خلافات داخل البيت الكردي السوري: حملة لإقصاء قائد "قسد"

13 اغسطس 2020
يعد عبدي أبرز القيادات الكردية السورية اليوم (دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -

ظهرت أخيراً نذر خلافات جوهرية داخل حزب "العمال الكردستاني" الذي بات له يد طولى في الشمال الشرقي من سورية، أو ما بات يُعرف اصطلاحاً بمنطقة شرقي الفرات، التي باتت في قلب المشهد السوري المعقد، في ظل محاولات، تؤكد المعطيات أن النظام وبعض قيادات هذا الحزب تقف وراءها، لتأليب أبناء المنطقة العرب ضد "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، التي يتعرض قائدها مظلوم عبدي لـ"حملة تخوين" من أجل تحييده، عقب محاولاته كما يبدو تقليم أظافر "العمال الكردستاني" في سورية.
وأكد الكاتب السوري الكردي هوشنك أوسي، على صفحته على "فيسبوك"، أن حزب "العمال الكردستاني" يحاول تحييد القائد العام لـ"قسد" مظلوم عبدي، الذي يُنظر إليه على أنه الرجل القوي في الشمال الشرقي من سورية، ورجل أميركا في منطقة شرق نهر الفرات. ووفق هوشنك، فإن الرجل الثاني في هذا الحزب جميل بايق يقود حملة لإحراج عبدي أمام المجتمع الدولي، بالتعاون مع النظام السوري، "ما يعني أن الخلاف بين مظلوم عبدي ورفاقه وصل إلى مرحلة اللاعودة".

جميل بايق يحضر لانقلاب على عبدي، ربما بالتنسيق مع نظام الأسد
 

وأكد أوسي أن "عمليات الاغتيال التي تطاول رموزاً عشائريّة عربيّة في منطقة الجزيرة، يقف وراءها نظام بشار الأسد، بهدف تأليب العرب على مظلوم عبدي". وأعرب عن اعتقاده بأن المناطق الكردية في شمال شرقي سورية "مقدمة على مرحلة ساخنة وحاسمة"، مشيراً إلى أن الجهود التي بذلها سياسيون أكراد لـ"اقناع مظلوم عبدي بالعودة إلى الحزب والالتزام بقراراته وأجندته، باءت بالفشل". وأضاف "جميل بايق يحضر لانقلاب على مظلوم عبدي، وربما يكون هذا الانقلاب بالتنسيق مع نظام الأسد". وبيّن أن هناك "حملة تخوين ممنهجة ضد مظلوم عبدي ورفاقه"، موضحاً أن القيادي السوري الكردي آلدار خليل يقود هذه الحملة، ومشيراً إلى أن الأخير حسم خياره وبات رجل بايق في سورية. 

وكشف أن قائد حزب "العمال الكردستاني" عبد الله أوجلان، المسجون في تركيا منذ عشرين سنة، كان أكد أن جميل بايق "مجرم حرب" بسبب قتله "رفاقه الجرحى"، وجرحى أتراكاً في المعارك التي كان يخوضها الجيش التركي مع الحزب في جنوب شرقي تركيا في تسعينيات القرن الماضي. واعتبر أن القصف الجوي التركي الحالي على جبال قنديل، التي تعد معقل "العمال" على الحدود المشتركة ما بين تركيا والعراق وإيران، "عبثي"، مشيراً إلى أن هذا الحزب "لم يبق إلا على مجموعات صغيرة جداً من قواته في جبال قنديل، وأنه أدخل الجزء الأكبر من مجاميعه المسلحة إلى كردستان إيران، ومنطقة سنجار ومخيم مخمور، بالتعاون مع بغداد وطهران"، مؤكداً أن قيادات الحزب موجودة في منطقة نفوذ حزب "الاتحاد الوطني الكردستاني"، في منطقة السليمانية في شمال العراق، بالتنسيق مع النظام الايراني.

