حيّ البستان المقدسي تحت رحمة مخططات الاحتلال

القدس المحتلة

محمد محسن

محمد محسن
26 يونيو 2020
14F73B2F-0B04-4534-A06D-BA67E6B2EA3D
+ الخط -
أكثر من تسعين عائلة يتهدّد الهدم منازلها منذ سنوات في حيّ البستان، وهو أحد الأحياء الشهيرة في بلدة سلوان. فسلطات الاحتلال تعتزم إزالة عشرات المنازل هناك لتقيم بدلاً منها حديقة توراتية

كان المواطن المقدسي محمد فتحي الرجبي، في طريقه إلى عمله صباح يوم الثلاثاء الماضي، حين ورده اتصال من جيرانه يفيدونه فيه بأنّ طواقم من بلدية الاحتلال الإسرائيلي في القدس ترافقها قوات ضخمة تحاصر منزله الذي أُرغم على إخلائه قبل أسبوع، والكائن في حيّ البستان ببلدة سلوان جنوبي القدس، توطئة لهدمه، على الرغم من أنّه لم يمضِ سوى شهرَين على استقرار أفراد عائلته فيه. والمنزل، بحسب ما يروي صاحبه لـ"العربي الجديد"، "انتهينا من تشييده قبل ثلاثة أشهر فقط، علماً أنّ مساحته لا تتعدّى 60 متراً مربّعاً. وبعدما انتقلنا إليه، جاءنا إخطار الهدم ليطالبني بهدم منزلي بيدَيّ". لكنّه رفض تنفيذ عملية الهدم بنفسه، وترك الأمر لطواقم بلدية الاحتلال، على الرغم من إدراكه أنّه سيتكبد رسوم الهدم البالغة نحو مائة ألف شيقل (نحو 30 ألف دولار أميركي).

يقول الرجبي: "حضروا بطواقمهم عند الساعة السادسة من صباح ذلك اليوم، فعدت أدراجي لأجدهم وقد شرعوا بعمليّة الهدم مستخدمين شاكوشاً ضخماً ومعدّات يدوية أخرى لعدم تمكّنهم من جلب جرّافات إلى الموقع، إذ إنّ المنزل يقع وسط منازل كثيرة. وقد حاول جنود الاحتلال منعنا من الاقتراب من الموقع".

وعائلة الرجبي المقدسية انتقلت إلى منزل الجدّ حيث تقيم مؤقتاً، فيما أثاث منزلها نقلته إلى منزل أحد الجيران، إلى حين العثور على منزل تستأجره فيؤويها. وتُعَدّ العائلة واحدة من أكثر من تسعين عائلة يتهدّد الهدم منازلها منذ سنوات في حيّ البستان، وهو أحد الأحياء الشهيرة في بلدة سلوان. فسلطات الاحتلال تعتزم إزالة عشرات المنازل هناك لتقيم بدلاً منها حديقة توراتية. يُذكر أنّ حيّ البستان يقع في المنطقة المعروفة بوادي قدرون (وادي النار)، بين حيّ وادي حلوة والحديقة الوطنيّة غرباً وبين الجزء القديم من سلوان (سلوان الوسطى) شرقاً. وقد استخدم سكان سلوان الوادي حتى عام 1967 لزرع الأشجار المثمرة.



ويعرّف المخطَّط العمراني المخصّص لبلورة العلاقة بين الصيانة والتطوير في حوض البلدة القديمة، حيّ البستان كمنطقة مفتوحة يُمنع البناء فيها. ولم يجرِ في المخطط ضمّ أيّ منازل، باستثناء مبانٍ معدودة كانت قائمة فيه عند التصديق عليه في عام 1976. على مرّ السنوات، صُدّقت خرائط هيكليّة لبعض أجزاء سلوان، إلا أنّها لم توفّر منطقة لازمة لتوسّع الحيّ، ولم تزد من حقوق البناء فيه. ومع تزايد الاكتظاظ في سلوان، بدأ السكان البناء في الحيّ مُجبَرين.

وفي الحيّ اليوم أكثر من 90 منزلاً شُيّدت من دون ترخيص، بدأ تشييد معظمها في ثمانينيات القرن الماضي، علماً أنّ نحو ألف شخص يقطنون في هذا الحيّ ويعانون لأنّه غير معترف به رسمياً. ويواجه هؤلاء أوامر بهدم منازلهم، فيما لا يقوى أيّ منهم على توسيعها أو تشييد أخرى على أراضيهم أو إقامة بنى تحتيّة لائقة ومبانٍ عامة.

