مر مشروع التطبيع بين العرب وإسرائيل بمراحل عديدة، منها ما هو علني ومنها السري، منها ما قطع شوطاً كبيراً وبعضها ما زال قيد التشكل وما بين هذه وتلك جرت مياه كثيرة، وبالتالي لم يبدأ الأمر منذ لحظة الإعلان أو الاشتراك في ورشة المنامة، نستذكر هنا أنه قبل الإعلان عن الورشة، وعلى وقع نقل الرئيس الأميركي دونالد ترامب السفارة الأميركية للقدس، أعلنت القناة العبرية الثانية في ديسمبر/ كانون الأول 2017 بأن وفداً رسمياً من البحرين قام بزيارة إلى إسرائيل، الوفد مثل جمعية "هذه هي البحرين"، وقبلها بثلاثة أشهر كانت أوركسترا البحرين تعزف النشيد الإسرائيلي "هاتيكفاه" بحضور ولي عهد البحرين.
بدأت العلاقات التطبيعية بين البحرين وإسرائيل منذ ربع قرن، لكنها مؤخرا أخذت منحنيات أكثر علنية، بدأت في أيلول/ سبتمبر 2016، عندما أرسلت البحرين مندوباً لحضور جنازة الرئيس الإسرائيلي بيريز، ونعاه وزير الخارجية البحريني، قائلاً "ارقد بسلام الرئيس شمعون بيريز، رجل حرب ورجل سلام لا يزال صعب المنال في الشرق الأوسط". وفي أيلول/ سبتمبر 2017، أعلن ملك البحرين خلال لقاء مع منظمات يهودية في لوس أنجليس، أنه "يشجب مقاطعة الدول العربية لإسرائيل وأنه سيسمح لمواطني البحرين بزيارة إسرائيل قريبًا".
في شباط/ فبراير 2017، أرسلت البحرين رسالة إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، تسلمتها تسيبي ليفني، وزيرة الخارجية السابقة، من وزير الخارجية البحريني خالد بن أحمد آل خليفة، على هامش لقاء جمعهما في المؤتمر الأمني في ميونخ. كان ملخص الرسالة أن ملك البحرين، حمد بن عيسى آل خليفة، "بات معنيًا" بتقارب العلاقات مع تل أبيب، وأن البحرين تريد دفع علاقاتها مع إسرائيل.
شكل انعقاد ورشة المنامة علامة فارقة وغير مسبوقة في الذهاب بعيداً عربياً في التطبيع مع إسرائيل والمؤتمر في أحد توصيفاته مثل خطوة خليجية متقدمة جداً في مشروع التطبيع لمجموعة اعتبارات، أهمها أن المؤتمر هو اللقاء الأول المعلن والمدعوة إليه إسرائيل رسمياً ويجمع بين الدول العربية عموماً، ودول الخليج على وجه التحديد، ويعقد في عاصمة خليجية هي المنامة، ليكون جسراً وبوابة للتطبيع أولاً وتصفية للقضية الفلسطينية ثانياً وتحويلها من قضية سياسية إلى مجرد قضية اقتصادية تحت عنوان وهمي كبير "السلام من أجل الازدهار".
وتُركت الرواية لوسائل الإعلام الإسرائيلية لتمريرها عندما سمحت البحرين لـ6 وسائل إعلام إسرائيلية بنحو 25 صحافياً بتغطية المؤتمر، في سابقة يصفها الصحافي الإسرائيلي باراك رافيد بقوله: "هذه خطوة لم يسبق لها مثيل من قبل البحرين، والتي ستسمح لأول مرة للصحافيين الإسرائيليين بتقديم تقارير من المملكة التي ليس لها علاقات دبلوماسية مع إسرائيل".
يُعيد مؤتمر المنامة مسألة غاية في الأهمية تتعلق بالتطبيع بين دول الخليج وإسرائيل لا من خلال المصالح هذه المرة والروايات الذاهبة صوب الضرورات التي تبيح المحظورات لكنه تطبيع على وقع تصفية القضية الفلسطينية، فالورشة المشار إليها عملياً هي أول خطوة في تنفيذ ما يسمى بـ"صفقة القرن" الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية، لكن التبعات لا تتوقف عند هذا الحد، فالمؤتمر يحدث في بيئة عربية محكومة بحالة تجاذب وتوتر غير مسبوقة، والتطبيع يمر على وقع تآكل النظام الإقليمي العربي وعلى وقع خطوات أميركية غير مسبوقة تجاه القضية الفلسطينية وتجاه المنطقة.
هناك علاقة وثيقة ما بين ورشة المنامة والانسيابية الخليجية الذاهبة صوب التطبيع مع إسرائيل وبالتالي فالورشة هي نتيجة للتطبيع وليست مدخلاً له فقط، وقد تزامن الأمر مع مجموعة تصريحات إسرائيلية كبيرة وكثيرة تؤكد كلها العلاقات المتنامية بين إسرائيل وبعض الدول الخليجية، خصوصًا المملكة العربية السعودية، من دون أي تكذيب أو إنكار أو تعليق رسمي من قبل هذه الدول. مثال ما صرح به الناطق باسم جيش الاحتلال "أفيخاي أدرعي" في مقابلة مع تلفزيون روسيا اليوم في 26 يونيو/ حزيران الفائت حول وجود علاقات علنية وسرية مع بعض دول المنطقة (المعتدلة)، تبعه تصريح آخر لوزير الإعلام والاتصالات "أيوب قرا" لموقع "ميكور ريشون" عن مفاوضات غير مباشرة بين إسرائيل والسعودية لإقامة علاقات دبلوماسية. التوصيف الأهم جاء على لسان السفير الإسرائيلي الأسبق في مصر، "يتسحاق ليفانون"، الذي كتب يوم 18 يونيو الماضي مقالاً في صحيفة "إسرائيل اليوم"، قال فيه: "إن الدول العربية المشاركة معنية بأن تأخذ نصيبها من الكعكة التي سيتم توزيعها على الحضور". مضيفا أن مشاركة عدد من الدول العربية المركزية في "ورشة البحرين" تعد إنجازا سياسيا للولايات المتحدة الأميركية وفشلاً ذريعاً للسلطة الفلسطينية.
تقدم ورشة المنامة التطبيع والاقتراب من إسرائيل على أنه مصلحة للفلسطينيين، لكنه يعني في أحد معانيه حدوث عملية استبدال في المحددات الضابطة لمسارات التطبيع ويعني حدوث عملية قفز على متطلبات مبادرة السلام السعودية والتي بموجبها كان يفترض أن يبدأ الأمر بتسوية مع الفلسطينيين ثم العرب ليصبح الأمر تسوية مجانية مع العرب أولاً وعلى حساب القضية الفلسطينية ثانياً. وهو تطبيع يمر على وقع القبول بالحالة التي وصلت إليها القضية الفلسطينية وبالمعروض أميركياً، والقبول بما يريده نتنياهو؛ التطبيع من دون أن تدفع إسرائيل أي ثمن ومن دون تسوية - لم تعد الدول العربية معنية بعملية السلام - ومن دون أية حقوق فلسطينية.
تخلص ورشة المنامة إلى نتيجة حتمية واحدة أنه لم يعد هناك صراع عربي - إسرائيلي. ويعني ذلك أيضاً أن إسرائيل ستواصل بناء علاقاتها بالدول العربية والخليجية؛ ليتحول الأمر من مجرد تطبيع إلى مشروع حلف شرق أوسطي نواته ورأس الحربة فيه إسرائيل.