نسج عبدي خيوط علاقة متينة مع العرب من خلال استقباله شيوخ العشائر والوجهاء

ويعد مظلوم عبدي (53 سنة) أبرز القيادات الكردية السورية اليوم، حيث يقود "قوات سورية الديمقراطية"، المدعومة بشكل كبير من قبل التحالف الدولي بقيادة أميركا، منذ تأسيسها أواخر العام 2015 لمحاربة تنظيم "داعش" في شرق نهر الفرات. كما يُعد عبدي، واسمه الحقيقي فرهاد عبدي شاهين والمتحدر من إحدى قرى منطقة عين العرب (كوباني) في ريف حلب الشمالي الشرقي، المطلوب رقم واحد من الجانب التركي بسبب انتسابه إلى حزب "العمال الكردستاني" أواخر ثمانينيات القرن الماضي. وعلا نجم عبدي أثناء الحرب ضد تنظيم "داعش"، والتي انتهت بداية 2019 بالسيطرة على جيب الباغوز في ريف دير الزور الشرقي، حيث تلقى دعماً سياسياً من واشنطن، رغم مطالبة أنقرة بتسلّمه لمحاكمته بتهمة قتل جنود ومدنيين أتراك.
وذكرت مصادر كردية سورية مطلعة، لـ"العربي الجديد"، أن عبدي يحاول منذ عام الخروج من تحت عباءة حزب "العمال الكردستاني"، والسير في طريق سياسي مختلف، كي يكون جزءا من الحل في سورية، مشيرة إلى أن عبدي نسج خيوط علاقة متينة مع العرب، الذين يشكلون جل سكان منطقة شرقي نهر الفرات، من خلال استقباله شيوخ العشائر والوجهاء، لمعرفته أن المكون العربي وحده من يستطيع حسم مستقبل المنطقة وليس "العمال". وبيّنت المصادر أن عبدي يقود حملة بمساندة من واشنطن لفصل الملف الكردي السوري عن ملفات أخرى يوليها حزب "العمال الكردستاني" اهتمامه، منها الملف الكردي في تركيا. وقالت "هذا الأمر ربما يجلب عليه نقمة الحزب، الذي يحاول أن يكون فاعلاً في الملف السوري، للحصول على مكاسب سياسية في سورية وتركيا على حد سواء".
ومنذ تأسيسه في ثمانينيات القرن الماضي ارتبط حزب "العمال الكردستاني" بعلاقات وثيقة مع نظام حافظ الأسد، الذي سمح له بافتتاح معسكرات تدريب له في سورية لمناكفة الجانب التركي. كما أقام أوجلان في دمشق تحت رعاية النظام السوري، الذي وجد نفسه في العام 1998 في مواجهة "غضب الجيش التركي"، الذي كان على وشك اجتياح الشمال السوري لولا تدخل الرئيس المصري الراحل حسني مبارك. واضطر الأسد إلى توقيع اتفاق أضنة الذي تعهد به النظام السوري بقطع صلته بحزب "العمال الكردستاني" وطرد رئيسه من سورية. ومع بداية الثورة السورية في ربيع العام 2011 سمح النظام لحزب "العمال" بالعودة إلى سورية لمحاصرة الحراك الثوري في الشمال الشرقي من سورية، تحت عباءة حزب "الاتحاد الديمقراطي". وسرعان ما أسس هذا الحزب "وحدات حماية الشعب" الكردية بدعم من النظام السوري وقد سيطرت على كل المناطق ذات الغالبية الكردية في شمال وشمال شرقي سورية. وتشكل هذه الوحدات اليوم الثقل العسكري الرئيسي في المنطقة، خصوصاً لجهة القيادة والتوجيه في "قسد"، التي يحاول قائدها اليوم فصلها عن حزب "العمال الكردستاني" بدعم من أميركا، التي ترعى حواراً كردياً من أجل تشكيل مرجعية سياسية واحدة للأكراد السوريين.