مع اقتراب العد التنازلي لتشكيل حكومة الوفاق الوطني المرتقبة في ظل الحوار الذي ترعاه الأمم المتحدة بين فرقاء ليبيا، يواصل الطرفان المتخاصمان الصراع للسيطرة على عائدات النفط والتي تشكل المصدر الرئيسي لدخل البلاد، ولكن الصراع انتقل إلى حلقة المشترين.
وكشفت مصادر متطابقة، من المؤسسة الوطنية للنفط التابعة للحكومة المؤقتة في طبرق (شرق)، لـ"العربي الجديد"، عن مساعٍ من طبرق لجذب المشترين لها باتخاذ بعض الإجراءات الجديدة ومنح التسهيلات، في محاولة لحرمان حكومة الإنقاذ الوطني في العاصمة طرابلس (غرب)، من شركات تتعاقد معها حالياً.
وحسب المصادر، التي رفضت نشر اسمها، سيتم اتخاذ إجراءات جديدة متعلقة بالتعاقدات وحصص الشركاء، وقد تتضمن فرض عقوبات من قبل حكومة طبرق على الشركات المتعاقدة مع حكومة طرابلس، دون أن يحدّد المصدر كيفية تطبيقها.
وشهد اجتماع مندوبي الشركات الأجنبية في مالطا، أخيراً، بشأن عمليات بيع النفط عبر المؤسسة الوطنية للنفط بطبرق، عزوفاً من قبل الشركات الأجنبية، وفقاً للمصادر.
وكان رئيس المؤسسة الوطنية للنفط التابعة للحكومة المؤقتة بطبرق، ناجي المغربي، أكد في تصريحات صحافية سابقة أن هناك 30 شركة ترغب في شراء النفط من المؤسسة الوطنية في شرق البلاد، دون أن يحدد أسماءها.
مؤسستان للنفط
وتوجد في ليبيا مؤسستان للنفط، الأولى تابعة للحكومة المؤقتة في شرق ليبيا والمنبثقة عن البرلمان في طبرق، ويديرها ناجي المغربي، والثانية تابعة لحكومة الإنقاذ المنبثقة عن المؤتمر الوطني العام بطرابلس، ويديرها مصطفى صنع الله.
وعلى الرغم من ذلك، لا تزال المؤسسة الوطنية للنفط في طرابلس، هي التي تقوم بالتعاقدات لبيع النفط في السوق العالمي.
وكانت عائدات ليبيا من تصدير النفط، تودع في حساب خاص بالمصرف الليبي الخارجي (تابع لمصرف ليبيا المركزي) بطرابلس حتى نهاية شهر مايو/ أيار الماضي.
وتنتج ليبيا، العضو في منظمة البلدان المصدّرة للنفط (أوبك)، حالياً 400 ألف برميل من إنتاجها الطبيعي البالغ 1.5 مليون برميل يومياً.
وتتصارع على السلطة في ليبيا حكومتان، هما الحكومة المؤقتة التي يقودها عبد الله الثني المنبثقة عن مجلس النواب في طبرق ومقرها البيضاء (شرق)، وحكومة الإنقاذ المنبثقة عن المؤتمر الوطني التي يقودها خليفة الغويل ومقرها طرابلس (غرب).
وتسيطر الحكومة المؤقتة في طبرق على معظم إنتاج ليبيا من النفط وتستحوذ على الهلال النفطي (وسط) بإنتاج يصل إلى 800 ألف برميل، بالإضافة إلى ميناء الحريفة النفطي بإنتاج 200 ألف برميل يومياً.
بينما تسيطر حكومة الإنقاذ الوطني على الحقول والموانئ النفطية الغربية بالإضافة إلى حقول الغاز، منها حقلي الشرارة النفطي والفيل، المقفلين، وحقل الوفاء الغازي.
صراع حول المشترين
ولم يعلّق وزير النفط والغاز بحكومة الإنقاذ الوطني في طرابلس، مشاء الله الزوي، بشأن انعقاد اجتماع المؤسسة الوطنية للنفط مع الشركات النفطية المتعاقدة مع الدولة الليبية، والذي انعقد بالعاصمة المالطية فاليتا.
اقرأ أيضاً: 196 مليار دولار استثمارات ليبية مهددة بالخارج
وفي نهاية شهر أغسطس/ آب الماضي، عقد رئيس المؤسسة الوطنية للنفط التابعة لحكومة الإنقاذ الوطني مصطفى صنع الله، ومحافظ ليبيا المركزي، الصديق الكبير، اجتماعات مع 26 شركة نفطية على مدى ثلاثة أيام في لندن، ومن بينها بي.بي البريطانية، وإكسون موبيل الأميركية، وأو.إم.في، وموتور أويل هيلاس، وهيلينك بتروليوم، وفيتول.
واستهدف الاجتماع إقناع الشركات بالاستمرار في التعامل مع المؤسسة الوطنية للنفط في طرابلس.
