15 نوفمبر 2024
حين تنتقم الطبيعة
كتب صديقٌ، في بداية العام الحالي، على صفحته على "فيسبوك"، تهنئة بحلول العام الجديد، بيد أنه استبدل كلمة العام بالعقد، موضحا أن ما يمر على العالم يُحسب بالعقد، لا بالسنة، إذ، حسب ملاحظته، تتغير الأحداث السياسية والاجتماعية والاقتصادية كل عشر سنوات مرة، وكأن الدورة الفلكية عشرية لا سنوية. ليس الصديق ذاك عالم فلك حتما، هو مجرّد متابع للأحداث، ومتفاعل معها، شأن كثيرين في عصر الاتصالات الحديثة.
لو أخذنا كلام الصديق على محمل الجد، واعتبرنا أن سنة 2020 ستنتهي في 2030 لا في 2029، لقلنا إن نهاية العالم ستكون مع هذا العقد! فما طفح من 2020، ولم يكد يمر شهران على بدايتها، يجعل حياتنا تبدو كما لو أنها على كفّ عفريت، ستنزلق في أية لحظة نحو الهاوية، هي نهاية الحياة، فما يحصل ليس مقتصرا على الوضع السياسي المتوتر في منطقة الشرق الأوسط، بكل ما فيه من تعقيد وتشابك: (ثورات وحروب ودمار وتشرد وموت متنوع وتحالفات وصراعات سياسية وعسكرية ومصالح اقتصادية وكراهية وصراع مذاهب وأعراق وطبقات). ما يحدث الآن يتجاوز ذلك كله، ليصبح خطرا عابرا كل شيء، القارات والدول والأديان والشرائح والطبقات. ليست بدايته التغير المناخي الذي بدأت نتائجه الكارثية بالظهور على هيئة حرائق تلتهم الغطاء الأرضي الأخضر وتهدّد بالتصحر، أو بانقلابات غير معتاد عليها في المناخ، ولا فقط أفواج الجراد التي تنتقل من مكان إلى آخر، ولا تترك خلفها سوى علائم البؤس والفاقة على وجه الطبيعة، وحتما لن تكون نهايته الجرم الكبير الذي سيسقط مقتربا من الأرض إلى مسافةٍ يحذّر العلماء من إمكانية اصطدامه بها.
وبالطبع، الحديث عن فيروس كورونا، الذي اعتبرته منظمة الصحة العالمية وباءً عالميا، نافل، إذ أصبح هذا الفيروس بالغ الصغر، والذي يحتاج إلى مايكروسكوبات متطورة لمعرفة شكله، مالئ الدنيا وشاغل الناس، ولكن ليس على طريقة المتنبي، وإنما خوفا وهلعا واضطرابا وقلقا وتعطيل مصالح وشللا في تفاصيل الحياة اليومية، وخسائر مجانية في الأرواح، وخسائر اقتصادية عالمية باهظة جدا في مختلف القطاعات، ويمكنها أن تجعل من الأزمة الاقتصادية التي لحقت بالعالم في العقود الماضية تبدو بسيطة لمقامر في لعبة البوكر، عدا طبعا عما يمكن أن يدمّره هذا الفيروس من الصلات البشرية الراحمة، حيث يتم تناقل أحاديث في العالم عن أن هناك خططا لجعل المرض يفتك بأكبر عدد ممكن من كبار السن المتقاعدين، الذين يتقاضون معاشاتٍ عالية معفاة من الضرائب، ويستفيدون من الضمان الصحي أكثر من غيرهم، وذلك قبل الإعلان عن اكتشاف اللقاح المنتظر له.
الكلام هنا عن دول العالم الأول، وهو ليس أكثر من كلام وشائعات تندرج في نظرية المؤامرة، لكنه النوع من الشائعات الذي يكسر القلب فعلا، لما فيه من قسوة، (المحزن أن المتقاعدين وكبار السن في بلادنا العربية هم أنفسهم يتمنّون الموت نتيجة الإهمال والعوز وانعدام الرعاية الطبية والتنمّر الذي يمارس عليهم من الحكومات ومن المجتمع!).
