25 ديسمبر 2015
داء الإبل
محمد الطريمات (الأردن)
يود كثيرون، اليوم، أن تنتهي أزمة كورونا، وتنتهي معها معاناة العرب المساكين سيئي الحظ إلى الأبد؛ فهذه الأمراض العديدة غريبة الأسماء التي اكتسحت المنطقة، أخيراً، لم تصادِف أرضاً خصبة ً كأرضِ العرب، والعرب لديهم ما لديهم أصلاً! فبراميلُ بشار الأسد تتساقطُ شمالاً، وسكاكين الدَّواعش تهبِطُ شرقاً، والآر بي جي الحوثي يهوي جنوباً، حيثُ لم تجدِ الأمراضُ سبيلاً لها إلى بلاد العرب، أخيراً، إلا من السَّماء! من الخفافيش على وجه الدِّقة، وعلى رأي المتنبي: "أبنتَ الدَّهرِ عِندي كُلُّ بنتٍ/ فكيفَ وَصَلتِ أنتِ مِنَ الزِّحامِ؟". ولأن الجملَ هو الحاضنة هذه المرة، فالحكومة السَّعودية لم تألُ جهداً في تنبيه المواطنين إلى ضرورة اتخاذ التدابير اللازمة، وإخضاع الجمال للفحص، وتجنب الاحتكاك المباشر، خصوصاً في مناطق الفم والأنف، أمَّا المواطنون فقد جعلوا من هذه الرسائل مادَّةً للتفكه والضَّحك، حيثُ نستطيعُ أنَّ نرى فيديو مصوَّراً لأحدَ مربي الإبل يَضمُّ إليه جمالهُ، ويباشرُها بالتقبيل، مُشَكِّكاً في مصداقيةِ كلام وزارة الصِّحة، ونرى شابَّاً، في فيديو آخر، وهو يتشاطر التفاحة مع جماله، فيقضمها مرة، وتقضمها الجمال مرةً أخرى، وتتردد في الخلف أغنية شعبية على صورة حِداء بطيء الوتيرة، وهكذا يحاول العرب رفعَ معنوياِتهم بالضَّحك والتناسي. يقول الرَّاوي إنَّ المرض المُعدي كورونا يَحتَمِلُ الانتقال بالنَّفس بينَ المُصاب به والسليم، وآثارَهُ تبدو في الجهاز التنفسي، وقد تنتهي بموت المُصاب به. عرفَ العربُ ثقافة العزل الطِّبي والتعاملُ مع الأوبئة منذ زمن قديم، وقد كانوا يطبقون ذلك على جِمالهم أيضاً، فالجملُ الأجرب يُطلى بالقطران، ويُفردُ وحدَه بمعزِلٍ عن الجمال الأخرى، لكنَّ أبناءَهم اليوم يُعلِنونَ سأمَهُم مِن كُلَّ هذه التشديدات، وَرغبَتهم بالتخفف مِن هذا الإرث، خصوصاً بعد التحولات الاجتماعية والديموغرافية التي جعَلَت بَلـَدَهُم اليوم باباً لملايين الحُجَّاج كلَّ عام، وما يترتب على ذلك من احتكاك مؤكد، سيجعلُ مِن فكرة العزل الطبي نكتة ً كبيرة، وهكذا يُسلـِّمُ النَّاسُ أمورهم للقدير على مذهب الجبريين، ويحاولون نسيان كلَّ ما له صلة بواقعهم البائس على جميع الأصعدة. ليس هذا التَّصرُّفُ الأغرب، فكثيرٌ مِن متداولي وسائل التَّواصل الاجتماعي يُنكرون الأمرَ بِرُمَّته، حيثُ يُرجِعونَه إلى نظرية مؤامرة كبيرة، تدور في مختبرات شركات الأدوية العالمية الكبرى، حيثُ يَتم اختلاق هذه الأمراض أو الأكاذيب! بدليل أنَّها تظهرُ فجأة، وتختفي فجأة ً أيضاً، كما حصل في مرض حمَّى الوادي المتصدع والجمرة الخبيثة وإنفلونزا الطيور أو الخنازير. المشكلة ليست في الجمال، بل في سوء حظِّ العرب، فالمكوِّنات الثقافية والاقتصادية للبلاد لا تزال مَطمَعاً للغزاة البشريين، أو الميكروبيين على اختلاف مقَاصِدِهم؛ فنَفطُ البلاد تحتَ الأرض جعل مِن فوق الأرض مطمَعاً للآخر المُستعمر، وغِنى تاريخِها جَعله عُرضة ً للمُنقِّبين الانتقائيين، كَما أنَّ صبرَ جِمالِها الكبيرة أطمَعَ فيها حتَّى الفيروسات الدَّقيقة، وجعَلـَها نهْباً لَها، والموتُ الجَسَدي الذي يقابلهُ العربي، اليوم، يسبقه زمنياَ موتٌ روحي ونفسي، مَهَّدَ للأول في سنوات طويلات، حتَّى إذا جاءت كورونا وأخواتُها لم تَدع لمقاومة العربي ومناعته مجالاً لتقول رأيها فيها.