من الأسئلة التي يصعب العثور على إجابات لها، في المدى المنظور على الأقل، كيف استقبل أعضاء الحكومة الأردنية ورئيسها خبر إقدام موظف على إحراق نفسه احتجاجاً على أوضاعه الاقتصادية الصعبة؟ ما هي مشاعرهم عندما أُعلن عن وفاة الموظف متأثراً بحروقه؟ هل تألموا وهم يفكرون بحياته البائسة ونهايته التراجيدية؟ هل شتموه على فعلته كونها ستزيد حتماً مساحة الغضب الشعبي عليهم؟ هل ضحكوا لقناعتهم أن شكل الاحتجاج القوي الذي أقدم عليه الموظف تجاوزه التاريخ وأصبح محدود الأثر؟
تبدو الإجابات صعبة، حتى الافتراضية منها، لكن الأصل أن ما أقدم عليه الموظف قد أحدث وقعاً على مشاعر أعضاء الحكومة ورئيسها. لكنهم لم يعبروا عن تلك المشاعر صراحة أو ضمنياً، وأي منهم لم يعلق على الحادثة التي بات من المرجح أن تتكرر تحت تأثير قرارات الحكومة الاقتصادية التي تواصل القضاء على أحلام الفقراء بتحسين حياتهم أو حتى مجرد تحملها.
من القسوة أن تنتهي حياة الموظف على هذا النحو، ومن القسوة أيضاً أن تتحول نهايته المفجعة وحياته المعدمة خبراً عابراً مجرداً من أي مشاعر إنسانية، ومن الغبن أن ينظر إلى الحدث من زاوية ما سيحدثه من أثر على حركة شارع يغلي، من دون أن يصار إلى التمعن في قضيته التي تتشابه مع قضية كثيرين غيره ودوافعه التي قد تصبح دوافع لغيره.
لم يكن الموظف الذي يطالب بالانتقال من وظيفة مراسل إلى وظيفة حارس، يحلم بتكوين ثروة من وراء الانتقال الذي لم يتحقق، وكان سبباً في إقدامه على ما أقدم عليه. كان يفتش فقط عن زيادة محدودة على دخله وفرصة بعمل إضافي يساعده على تحمل وطأة حياة قاسية، يتضح مما أقدم عليه أنه عجز عن احتمالها.
وإنْ كانت الحكومة تكتم مشاعرها تجاه الحادثة، لكن سلوكها يفصح عن تلك المشاعر أو يؤشر عليها، فهي ماضية برفع أسعار السلع والخدمات، وفرض المزيد من الضرائب، والتوسع برفع الرسوم، لتثبت أنها غير آبهة للمصير الذي سينتهي إليه فقراء البلاد الذين، على الرغم من كثرتهم، لا يحركون في مشاعرها شيئاً.