27 سبتمبر 2018
خيبة اليسار الممانع
حين وصلنا إلى سورية، بعد امتداد الثورة من تونس، أصبح الموقف من النظام أساس تحديد المواقف، والماهيات من اليسار الممانع عربياً وعالمياً. بالتالي، أصبح تصنيف القوى والأشخاص انطلاقاً من موقفهم من هذا النظام: مع أو ضد. مع النظام أو ضده، بالتالي، مع أميركا والسعودية وقطر. حيث كان المنظور الذي يحكم هؤلاء يقسم العالم إلى "ديار إسلام أو ديار حرب"، أي مع النظام أو مع أميركا وأتباعها. وهو منظور لم يكن بحاجة إلى فهم الآخر، ومعرفة مجمل رؤيته، بل كان يضع "الأساس" الذي يقسم العالم إلى ديار خير وديار شر. بالضبط، لأن العالم هكذا وفق هؤلاء، فلا ثالث بينهما، فهو خير أو شر.
لهذا، يصنفني هذا اليسار بأنني مع أميركا والسعودية وقطر، وأيضاً مع "داعش" وجبهة النصرة. ومن الطبيعي أن أكون كذلك وفقهم، ما دمت ضد النظام السوري، بغض النظر عن كل ما كتبت وأكتب عن أميركا والسعودية وقطر، وعن "داعش" وجبهة النصرة والقاعدة والإسلام السياسي (كانوا حلفاء له عكس موقفي). ويبدو أنهم يغيّرون مواقفهم بسهولة شديدة، يعتقدون أن الآخرين مثلهم يفعلون كذلك، وأن عقل الآخرين هو نفسه الذي يحكمهم، والذي يتسم بالشكلية والسطحية (وبالمصطلح الفلسفي، بسيادة المنطق الصوري).
ما أنطلق منه، بعكس هؤلاء، هو التحليل الاقتصادي الطبقي الذي هو أسّ الماركسية التي أعتنقها. مقابل "التحليل" المنطلق من العلاقة، وليس من الوجود، ليكون "تحليلاً" سياسياً بالمعنى السطحي للسياسة. وأضع كلمة تحليل بين مزدوجين بالضبط، لأنه ليس لدى هؤلاء تحليل، بل "أحكام قيمة" (وبالأساس شتائم تشير إلى العجز عن التحليل والفهم، وتغني عن المعرفة). لهذا، أرى النظام السوري ممثلاً لفئة رأسمالية مافياوية هم رجال الأعمال الجدد والبورجوازية التجارية التقليدية متّحدين. وهو المنظور نفسه الذي أرى فيه كل النظم العربية، فالسعودية تمثل سلطة عائلية تنهب النفط، وكذا دول الخليج. وأيضاً مصر التي يهيمن فيها "رجال الأعمال" الذين نهبوا الاقتصاد عبر العلاقة مع السلطة. وأيضاً تونس والمغرب. وبالتالي، لا يختلف موقفي هنا عن هناك، ومن هذا التحليل، أحدّد أدوارها لا كما يشاع في الإعلام. وهذا ما جعلني أكتب مع بدء الثورات العربية: النظم العربية كلها يجب أن ترحل.
فليس الموقف المعلن من "الشعب السوري" (كما يحبّ "الأصدقاء" القول) هو ما يحدّد الموقف، ولا رفضي النظام السوري هو الذي يفرض "التحالف" مع خصومه، فهذه "نظريةٌ" سخيفة، لا تدخل في قناعاتي، حيث أنطلق من أن هناك صراعاً موضوعياً لستُ معنياً بالوقوف مع طرفٍ فيه ضد آخر. بالضبط، لأن تحليلي الطبقي للنظم هو ما يحدّد موقفي. هناك رأسماليات تتصارع من أجل الكسب والسيطرة، ليس من الممكن أن يكون الماركسي مع طرفٍ فيها ضد آخر، وإلا خرج من الماركسية وبات ملحقاً بهذا أو ذاك. النظم في البلدان العربية تمثّل سلطةً رأسمالية مافياوية، ومرتبطة بالرأسمال الإمبريالي، وتعمل في المجالات التي يسمح بها، والتي تدرّ الربح من دون مغامرة.
ومن منطلق التحليل الطبقي نفسه، أطرح تجاوز الرأسمالية، وهذا يعني أنني في صراعٍ معها، ومعنيّ بتطوير القوى التي تفرض تجاوزها. ولا شك في أن ارتباط الرأسماليات المحلية بالطغم الإمبريالية يفرض الصدام مع تلك الإمبريالية. الإمبريالية الأميركية التي أرادت "حكم العالم"، وفرضت الأزمة المالية عليها التراجع، والإمبرياليات الأخرى، بما في ذلك الجديدة: روسيا والصين. حيث إن التنافس بينها هو على السيطرة والاستحواذ على الأسواق، وليس على "دعم قضايا الشعوب"، كما كانت تفعل البلدان الاشتراكية، فقد فتح "ضعف أميركا" على ميلٍ إلى نشوء عالم متعدّد الأقطاب، وعلى دخول إمبريالياتٍ منافسة، وبالتالي، فهي تتصارع من أجل السيطرة والنهب. ولا يوصل التنافس، هنا، إلى حدّ الصراع، بل يفرض تحسين شروط التسويات.
