انطلق هشام المشيشي مباشرة بعد نيل حكومته ثقة البرلمان نحو بحث هدنة اجتماعية مع النقابات المتأهّبة للدفاع عن مواقفها في الإصلاحات الاقتصادية التي تنوي الحكومة القيام بها، وسط وضع اجتماعي محتقن وانكماش تاريخي في النمو الاقتصادي.
ووافق البرلمان التونسي، فجر الأربعاء الماضي، على منح الثقة لحكومة هشام المشيشي، "التكنوقراط"، وسط آمال بأن تنجح في وضع حدّ لحالة عدم الاستقرار السياسي في البلاد ومعالجة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردّية.
ويسعى رئيس الحكومة الجديد إلى إيجاد توافقات مع الاتحاد العام التونسي للشغل من أجل ضمان دعم إضافي لحكومته ووقف نزيف المطالب الاجتماعية التي تزيد من الضغط المالي على موازنة البلاد.
وطلب المشيشي أمام البرلمان "بعض الهدوء" وفسح المجال لحكومته لبلورة برنامج يعالج مشاكل البلاد ووضع حدٍ لنزيف المالية العمومية قبل الانطلاق في الإصلاحات الكبرى التي قد تتطلّب قرارات مؤلمة للتونسيين تتعارض وخيارات الاتحاد العام للشغل المتجند للدفاع عن حقوق الشغالين وقدرتهم الإنفاقية.
وقال المشيشي إن حكومته ستدخل مباشرة بعد نيل ثقة البرلمان في مفاوضات مع شركاء تونس الماليين، ولا سيما صندوق النقد الدولي، وإصلاح المؤسسات العمومية التي يطالب اتحاد الشغل بالمشاركة فيها بسبب الثقل العمالي والنقابي في هذه المؤسسات.
وعلّق الناطق الرسمي باسم الاتحاد العام التونسي للشغل، سامي الطاهري، على الأولويات الاقتصادية لحكومة المشيشي بأن موقف رئيس الحكومة الجديد من القطاع العام مقبول، غير أن استعداد الاتحاد للدخول في هدنة اجتماعية مرتبط بقدرة الحكومة على معالجة مسببات الإضراب الاجتماعي وأهمها الفقر والغلاء والضغط الضريبي.
وقال الطاهري لـ"العربي الجديد" إن الاتحاد العام التونسي للشغل (النقابة الأكثر تمثيلاً في البلاد) على استعداد للتفاعل الإيجابي مع حكومة المشيشي شرط إثبات قدرتها على حسن إدارة الملف الاجتماعي والتعهّد بالحفاظ على الحقوق المكتسبة للشغالين.
وأضاف في ذات السياق أن المركزية النقابية لا تملك أزرار السيطرة على الحراك الاجتماعي وأن الاستقرار يتطلب مكافحة حقيقيّة لأسباب الفقر التي تدفع بالشغالين للإضراب أو الاحتجاج في الشوارع.
ولم يخف الطاهري خشيته من أن ينفلت الحراك على جميع الأطراف، داعياً إلى هدنة سياسية، باعتبار أن العلّة التونسية أسبابها سياسية بالأساس، وفق قوله.
وحول موقف الاتحاد من خطة إصلاح المؤسسات الحكومية عبر الشراكة مع القطاع الخاص التي اقترحها المشيشي في مشروعه الحكومي، قال الطاهري إن الاتحاد سبق أن تحفّظ على قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص، مطالباً بحماية المؤسسات الحكومية من محاولات سيطرة القطاع الخاص عليها في إطار شراكات غير متكافئة، وفق قوله.
ووعد هشام المشيشي في جلسة منح الثقة لحكومته بالبرلمان بإيجاد حلول لأزمة الطاقة في البلاد وحلّ مشاكل قطاع الفوسفات عبر الإدماج الاقتصادي والاجتماعي للمحافظات التي تعرف احتجاجات اجتماعية متواصلة تسببت في تعطّل نشاط منشآت الطاقة الحيوية جنوب تونس.
وعلى خلاف حكومة الفخفاخ التي أطاحتها شبهة تضارب مصالح وفساد تملك حكومة المشيشي مقومات صمود أكبر من سابقتها، باعتبار أن رئيسها المشيشي موظف حكومي قادم من هيئات الرقابة العامة للدولة ولا علاقة له بعالم المال والأعمال.
كذلك تمكن رئيس الحكومة الجديد في مساره المهني من ربط علاقات جيدة مع نقابات ثقيلة في القطاع العام، ومنها نقابات النقل والصحة والشؤون الاجتماعية بحكم عمله رئيس ديوان في 4 وزارات.
واختار المشيشي لحقيبة الشؤون الاجتماعية محمد الطرابلسي، العضو السابق للمكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل، ما يساعده على مدّ جسور تواصل مهمة مع المركزية النقابية.
وتتسلّم حكومة المشيشي مهامها في ظل أسوأ أزمة اقتصادية تمر بها البلاد منذ استقلالها عام 1956 بعد نزول كل المؤشرات الاقتصادية إلى ما تحت الصفر وتراجع النمو الاقتصادي بـ12 بالمائة إلى جانب انفجار الدين العام وارتفاع البطالة إلى 18 بالمائة بسبب فقدان نحو 270 ألف تونسي وظائفهم، فضلاً عن تداعيات التوتر في المحيط الإقليمي للبلاد على الواقع التونسي.
وأكد الأمين العام المساعد المكلف بالقطاع الخاص في الاتحاد العام للشغل، محمد علي البوغديري، أن للاتحاد برنامجاً لتحسين أوضاع الشغالين وتدارك مخلّفات جائحة كورونا سيعرضها على الحكومة الجديدة من أجل مناقشتها وبلورة برنامج إصلاحي شامل يحافظ على الحقوق المكتسبة للعمال ويصلح ما خلّفته الجائحة من فقدان لمواطن الشغل وتراجع للمقدرة الشرائية للعمال.
وأضاف البوغديري لـ"العربي الجديد" أن الحكومة مطالبة بالقيام بمجهودات أكبر من أجل ضمان تطبيق المساواة في الحفاظ على حقوق العمال في القطاع الخاص كما هو الشأن لموظفي القطاع العام، منتقداً سوء إدارة حكومة الفخفاخ الراحلة لملف التسريح من القطاع الخاص بعد الجائحة.
وأكد في ذات السياق أن الحكومة السابقة لم تسع إلى تمكين أجراء القطاع الخاص من رواتبهم إبان الحجر الصحي، في مخالفة صارخة لمقتضيات دستور البلاد الذي أقر المساواة في الحقوق والواجبات بين الشغالين كافة.
وأفاد المسؤول النقابي في سياق متصل بأن الاتحاد العام التونسي للشغل سيطلب من الحكومة الجديدة أن تكون شريكاً فعليّاً في إعادة تنشيط المؤسسات الاقتصادية الخاصة، على أن يكون العمال النواة الصلبة لهذا القطاع بهدف توفير ظروف العمل الملائمة وتحسين منافسة الشركات الخاصة التي تواجه منافسة شرسة مع الخارج.