موضوع القضاء على تدول النقود والتحول إلى التداول الرقمي، آخر صيحات الأفكار التي تم تعويمها في المنتدى العالمي بدافوس هذا العام. وفي حلقة نقاش حول محاربة الفساد في منتدى دافوس العالمي الذي سينهي أعماله اليوم، طرح الاقتصادي العالمي الحائز على جائزة نوبل جوزيف ستيغلتز، موضوع إنهاء تداول أوراق النقد وتحول الاقتصادات العالمية إلى "العملة الرقمية" كحل للعديد من الجرائم الاقتصادية التي يعاني منها العالم حالياً.
واشترك في حلقة النقاش بالمنتدى كل من الاقتصادي مارك بييث المسؤول بمعهد بازل السويسري للحوكمة، والاقتصادي ورجل الأعمال مارغري كراوس. ودارت النقاشات التي اطلعت "العربي الجديد" على جزء منها حول الفوائد الجمة التي ستجنيها الاقتصادات العالمية من إلغاء العملات الورقية.
ولكن ماهي الأهداف الكامنة وراء الغاء العملات الورقية في العالم، هل هي محاربة الفساد والتهرب من الضرائب ومحاصرة تمويل الإرهاب وعصابات المافيا والجريمة المنظمة فقط أم هنالك مرامي أخرى وراءها؟
وعادة ما تستخدم العصابات والساسة المرتشون أوراق النقد من الفئات الكبيرة، لإخفاء الجرائم، كما تستخدم عصابات المخدرات العملات من الفئات الورقية الكبيرة كذلك في غسل الأموال. تبدو الأهداف المعلنة وراء إلغاء تداول الفئات الورقية، أهدافاً شريفة لتحقيق السلام والأمن، والقضاء على الجرائم المالية في العالم. ولكن هل هذه كل الأهداف، أم أن هنالك أهدافا أخرى وراء هذا الطرح، هناك شكوك حول المرامي الحقيقة وراء الطرح.
على الصعيد الإيجابي لفكرة إلغاء النقود، يرى الاقتصادي العالمي جوزيف ستيغلتز، الذي يعمل حالياً أستاذاً بجامعة كولومبيا في نيويورك، في طرحه بدافوس، أن فوائد إلغاء النقد والتحول نحو "العملة الرقمية" واعتماد "الاقتصاد الرقمي" ستفوق كلفة تنفيذ مثل هذا النظام. وأضاف ستيغلتز القول "إن لديه قناعة أن دولة مثل الولايات المتحدة يجب أن تتحرك لتبنّي العملة الرقمية".
ويذكر أن هذه الدعوة ليست جديدة تماماً ولكنها، كانت تطرح في إطار إلغاء الفئات الورقية الكبيرة، مثل ورقة الـ500 يورو التي سحبها المركزي الأوروبي من التداول خلال العام الماضي، كما تتواصل الدعوات المتكررة لسحب ورقة المائة دولار من التداول في أميركا.
وكان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، قد قرر قبل أشهر سحب 66% من أوراق النقود المتداولة في الهند ضمن خطة وضعها لمحاربة التهرب من دفع الضرائب والفساد ووضع حد لـ "الاقتصاد الأسود" المتفشي في الهند. وتعطي خطوة الحكومة الهندية الضوء الأخضر للحكومات لتنفيذ خطة إلغاء تداول الأوراق النقدية، دون أن تترتب على ذلك عواقب تهدد مراكز الساسة.
ويعد البروفسور كينيث روغوف الاستاذ بجامعة هارفارد من أكبر المنظّرين لإنهاء التداول النقدي.
وقال في دراسة حول موضوع إلغاء الفئات الورقية من التداول في أميركا، اطلعت عليها "العربي الجديد"، أن إنهاء إصدار الأوراق النقدية ذات القيم الكبيرة، سيساهم تلقائياً في بناء مجتمعات نظيفة من الغش والجريمة والاحتيال.
من جانبه يقدر البروفسور بيتر ساندز الذي نشر دراسة حول نفس الموضوع في موقع "كلية كيندي سكول"، حجم أموال الجريمة في أنحاء العالم بنحو ترليوني دولار، فيما قدر حجم أموال الفساد، المحصلة من الرشاوى وعمولات الساسة في دول العالم النامي بنحو ترليون دولار سنوياً.
واقترح ساندز في الدراسة إلغاء تداول مجموعة من الأوراق النقدية في أنحاء العالم من الفئات الكبرى، على رأسها ورقة"100 دولار" وورقة الـ"500 يورو" و"200 يورو" والـ"100 يورو" التي يصدرها المصرف المركزي الأوروبي، وورقة الـ"1000 فرنك سويسري"، وورقة الـ"50 جنيه إسترليني" التي يصدرها بنك إنكلترا "البنك المركزي البريطاني".
ويرى البروفسور ساندز، أن هذه الأوراق هي الفئات المفضلة لدى العصابات وإلغاء إصدارها سيمنح العالم فرصاً أفضل لمحاصرة الجريمة والإرهاب.
وفي ذات الصدد، دعا وزير الخزانة الأميركي الأسبق الذي يعمل حالياً في جامعة هارفارد، لاري سمرز، إلى إنهاء إصدار الورقة النقدية الأميركية من فئة "100 دولار"، والتي تشكل الكم الأكبر من الأوراق الدولارية المتداولة في أميركا ودول العالم.
وقال سمرز في تعليقات نشرتها" العربي الجديد"، إن سحب الأوراق النقدية من الفئات الكبيرة سيجعل العالم أكثر أماناً.
ولكن بعض المتشككين هذه الأيام في المواضيع التي تطرحها النخب أو الأفكار التي تعوم بحجج اقتصادية وأخلاقية ولاحقاً تتحول إلى سياسات، يرون أن الهدف من وراء مثل هذا الطرح، هو لتحقيق هدفين، الأول: المزيد من سيطرة الدولة في العالم الغربي على المواطن، حيث إن أجهزة الحكم ستتمكن من خلال "التداول الرقمي" من تتبع تحركات أي مواطن والتعرف على كيفية أسلوب حياته وتنقلاته والعديد من شؤونه الخاصة.
أما العامل الثاني: فهو السماح للمصارف المركزية في الاقتصادات الغربية بخفض معدلات الفائدة تحت الصفر وإجبار المواطن على عدم سحب أمواله من المصارف. وذلك ببساطة لأن الفائدة تحت الصفر تعني أن المواطن سيدفع أمولاً للمصارف في شكل فوائد بدلاً من أخذ فوائد على إيداعاته.
وكان المصرف المركزي الأوروبي قد نفذ قبل عامين فكرة خفض الفائدة تحت الصفر لأول مرة في التاريخ الحديث، ثم تلاه في نفس منحى الفائدة الصفرية البنك المركزي الياباني.