الطبيعة غاضبة، هذا هو التفسير الوحيد لما يحدث، غاضبة من ازدياد التنمّر والعنجهية والاستعراض للقوة عند البشر، والذي بلغ أشدّه في العقد الماضي، غاضبة إلى حد أنها تنتقم من كل شيء. يتساءل كثيرون اليوم عن هذا الهلع الكوروني الذي أصاب البشرية، مع أن عدد ضحاياها لا يتجاوز عدد ضحايا ثلاثة براميل متفجرة ألقاها نظام الأسد على معارضيه السوريين، أو لا يتجاوز واحداً بالعشرة من المعتقلين الذين يموتون تحت التعذيب في بلاد العالم الثالث. لم تتوقف الحياة لموت هؤلاء، ولا لموت مئات آلاف الأطفال بسبب المجاعة، لكن هؤلاء جميعا هم من الدول الفقيرة، من طبقات العالم الأسفل، لا أحد معني بهم، ولا أحد يكترث لموتهم أو لمكابداتهم أو لأمراضهم، كأن الطبيعة أرسلت كورونا، لتساوي فجأة بين الجميع، لتجعل اللامكترثين يعانون مما تعانيه شعوب العالم الأسفل وطبقاته. انتشر الهلع لأن العالم الأعلى كان يعتقد أنه محميٌّ من وباءات الحروب والجوع والفقر، يعيش مع هذا الاستعلاء المتفوق، والفوقية الوصائية التي ما زالت متأصلة من زمن المركزية الاستعمارية! كورونا استعلى على الجميع. سياسيون ووزراء ورجال دين ومشاهير وأغنياء تساووا في الخوف والهلع مع فقراء العالم ومهمشيه. هل يكون العقد الجديد بداية التغيير الفعلي في البشرية، أم بداية النهاية للوجود البشري على هذا الكوكب؟
وبالطبع، الحديث عن فيروس كورونا، الذي اعتبرته منظمة الصحة العالمية وباءً عالميا، نافل، إذ أصبح هذا الفيروس بالغ الصغر، والذي يحتاج إلى مايكروسكوبات متطورة لمعرفة شكله، مالئ الدنيا وشاغل الناس، ولكن ليس على طريقة المتنبي، وإنما خوفا وهلعا واضطرابا وقلقا وتعطيل مصالح وشللا في تفاصيل الحياة اليومية، وخسائر مجانية في الأرواح، وخسائر اقتصادية عالمية باهظة جدا في مختلف القطاعات، ويمكنها أن تجعل من الأزمة الاقتصادية التي لحقت بالعالم في العقود الماضية تبدو بسيطة لمقامر في لعبة البوكر، عدا طبعا عما يمكن أن يدمّره هذا الفيروس من الصلات البشرية الراحمة، حيث يتم تناقل أحاديث في العالم عن أن هناك خططا لجعل المرض يفتك بأكبر عدد ممكن من كبار السن المتقاعدين، الذين يتقاضون معاشاتٍ عالية معفاة من الضرائب، ويستفيدون من الضمان الصحي أكثر من غيرهم، وذلك قبل الإعلان عن اكتشاف اللقاح المنتظر له.
الكلام هنا عن دول العالم الأول، وهو ليس أكثر من كلام وشائعات تندرج في نظرية المؤامرة، لكنه النوع من الشائعات الذي يكسر القلب فعلا، لما فيه من قسوة، (المحزن أن المتقاعدين وكبار السن في بلادنا العربية هم أنفسهم يتمنّون الموت نتيجة الإهمال والعوز وانعدام الرعاية الطبية والتنمّر الذي يمارس عليهم من الحكومات ومن المجتمع!).
الطبيعة غاضبة، هذا هو التفسير الوحيد لما يحدث، غاضبة من ازدياد التنمّر والعنجهية والاستعراض للقوة عند البشر، والذي بلغ أشدّه في العقد الماضي، غاضبة إلى حد أنها تنتقم من كل شيء. يتساءل كثيرون اليوم عن هذا الهلع الكوروني الذي أصاب البشرية، مع أن عدد ضحاياها لا يتجاوز عدد ضحايا ثلاثة براميل متفجرة ألقاها نظام الأسد على معارضيه السوريين، أو لا يتجاوز واحداً بالعشرة من المعتقلين الذين يموتون تحت التعذيب في بلاد العالم الثالث. لم تتوقف الحياة لموت هؤلاء، ولا لموت مئات آلاف الأطفال بسبب المجاعة، لكن هؤلاء جميعا هم من الدول الفقيرة، من طبقات العالم الأسفل، لا أحد معني بهم، ولا أحد يكترث لموتهم أو لمكابداتهم أو لأمراضهم، كأن الطبيعة أرسلت كورونا، لتساوي فجأة بين الجميع، لتجعل اللامكترثين يعانون مما تعانيه شعوب العالم الأسفل وطبقاته. انتشر الهلع لأن العالم الأعلى كان يعتقد أنه محميٌّ من وباءات الحروب والجوع والفقر، يعيش مع هذا الاستعلاء المتفوق، والفوقية الوصائية التي ما زالت متأصلة من زمن المركزية الاستعمارية! كورونا استعلى على الجميع. سياسيون ووزراء ورجال دين ومشاهير وأغنياء تساووا في الخوف والهلع مع فقراء العالم ومهمشيه. هل يكون العقد الجديد بداية التغيير الفعلي في البشرية، أم بداية النهاية للوجود البشري على هذا الكوكب؟