بعد ما يقارب العام ونصف العام من الحرب الأهلية المستعرة في دولة جنوب السودان، والتي حصدت عشرات الآلاف من الأرواح، وشرّدت ما يربو على مليوني شخص، ما زال المواطن الجنوبي يحلم بالسلام وبإيقاف أزيز الرصاص الذي صمّ أذنيه، ليستبدله بصوت المستقبل وأنغام الموسيقى وترانيم الكنيسة التي أطلقت قبيل انفصال الجنوب وإعلان دولته المستقلة عن السودان في 2011.
وقبل أن تدق طبول الحرب من جديد بين صناع الاستقلال الجنوبي، عقب اتهام الرئيس سلفاكير ميارديت لنائبه الأول رياك مشار، فضلاً عن قيادات الحركة الشعبية التاريخية، بتدبير انقلاب ضده، انطلقت شرارة الحرب التي ما زالت مشتعلة حتى تاريخ اليوم.
"معاً لنوقد شمعة بدلاً من أن نلعن الظلام"، بذلك الشعار أطلقت مجموعة من النشطاء الجنوبيين صفحة على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" تهتم بقضايا السلام والمصالحة، وتدعو لنبذ الحرب والعنف وإلى توحيد الجنوبيين، اختاروا لها اسم "شمعة" تعبيراً عن الأمل في حياة مليئة بضوء الأمل والحب والسعادة.
نجحت الحملة في أقل من أسبوع بأن تستقطب عشرات الآلاف من النشطاء والمدونين الجنوبيين، فضلاً عن خلق قدر كبير من التأثير فاق في جملته عضوية الأحزاب السياسية في جوبا.
تقول كرستينا لـ"العربي الجديد" "انضممت للمجموعة، لإيماني الشديد بضرورة أن يكون للمجتمع الجنوبي دور في إيقاف الحرب، وإرسال رسالة إلى المتصارعين مفادها (دعونا نعيش في سلام ونحلم بمستقبل جيد لأطفالنا، فنحن بالتأكيد لم نخلق لنقضي حياتنا في حروب مستمرة، ومن حقنا أن نعيش ونحلم)".
أما أجوك فتقول "المواطن الجنوبي هو الأحوج للسلام اليوم قبل الغد، ولا أعتقد أن عاقلاً على وجه الأرض يروق له القتل وسفك الدماء"، مضيفة "نحن نتمسك بأي بريق أمل يحقق لنا السلام الذي نطمح إليه".
ويرى دينق، أن "الحملة رغم تأخرها فهي جيدة، لكنها بالقطع لا تخاطب جذور الأزمة الحقيقية، إنها محاولة، لكنها لن تجلب السلام الذي يتطلب إرادة حقيقية من القادة المتقاتلين، وإيقاف الحرب ووضعهم المواطن البسيط نصب أعينهم".
بدوره، يقول أحد مؤسسي المجموعة اتيم سايمون إنّ "الحملة نجحت تماماً في أن تلفت الانتباه للأصوات العالية المطالبة بتحقيق السلام في الداخل والخارج، باعتبار أنها انطلقت من إطار قومي تجاوز كل الانتماءات الضيقة، نحو تحقيق الوحدة بين مكونات الشعب كمدخل أساسي للسلام المستدام"، مشيراً إلى أن الحملة استقطبت شخصيات تأخذ مواقف مساندة لطرفي الحرب، مؤكداً أن "الحملة استطاعت أن تصل لأعداد كبيرة، إن لم أقل معظم الجنوبيين الذين لديهم حسابات على فيسبوك، فقد أصبحوا جزءاً منها وتجاوز العدد الخمسين ألف ناشط ومدون".
ولفت إلى خطط مؤسسي الحملة في جعلها موقعاً إلكترونياً، لكتابة ونشر القضايا التي تصب في خدمة السلام والمصالحة بين المكونات الجنوبية، عبر الحوار الديمقراطي، باعتباره الوسيلة الأنجع مقارنة بالسلاح".
وذكر أن اختيار إطلاق تسمية "شمعة" على المجموعة "لأنها علامة للضوء، ولكل ما هو إيجابي فضلاً عن أنها لاتختلف عن علامة "الحمامة التي تمثل شعار السلام عالمياً".
كذلك، أكد أن الحملة وجدت انتقادات بسبب بعض المواقف السياسية ولظروف الانقسام السياسي الحاد الذي تعيشة البلاد بتأثيراته الاجتماعية، موضحاً أن"الحرب خلقت صدمة كبيرة".
هذه الحملة لم تكن الأولى التي يطلقها المجتمع المدني الجنوبي الداعي للسلام، فقد سبقتها حملات مماثلة أطلقتها الكنائس، وأخرى أطلقها أطفال الجنوب بعنوان "سفراء السلام" الشهر الماضي، وجميعها تعمد إلى تشكيل ضغط على الحكومة في جوبا والمتمردين لوقف الحرب.
اقرأ أيضاً: رايتس ووتش: جيش جنوب السودان لا يزال يجند أطفالاً