ناقش حلف شمال الأطلسي (ناتو) قضية تسميم المعارض الروسي البارز أليكسي نافالني، خلال اجتماع استثنائي انعقد اليوم الجمعة، غداة تهديد قادة الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات جديدة على موسكو، التي نفت بشدة استهدافه.
ومَرِض نافالني (44 عاما)، المحامي الذي يعد من أشد منتقدي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، عندما كان على متن رحلة جوية الشهر الماضي، وخضع للعلاج في مستشفى في سيبيريا قبل إجلائه إلى برلين.
وقال الأمين العام للحلف، ينس ستولتنبرغ إن دول الحلف اتفقت اليوم على أنه يتعين على روسيا التعاون بشكل كامل مع تحقيق محايد تقوده منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في تسميم نافالني.
وأضاف ستولتنبرغ، في مؤتمر صحافي بعد اجتماع لسفراء الحلف، "أي استخدام للأسلحة الكيماوية يكشف عن استهانة تامة بأرواح البشر، ويمثل انتهاكا غير مقبول للمعايير والقواعد الدولية". وتابع "اتفق حلفاء الأطلسي على أن هناك أسئلة خطيرة يتعين على روسيا الإجابة عنها، وأن على الحكومة الروسية أن تتعاون بشكل كامل مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في تحقيق دولي محايد".
وأكد ستولتنبرغ "تجب محاسبة المسؤولين عن هذا الهجوم وتقديمهم للعدالة. لقد رأينا مرارا وتكرارا قادة معارضة ومنتقدين للنظام الروسي يتعرضون لهجمات وتهديدات لحياتهم، بل وقُتل بعضهم". ووصف قضية نافالني بأنها "هجوم على الحقوق الديمقراطية الأساسية"، وقال إن أعضاء الحلف سيواصلون التشاور بشأن الحادثة و"النظر في تداعياتها". وطالب القادة الغربيون موسكو بتوضيحات بعدما أعلنت برلين، الأربعاء، عن وجود "أدلة قاطعة" على أنه تعرّض للتسميم بواسطة غاز الأعصاب "نوفيتشوك"، الذي تم تطويره خلال فترة الحرب الباردة.
واستُخدمت المادة ذاتها ضد العميل المزدوج الروسي السابق سيرغي سكريبال وابنته في بلدة سالزبري الإنكليزية قبل عامين. وأثار الإعلان الألماني تنديدات واسعة النطاق بحق روسيا. وقدّمت ألمانيا إيجازا خلال الاجتماع الاستثنائي لحلف شمال الأطلسي اليوم.
ودفعت قضية سكريبال، وهي تمثل أول استخدام هجومي لأسلحة كيميائية في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، حلف شمال الأطلسي إلى طرد سبعة دبلوماسيين روس رداً على العملية.
ودعا مسؤول الشؤون الخارجية لدى الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل موسكو، في وقت سابق، للتعاون مع تحقيق دولي بشأن عملية التسميم، مشيرا إلى أن التكتل الذي يضم 27 دولة لا يستبعد فرض عقوبات عليها.
وقال إن الاتحاد الأوروبي "يدين بأشد العبارات محاولة اغتيال أليكسي نافالني". واعتبر الاتحاد الأوروبي أن استخدام سلاح كيميائي يعد أمرا "غير مقبول على الإطلاق في أي ظرف كان، ويشكّل خرقا جديا للقانون الدولي ومعايير حقوق الإنسان الدولية".
ورأى بوريل أن "على الحكومة الروسية أن تفعل كل ما في وسعها لإجراء تحقيق معمق وشفاف في هذه الجريمة وجلب المسؤولين إلى العدالة. لا يجب ولن يتم التهاون مع أي إفلات من العقاب".
ويطالب الاتحاد الأوروبي روسيا بالتعاون مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، التي تتخذ من لاهاي مقرا، لـ"ضمان تحقيق دولي محايد" يعد ضروريا لتحديد المسؤولين.
وفي واشنطن، ضغط أعضاء ديمقراطيون في مجلس الشيوخ على وزارة الخزانة لفرض عقوبات على منظمات وشخصيات روسية اتهموها بالتدخل في الانتخابات الأميركية، مشيرين إلى وجود معلومات استخبارية تكشف أن موسكو تسعى للتأثير سلبا على ترشّح جو بايدن.
وتعد عملية تسميم نافالني الحلقة الأخيرة ضمن سلسلة طويلة من محاولات الاغتيال التي استهدفت معارضين للكرملين. إلا أن روسيا تنفي وجود أي أدلة على أن نافالني تعرّض للتسميم. بينما أفاد المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، الخميس، أن برلين لم تقدّم أي إثباتات لموسكو في هذا الشأن.
وقال بيسكوف: "لا يوجد أي مبرر لاتهام الدولة الروسية"، رافضا الحديث عن احتمال فرض عقوبات اقتصادية وداعيا الغرب لتجنّب إطلاق "أحكام متسرّعة".
تسبب إعلان ألمانيا الأربعاء بانخفاض الروبل إلى أدنى مستوياته مقابل اليورو منذ 2016
وتسعى موسكو، التي تخضع أساسا لعقوبات غربية واسعة النطاق فرضت على خلفية ضمها شبه جزيرة القرم، وتداعيات تفشي كوفيد-19، وانخفاض أسعار النفط، لتجنّب أي ضغط إضافي على اقتصادها.
وتسبب إعلان ألمانيا الأربعاء بانخفاض الروبل إلى أدنى مستوياته مقابل اليورو منذ 2016، بينما تراجع مؤشر "أر تي إس" في موسكو أكثر من ثلاثة في المئة. وقالت صحيفة "كوميرسانت" المتخصصة بالمال والأعمال إن "علاقات روسيا بالغرب تسممت مجددا بواسطة نوفيتشوك"، مضيفة أنه بات من الواضح أن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة يفكران جديا بفرض عقوبات جديدة.
وأضافت "السؤال الرئيسي هو، إلى أي مدى سيمضيان قدما بذلك؟". وقال إيفان غدانوف، أحد أبرز حلفاء نافالني، لـ"فرانس برس"، إن عملية التسميم تفتح "فصلا جديدا" في الحملة الأمنية التي ينفّذها الكرملين بحق المعارضين، مشيرا إلى أن هذه المرة الأولى التي تستخدم فيها مادة للاستخدامات العسكرية، ومحظورة، بحق قيادي في المعارضة على الأراضي الروسية.
(فرانس برس)