خسائر باهظة
وحسب محللين اقتصاديين تحدثوا لـ"العربي الجديد"، يؤثر وجود مؤسستين للنفط تتنافسان على عمليات بيع خام النفط الليبي في السوق العالمي سلباً على ليبيا، وقد لا تجد مشترين بسبب ارتفاع نسبة المخاطرة وفقدان المصداقية في التعامل.
وأكدوا أن ميناء رأس لأنوف، كأحد أكبر موانئ النفط في ليبيا، رُفعت عليه القوة القاهرة من قبل المؤسسة الوطنية للنفط بطرابلس، وبدأت في عمليات استقبال السفن النفطية، ولكن حراس المنشأة النفطية رفضوا دخول الناقلات.
وقالوا إن الصراع على السيطرة على آبار النفط تستخدمه القوى المتصارعة أحياناً في الضغط على الشركات الأجنبية للحصول على مطالب سياسية.
وكان مدير إدارة التخطيط والمتابعة بوزارة النفط في ليبيا، سمير كمال، قال في تصريحات سابقة لـ"العربي الجديد"، إن ليبيا فقدت زبائنها الكبار، وهي تعتمد على صغار الزبائن، وتقوم بالبيع الفوري لنفطها لارتفاع نسبة المخاطرة وإقفال الحقول النفطية.
وأضاف أن "النفط الليبي يحتاج بعض الوقت ليسترد عافيته في السوق العالمية بعد غياب طويل"، وأن تعاقدات بيع النفط أصبحت شهرية بدلاً من السنوية، نتيجة فقدان الكثير من زبائن المؤسسة الوطنية للنفط وتحوّلهم إلى منتجين غير ليبيا، موضحاً أن عودة التعاقدات السنوية تستلزم استقراراً أمنياً.
ومن جانبه، أكد ﺍﻟﻤﻐﺮﺑﻲ، ﻟﻤﻨﺪﻭﺑﻲ ﺍﻟﺸﺮﻛﺎﺕ في اجتماع مالطا، ﺃﻥ ﺍﻟﻤﺆﺳﺴﺔ ﺍﻟﻮﻃﻨﻴﺔ ﻟﻠﻨﻔﻂ ﺍﻟﺘﺎﺑﻌﺔ ﻟﻠﺤﻜﻮﻣﺔ ﺍﻻﻧﺘﻘﺎﻟﻴﺔ ﺍﻟﻤﺆﻗﺘﺔ ﻫﻲ ﺍﻟﻮﺣﻴﺪﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺪﻳﺮ ﺷﺆﻭﻥ ﺇﻧﺘﺎﺝ ﻭﺗﻜﺮﻳﺮ ﻭﺗﺼﺪﻳﺮ ﺍﻟﻨﻔﻂ ﻓﻲ ﻟﻴﺒﻴﺎ، ﺇﺿﺎﻓﺔ إلى ﻋﺪﺩ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﺮﻛﺎﺕ ﺍﻟﻤﺘﻔﺮﻋﺔ ﻋﻨﻬﺎ، ﻛﻤﺎ ﺃﻧﻬﺎ ﺗﺘﺤﻜﻢ ﻓﻲ ﺃﺳﻌﺎﺭ ﺍﻟﻤﻨﺘﺠﺎﺕ ﺍﻟﻨﻔﻄﻴﺔ ﺩﺍﺧﻞ ﻟﻴﺒﻴﺎ ﻭﺇﺟﺮﺍﺀ ﺍﻟﻤﻔﺎﻭﺿﺎﺕ ﻭﻣﻨﺢ ﺭﺧﺺ ﺍﻟﺘﻨﻘﻴﺐ ﻭﺍﻹﻧﺘﺎﺝ ﺍﻟﻨﻔﻄﻲ ﻓﻲ البلاد.
وفي المُقابل، كشف محافظ مصرف ليبيا المركزي، علي الحبري، أن سبب مشاركته باجتماع المؤسسة الوطنية للنفط مع الشركات الأجنبية بمالطا للتأكيد على أن المصرف سيتولى رسمياً إدارة الأموال العائدة من إنتاج النفط بشكل أو بآخر.
وقال إن عملية بيع النفط والغاز بشكل عام تمثل موارد سيادية للدولة، وبالتالي يجب أن يكون مصرف ليبيا المركزي في هذا الاجتماع، باعتبار أن كل الموارد السيادية تقع تحت إشراف وإدارة مصرف ليبيا المركزي.
ولدى ليبيا أكبر مخزون من النفط في أفريقيا، وتعتمد على إيراداته في تمويل أكثر من 95% من خزانة الدولة، وتموّل منها بشكل رئيسي رواتب الموظفين الحكوميين ونفقات دعم السلع الأساسية والوقود، وكذلك عدداً من الخدمات الرئيسية، مثل العلاج المجاني في المستشفيات.
وتعيش ليبيا أسوأ أزمة مالية في تاريخها الحديث نظراً للعجز غير المسبوق في الموازنة العامة، والذي يرجع إلى تدني إيرادات النفط، بعد إغلاق الحقول والمرافئ قرابة العام.
اقرأ أيضاً: ليبيا ضمن الدول الأكثر فساداً في العالم