خلصت دراسة إسرائيلية نشرت حديثاً الى أنّ أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية فشلت في التصدّي لبيئة المقاومة الفلسطينية خلال العقد الأخير، مشيرةً الى أن أكبر التهديدات على "الأمن القومي الإسرائيلي" يتمثل في حملات المقاطعة.
وقد دأبت دولة الاحتلال على مواءمة نظريتها الأمنية وعقيدتها القتالية دوماً كي يحقق جهده الحربي والأمني أكبر قدر من الإنجاز في مواجهة مقاومة الشعب الفلسطيني ضدّ الاحتلال، والتي مضى عليها أكثر من 66 عاماً.
ومن هذا المنطلق، جرت صياغة التركيبة التنظيمية لكل من الجيش والمؤسسات الاستخبارية الإسرائيلية وبلورة تكتيكاتها العملياتية؛ فعندما كان الفلسطينيون يعتمدون فقط على المقاومة المسلّحة، توسع جيش الاحتلال في توظيف "ألوية الصفوة"، والوحدات المختارة، ليس فقط من أجل وقف عمليات المقاومة، بل لردع الشباب الفلسطيني عن الانضمام لصفوف تنظيماتها.
وفي الوقت نفسه، توسعت أجهزة الاستخبارات في توظيف طرق وأساليب شتى، لكي تحصل على المعلومات الاستخبارية، التي تمكن الجيش من تحقيق أكبر قدر من النتائج في حربه هذه. وعندما شرع الفلسطينيون لأول مرة في المزاوجة بين العمل المسلح والمقاومة الشعبية مع اندلاع الانتفاضة الأولى أواخر عام 1987، تمت مواءمة عمل الجيش والاستخبارات الإسرائيلية لكي يتعاملا مع التهديد الجديد. ونظراً لأن جهاز المخابرات الداخلية "الشاباك"، بحكم القانون، هو الجهة المكلفة بمواجهة المقاومة الفلسطينية والحد من تأثيراتها، فقد أصبح أكثر الأجهزة الأمنية تأثيراً على دوائر صنع القرار، في كل ما يتعلق بالشأن الفلسطيني، رغم أنه أصغر الأجهزة الاستخبارية.
وبصفتها الجهاز الذي يحتكر مهمة إعداد التقديرات الاستراتيجية لدوائر صنع القرار في تل أبيب، لعبت شعبة الاستخبارات العسكرية "أمان"، أكبر الأجهزة الاستخبارية، بدورها، دوراً مهماً في الحرب ضد المقاومة الفلسطينية، في حين أدى جهاز المخابرات للمهام الخارجية "الموساد"، دوراً محدوداً في مواجهة المقاومة الفلسطينية.
غير أن نتائج دراسة إسرائيلية حديثة تدل بوضوح على فشل الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية في مواءمة بناها التنظيمية وتكتيكاتها لمواجهة التحولات التي طرأت على بيئة المقاومة الفلسطينية في نصف العقد الأخير، خصوصاً مع تعاظم الدور الذي تؤدّيه حملات المقاطعة الدولية، التي تعتبرها الدراسة "تهديداً استراتيجياً من الطراز الأول للأمن القومي الإسرائيلي".
وخلصت الدراسة، التي أعدتها البرفسورة أوفيرا سيلكتور، والتي جاءت بعنوان: "صراع غير متناسب وناعم ضد إسرائيل ــ نظرة استخبارية"، إلى أن خطورة حملات المقاطعة الدولية، وتحديداً "BDS" تكمن في أنّها تهدّد "شرعية إسرائيل الدولية"، إضافة إلى أنها تسهم في تكبيد الاقتصاد الإسرائيلي خسائر هائلة، في حال لم يتم صدّها والقضاء عليها.
