يجبر أولياء أمور كثيرون في تونس أبناءهم على تلقي دروس خصوصية، رغم عطلتهم الصيفية، وقد ازداد ذلك بسبب كورونا
لا مهرب للتلاميذ الحاصلين على معدلات مدرسية ضعيفة في نهاية العام الدراسي، من الدروس الخصوصية التي تسرق عطلتهم الصيفية عادة. هو أمر اعتيادي يجري سنوياً، لكنّه هذا العام بالذات ازداد بسبب كورونا، وآثاره التربوية التي أدت إلى اختصار العام الدراسي، مع ما فيه من حاجة عدد أكبر من التلاميذ إلى تلك الدروس لتقويتهم. كانت وزارة التربية والتكوين المهني قد قررت إنهاء السنة الدراسية منذ شهر مارس/ آذار الماضي على أن يبدأ العام الدراسي الجديد في الأول من سبتمبر/ أيلول المقبل بدلاً من منتصف سبتمبر كما المعتاد. واتخذت الوزارة قرار وقف الدروس حفاظاً على صحة التلاميذ، على أن يُحتسب معدلا الفصل الأول والثاني، مع بعض المراعاة.
وبعد الإعلان عن النتائج النهائية، تذمر عدد كبير من الأهالي من عدم نجاح أبنائهم، على الرغم من أنّ معدلاتهم قريبة من أدنى معدل للنجاح وهو عشرة من عشرين. لكنّ أغلب الراسبين كانت معدّلاتهم ضعيفة في المواد الأساسية. وربّما كان ذلك من بين الأسباب التي دفعت بالعديد من الأهالي إلى تسجيل أبنائهم في الدروس الخصوصية لتعويض النقص المعرفي الحاصل نتيجة توقف السنة الدراسية باكراً، على الرغم من أنّ وزارة التربية قرّرت تشكيل لجنة في كلّ إدارة جهوية للتربية لتحديد المواد الأساسية التي يحتاج إليها التلاميذ، وذلك لتعويضهم عن النقص، على أن تُدرّس تلك المواد في بداية شهر سبتمبر/أيلول المقبل.
اختارت رفيقة ضيف الله، تسجيل ابنها الذي أنهى الصف الخامس الأساسي، في دروس خصوصية طوال العطلة الصيفية لتعويض ما فاته من دروس، ولتدارك ضعفه في بعض المواد. تشير بحديثها لـ"العربي الجديد" إلى أنّ السنة الدراسية السابقة شهدت اضطرابات لا سيما خلال فترة انتشار كورونا. كذلك، فإنّ ابنها سجل معدلات ضعيفة في مواد عدة، ما اضطرها للبحث عن معلمين يقدمون دروساً خصوصية خلال الصيف "وهي عملية صعبة نوعاً ما، فأغلب المعلمين يفضلون قضاء العطلة من دون عمل" كما تقول. تضيف: "لا رغبة لديّ في تدريس ابني لدى بعض المعلمين العاطلين من العمل، ممن يقدمون دروساً خصوصية، فغالباً هم ليسوا على دراية بمنهج وبرنامج المدارس، ويفتقرون إلى الخبرة".
انطلق بعض أولياء الأمور في البحث عن معلمين لأبنائهم، منذ مايو/أيار الماضي سواء عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو في الأحياء التي يقطنون فيها. ويشير عبد الكريم نصر، إلى أنّ ابنه رسب في الأول الأساسي بسبب إجرائه في بداية السنة الدراسية عملية جراحية نتيجة تعرّضه إلى كسر في الساق، ثم توقفت الدروس في ما بعد بسبب كورونا، وهو ما دفعه إلى تدريس ابنه منذ مايو جميع المواد. يعلق: "كلفة الدروس كبيرة، لكن لا غنى عنها، ليتمكن ابني من إدراك ما فاته، وإن كان سيعيد الصف نفسه في العام الدراسي المقبل".
وعلى الرغم من صدور أمر حكومي في 30 أكتوبر/ تشرين الأول 2015 يتعلق بضبط شروط تنظيم دروس الدعم والدروس الخصوصية داخل المؤسسات التربوية العمومية، مانعاً كلّ المعلمين من تقديم الدروس الخصوصية خارج المؤسسات التعليمية، فإنّ كثيراً من المعلمين لم يمتثلوا لهذا الأمر، بل واصل كثيرون تقديم الدروس الخصوصية سواء علناً أو سراً خارج المؤسسات التربوية. ويعمل عدد منهم خلال فصل الصيف في تقديم دروس خصوصية لعدد كبير من التلاميذ، حتى أنّ بعضهم يحولّ بعض أقسام منزله إلى ما يشبه القاعات المدرسية، إذ يجهزها بطاولات وكراس تستوعب نحو عشرين تلميذاً في الحصة الواحدة، بالإضافة إلى لوح (سبورة) وبعض كتب التمارين في مختلف المناهج والمواد. ويستقبل هؤلاء مختلف المراحل الدراسية، بواقع ساعتين يومياً لكلّ مرحلة.
يقول نور الدين، وهو معلم ابتدائي إنّه يقدّم الدروس الخصوصية طوال العام بما فيه العطلة الصيفية، لكنّه استقبل هذا الصيف عدداً كبيراً من الطلبات في جميع سنوات التعليم الابتدائي. يفسّر ذلك بـ"رغبة أولياء الأمور في أن يعوض أبناؤهم النقص المعرفي الذي تسبب فيه انقطاع الدراسة بسبب كورونا". يضيف أنّ "الاقتصار على معدل الثلاثي الأول والثلاثي الثاني، لتقييم التلاميذ ظلم بعضهم وتسبب في رسوبهم. فالثلاثي الثالث من السنة الدراسية قد يكون فرصة لدى العديد منهم للتعويض والنجاح حتى بمعدلات متوسطة".
بدورهم، فإنّ تلاميذ ثانوية عامة كثراً اضطروا إلى تلقي حصص إضافية ودروس خصوصية قبل الامتحانات. يشير المدير العام للمرحلة الإعدادية والتعليم الثانوي، حاتم عمارة بحديثه لـ"العربي الجديد" إلى أنّ وزارة التربية سمحت بتقديم دروس خصوصية لتلاميذ البكالوريا لكن داخل المؤسسات التربوية. وقد اتخذت عدّة اجراءات وقائية لحمايتهم من كورونا، عبر تعقيم القاعات وتحديد ساعات الدروس وعدد التلاميذ في القسم الواحد، على ألا يزيد على 12 تلميذاً.