ويوضح كريم جبران من مركز بتسيلم لحقوق الإنسان أنّ لجنة التوجيه لتطوير السياحة في القدس التي أُنشئت عشيّة احتفالات مرور ثلاثة آلاف عام على المدينة، وضعت في عام 1995 مخططاً شاملاً لإقامة "متحف أثريّ مفتوح" في ما يُطلق عليه "وادي الملك". وفي نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 2004، أمر مهندس المدينة أوري شطريت بهدم البناء غير القانونيّ في "وادي الملك" من أجل الحفاظ على المنطقة "كمنطقة عامة مفتوحة"، مثلما جرى تعريفها في مخطّط عام 1976. وفي مطلع عام 2005 بدأت بلديّة الاحتلال في القدس بتوزيع أوامر هدم على سكان حيّ البستان، وعمدت في خلال العام نفسه إلى هدم منازل تابعة لعائلتَين في الحيّ. وفي أعقاب ضغط دوليّ مورس على البلدية، أجّل رئيسها في ذلك الحين أوري لوبليانسكي مخطّط الهدم، وأعلن أنّه سيسمح للسكان بتأهيل منازلهم قانونياً، فيما استعان السكان بخدمات مخططة إسرائيلية. وفي عام 2006 قدّموا اقتراحاً لخريطة هيكليّة لحيّهم.



وعلى الرغم من أنّ المخطط جُهّز بالتنسيق مع سلطات التخطيط الإسرائيلية، فإنّ لجنة التخطيط اللوائية رفضت المخطط في عام 2009، بادّعاء ضرورة الحفاظ على المنطقة مفتوحة. وأتى ذلك نظراً إلى موقع المنطقة المهمّ و"حساسيّتها المنظريّة" و"قيمها التاريخيّة والثقافيّة". يُذكر أنّ بلديّة الاحتلال في القدس اقترحت في عام 2009 على سكان حيّ البستان ترك منازلهم طواعيّة والانتقال إلى بلدة بيت حنينا الواقع في الجزء الشماليّ من القدس المحتلة، إلا أنّ السكان رفضوا هذا المقترح. وفي بداية عام 2010، قدّمت بلدية الاحتلال مخططاً جديداً يشمل إقامة متنزّه سياحيّ تحت اسم "حديقة الملك" في وادي البستان، ليكون استمراراً للحديقة الوطنيّة في محيط أسوار القدس، وما يشبه توسيعاً لها.

في السياق، يقول مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية زياد الحموري لـ"العربي الجديد"، إنّ "عملية الهدم في حيّ البستان المقدسي يوم الثلاثاء الماضي أتت لترفع عمليات الهدم في القدس المحتلة إلى أكثر من 100 منزل ومنشأة منذ بداية العام الجاري". ويشير الحموري إلى أنّ "30 منزلاً هُدمت ذاتياً من قبل أصحابها، وهو عدد كبير من عمليات الهدم التي تجري ذاتياً إذا ما قارنّاها بما كان يحدث في الأعوام الماضية، عندما لم يكن يتجاوز عدد المنازل المهدومة ذاتياً أربعة منازل أو خمسة". ومع استمرار عمليات الهدم، يتوقع الحموري أن "يزيد عدد المنازل التي تهدمها سلطات الاحتلال حتى نهاية العام الجاري إلى نحو 200 منزل، نظراً إلى النشاط المكثف لبلدية الاحتلال على هذا الصعيد".

ذات صلة

الصورة
مرفأ الإسكندرية، 31 أغسطس 2023 (Getty)

سياسة

قدمت السلطات المصرية روايات متضاربة حول السفينة كاثرين التي تحمل متفجرات لإسرائيل. فبعد نفي لمصدر مصري استقبال السفينة صدر بيان لوزارة النقل يثبت وجود السفينة.
الصورة
جنود الاحتلال قرب مقر أونروا في غزة بعد إخلائه، 8 فبراير 2024 (فرانس برس)

سياسة

أقر الكنيست الإسرائيلي، مساء اليوم الاثنين، تشريعاً يحظر عمر وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة (أونروا) داخل الأراضي المحتلة.
الصورة
الهجوم الإسرائيلي على إيران 26/10/2024 (صورة متداولة)

سياسة

أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي، فجر اليوم السبت، أنه شنّ ضربات دقيقة على أهداف عسكرية في إيران، لكن الأخيرة نفت نجاح إسرائيل في الهجوم.
الصورة
آلية عسكرية إسرائيلية قرب حدود قطاع غزة، 6 أكتوبر 2024 (ميناحيم كاهانا/فرانس برس)

سياسة

شهر أكتوبر الحالي هو الأصعب على إسرائيل منذ بداية العام 2024، إذ قُتل فيه 64 إسرائيلياً على الأقل، معظمهم جنود، خلال عمليات الاحتلال في غزة ولبنان والضفة.
المساهمون