وتحدثت سيلكتور عن نتائج دراستها، التي صدرت عن "جمعية دراسات الشرق الأوسط وأفريقيا" أمام مؤتمر نظم في جامعة تل أبيب الخميس الماضي تحت عنوان: "المقاطعة ضدّ إسرائيل في الحرم الجامعي وخارجه". وأشارت إلى أن دخول سلاح المقاطعة الدولية أداةً قوية مسانداً للنضال الفلسطيني يحتّم إحداث تغيير ليس فقط على طابع عمل الأجهزة الاستخبارية، بل على تقديرات كل أجهزة الاستخبارات الاسرائيلية في مواجهة المقاومة، بحيث يزيد الدور الذي تلعبه "أمان" و"الموساد" على حساب "الشاباك".
ورأت سيلكتور أن الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية مطالبة بتدشين وحدات متخصصة داخلها تعنى بمواجهة المقاطعة الدولية، على أن تعمل هذه الوحدات على ابتكار طرق شتى لمواجهة هذا الخطر. وأضافت: "نشهد بشكل واضح تحول الفلسطينيين من وسائل القتال التقليدية، مثل حرب العصابات والإرهاب إلى أنماط مقاومة وقتال جديدة تتناسب مع متطلبات القرن الحادي والعشرين. مقاومة تعتمد بشكل أساسي على جمعيات مدنية عالمية، وهي تمثل بيئة حاضنة للمقاومة الفلسطينية".
ورأت الأستاذة الإسرائيلية أن تعاظم أنشطة حملة المقاطعة الدولية واتساع تأثيرها يدلّان على الفشل الذريع للأجهزة الاستخبارية في مواءمة بناها التنظيمية وتكتيكاتها العملياتية لتكون قادرة على التصدي لهذا الخطر. ونظراً لأن الخارج هو مصدر هذا "الخطر"، رأت سيلكتور أنه يجب تقوية الدور الذي يضطلع به كل من "الموساد" و"أمان" في التصدّي لحملات المقاطعة. وجزمت بأن جذور الفشل الاستخباري الإسرائيلي في مواجهة المقاطعة الدولية تكمن في النتائج "الكارثية" لحملة "أسطول الحرية".
ونظم حملة "أسطول الحرية" نشطاء سلام أجانب وعرب في أواخر مايو/أيار 2010 لكسر حصار قطاع غزة. وتدخّل جيش الاحتلال الإسرائيلي في حينه لوقف تقدم "الأسطول" نحو شاطئ غزة، واعتدى على سفينة "مرمرة" التركية ضمن الأسطول، وقتل تسعة نشطاء سلام أتراك، ما أدى الى توتر العلاقات التركية الإسرائيلية.
وقالت سيلكتور إن "الموساد" و"أمان" لم يتمكنا من التعرف إلى الجمعيات المسؤولة عن تنظيم "أسطول الحرية"، ولم يحرصا على إفشال رحلته قبل أن يصل إلى سواحل فلسطين. وأشارت إلى أن الأجهزة الاستخبارية فشلت في رصد مخططات حملة المقاطعة الدولية لمنع إسرائيل من المشاركة في مشروع البحث الأوروبي "هوريزون 2012"، على الرغم من أن القائمين على الحملة أجروا اتصالات على مدى أشهر مع نواب في الاتحاد الأوروبي بشأنه. وبالإضافة إلى دعوتها لإعادة بناء الأجهزة الاستخبارية لكي تواجه "الخطر الجديد"، دعت سيلكتور رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى تدشين "هيئة قومية" مهمتها التصدي لحملات المقاطعة الدولية.
تجدر الإشارة الى أنه سبق لوزير المال الإسرائيلي يئير لبيد أن حذر من أن أنشطة حملة المقاطعة الدولية تؤثر على الأوضاع الاقتصادية للإسرائيليين، في حين وصف وزير الاقتصاد نفتالي بنات أنشطة الجمعيات التي تشرف على تنظيم أنشطة المقاطعة بأنها "إرهاب اقتصادي".