من الطلاب.
إقرأ أيضاً: غارث فودن.. ضد مغالطات النظرة الأوروبية
وفي 25 نوفمبر 1973، قام حاكم المدرسة العسكرية ديميتريس إيوانيذيس بانقلاب على زميله يورغوس باباذوبولوس، فيما شهد صيف 1974 انقلاباً ضد الرئيس القبرصي مكاريوس بتدبير من نظام إيوانيذيس في أثينا، الأمر الذي أدى إلى تدخل تركيا وتقسيم الجزيرة. وكانت أحداث قبرص المسمار الأخير في نعش الحكم العسكري الذي انهار بعدها ممهداً لعودة المرحلة الدستورية.
وفي مقابلة مع "العربي الجديد" قالت آنا إينيبيكيذو، المشرفة على المعرض، إن الهدف الأول كان جذب أكبر عدد من المهتمين لا سيما من طلاب المدارس، وبناء عليه، تمّ عرض الصور والوثائق بأشكال مختلفة بحيث تحفّز الزائر على البحث بنفسه، كما عرضت وثائق ورسائل مختلفة لمواطنين إما أيدوا أو عارضوا الانقلاب آنذاك.
وتضيف أن المعرض يخصص كذلك وحدة للتعريف بعقيدة وفكر الانقلابيين، وأخرى لشعارات الانقلاب التي تم توزيعها في الساحات والمرافق العامة، كما يمكن للزائر أن يستمع إلى مقطوعات من خطب الانقلابيين أو بث محطة الراديو الحكومية الموجهة آنذاك بتعليمات من الديكتاتورية، وأن يتابع مشاهد فيديو توثيقية للحياة اليومية في تلك الحقبة. كما تمّ تخصيص وحدة للتصريحات والمواقف العامة التي اتخذتها الشخصيات المعروفة ضد حكم العسكر.
وقالت إن بعض الزوار ممن عاشوا الفترة، أحضروا مقتنيات ووثائق شخصية وصوراً لنشاطاتهم ضد الانقلاب خارج اليونان، ما أسهم في جعل المعرض مجالاً للتفاعل الحيّ مع الجمهور. كما يضيف الطلاب لوحات وإبداعات من وحي زيارتهم للمعرض، وهذه الإبداعات تصبح بدورها قسماً من المعروضات.
ويقول خريستوس خريستيذيس المختص بالتاريخ اليوناني لـ "العربي الجديد" إن عدداً قليلاً من اليونانيين أيد الانقلاب لمصالح شخصية، وأيده آخرون لقناعات أيديولوجية، فيما انخرط الكثيرون ضمن هيئات ومنظمات مقاومة النظام العسكري، وكان بينهم شخصيات معروفة في مجال الفن والسياسة والقضاء والأدب.
وقال إن الطلاب، كونهم لم يعيشوا المرحلة، يسألون كثيراً عن كيفية فرض مجموعة من الأشخاص نظاماً ديكتاتورياً على بلد بأكمله، ويسألون عن مواقف مؤسسات بعينها مثل الكنيسة والأكاديميين من الانقلاب، كما يسألون عن مصير الانقلابيين بعد سقوط نظامهم، ويخرجون برغبة في المزيد من البحث والتمحيص حول الموضوع.
إقرأ أيضاً: "سينما الهواء الطلق" في اليونان .. تقليد تهدده الرقمنة