بمعنى أنني ضد كل النظم، وكل الإمبرياليات، واليسار الممانع يقف مع طرفٍ ضد آخر، وسيكتشف أنه مع إمبريالياتٍ تتنافس، ولا تتصارع.
لهذا، يصنفني هذا اليسار بأنني مع أميركا والسعودية وقطر، وأيضاً مع "داعش" وجبهة النصرة. ومن الطبيعي أن أكون كذلك وفقهم، ما دمت ضد النظام السوري، بغض النظر عن كل ما كتبت وأكتب عن أميركا والسعودية وقطر، وعن "داعش" وجبهة النصرة والقاعدة والإسلام السياسي (كانوا حلفاء له عكس موقفي). ويبدو أنهم يغيّرون مواقفهم بسهولة شديدة، يعتقدون أن الآخرين مثلهم يفعلون كذلك، وأن عقل الآخرين هو نفسه الذي يحكمهم، والذي يتسم بالشكلية والسطحية (وبالمصطلح الفلسفي، بسيادة المنطق الصوري).
ما أنطلق منه، بعكس هؤلاء، هو التحليل الاقتصادي الطبقي الذي هو أسّ الماركسية التي أعتنقها. مقابل "التحليل" المنطلق من العلاقة، وليس من الوجود، ليكون "تحليلاً" سياسياً بالمعنى السطحي للسياسة. وأضع كلمة تحليل بين مزدوجين بالضبط، لأنه ليس لدى هؤلاء تحليل، بل "أحكام قيمة" (وبالأساس شتائم تشير إلى العجز عن التحليل والفهم، وتغني عن المعرفة). لهذا، أرى النظام السوري ممثلاً لفئة رأسمالية مافياوية هم رجال الأعمال الجدد والبورجوازية التجارية التقليدية متّحدين. وهو المنظور نفسه الذي أرى فيه كل النظم العربية، فالسعودية تمثل سلطة عائلية تنهب النفط، وكذا دول الخليج. وأيضاً مصر التي يهيمن فيها "رجال الأعمال" الذين نهبوا الاقتصاد عبر العلاقة مع السلطة. وأيضاً تونس والمغرب. وبالتالي، لا يختلف موقفي هنا عن هناك، ومن هذا التحليل، أحدّد أدوارها لا كما يشاع في الإعلام. وهذا ما جعلني أكتب مع بدء الثورات العربية: النظم العربية كلها يجب أن ترحل.
فليس الموقف المعلن من "الشعب السوري" (كما يحبّ "الأصدقاء" القول) هو ما يحدّد الموقف، ولا رفضي النظام السوري هو الذي يفرض "التحالف" مع خصومه، فهذه "نظريةٌ" سخيفة، لا تدخل في قناعاتي، حيث أنطلق من أن هناك صراعاً موضوعياً لستُ معنياً بالوقوف مع طرفٍ فيه ضد آخر. بالضبط، لأن تحليلي الطبقي للنظم هو ما يحدّد موقفي. هناك رأسماليات تتصارع من أجل الكسب والسيطرة، ليس من الممكن أن يكون الماركسي مع طرفٍ فيها ضد آخر، وإلا خرج من الماركسية وبات ملحقاً بهذا أو ذاك. النظم في البلدان العربية تمثّل سلطةً رأسمالية مافياوية، ومرتبطة بالرأسمال الإمبريالي، وتعمل في المجالات التي يسمح بها، والتي تدرّ الربح من دون مغامرة.
ومن منطلق التحليل الطبقي نفسه، أطرح تجاوز الرأسمالية، وهذا يعني أنني في صراعٍ معها، ومعنيّ بتطوير القوى التي تفرض تجاوزها. ولا شك في أن ارتباط الرأسماليات المحلية بالطغم الإمبريالية يفرض الصدام مع تلك الإمبريالية. الإمبريالية الأميركية التي أرادت "حكم العالم"، وفرضت الأزمة المالية عليها التراجع، والإمبرياليات الأخرى، بما في ذلك الجديدة: روسيا والصين. حيث إن التنافس بينها هو على السيطرة والاستحواذ على الأسواق، وليس على "دعم قضايا الشعوب"، كما كانت تفعل البلدان الاشتراكية، فقد فتح "ضعف أميركا" على ميلٍ إلى نشوء عالم متعدّد الأقطاب، وعلى دخول إمبريالياتٍ منافسة، وبالتالي، فهي تتصارع من أجل السيطرة والنهب. ولا يوصل التنافس، هنا، إلى حدّ الصراع، بل يفرض تحسين شروط التسويات.
بمعنى أنني ضد كل النظم، وكل الإمبرياليات، واليسار الممانع يقف مع طرفٍ ضد آخر، وسيكتشف أنه مع إمبريالياتٍ تتنافس، ولا تتصارع.