يجدّ رئيس الحكومة الجزائرية، عبد المجيد تبون، في البحث عن تأمين طريق لحكومته عبر إصراره على إجراء حوار سياسي مع الأحزاب والتنظيمات المدنية الفاعلة في البلاد، للتوصل إلى مخرجات ما وصفه بـ"وفاق وطني" حول الخيارات الممكنة لتلافي الأزمة الاقتصادية والمالية الخانقة والتوترات الاجتماعية المتصاعدة في الجزائر. لكن مقترحه بالحوار السياسي معلّق على موافقة الرئيس، عبد العزيز بوتفليقة، ناهيك عن حالة صد جدية من قوى المعارضة التي لا تبدو مقتنعة بجدوى الحوار مع الحكومة.
وقال تبون إنه رفع إلى الرئيس الجزائري مقترحاً لإجراء حوار سياسي في البلاد، تشارك فيه كل القوى السياسية والمدنية، لكنه أفاد بأنه ينتظر رد رئيس الجمهورية على مقترحه قبل بدء الحوار، رداً على تساؤلات الصحافيين خلال زياراته قبل يومين لمنشآت ومشاريع مختلفة في العاصمة الجزائرية، حول مآل مقترح الحوار السياسي الذي كان قد أطلقه قبل أسبوعين.
التطور الجديد في الملف يفضي إلى الاعتقاد بأن هذا الحوار مجرد خطوة استباقية تبنّاها رئيس الحكومة الذي استلم دفة الحكومة في الخامس من يونيو/حزيران الماضي، لضمان "طريق آمن" لحكومته التي تتهددها مشاكل اقتصادية واجتماعية كبيرة، قد تؤثر على التوازنات الداخلية، بسبب التراجع الكبير لمداخيل البلد من عائدات النفط التي انخفضت بمليار دولار كل سنة منذ عام 2015، نتيجة انهيار أسعار النفط في الأسواق الدولية، وكذلك بفعل إخفاق السياسات الحكومية السابقة في إنعاش الاقتصاد وتحسين الأوضاع المعيشية، والتي انتقد تبون نفسه أداء الحكومات السابقة واتهمها بإهدار المال العام.
لكن رئيس الحكومة سيكون بحاجة إلى كثير من الوقت والجهد لإقناع القوى السياسية المعارضة بجدوى الحوار السياسي الجديد، خصوصاً أن قوى وشخصيات المعارضة لم تعد تثق في المشاورات التي تجريها السلطة، على خلفية تجاهل السلطة لمطالب ومقترحات قوى المعارضة في سلسلة المشاورات التي أجرتها في مايو/أيار 2012 بشأن تعديل الدستور، عبر رئيس مجلس الأمة، عبد القادر بن صالح. وكذلك المشاورات التي أجرتها السلطة في يونيو/حزيران 2014 عبر رئيس الحكومة السابق، عبد المالك سلال، وفي سبتمبر/أيلول 2015 مع رئيس الديوان الرئاسي، أحمد أويحيى، خصوصاً في ما يتعلق بمطلب إنشاء هيئة مستقلة لتنظيم الانتخابات، والفصل بين السلطات، وتحرير القضاء من هيمنة السلطة التنفيذية.
هذه المشاورات أظهرت، وفق القيادي في حزب "التجمّع من أجل الثقافة والديمقراطية"، عثمان معزوز، أن "السلطة تبحث دائماً عن شرعنة خياراتها عبر وضعها في سياق مشاورات، لا تهدف إلى تجميع مقترحات جدية من الأحزاب، بقدر ما تستهدف توريط المعارضة في الخيارات الخاطئة التي تتبنّاها الحكومة"، مشيراً إلى أن "تجارب الحوار السياسي والمشاورات مع السلطة في وقت سابق، أعطتنا الحق في قرار مقاطعة المشاورات في العام 2012"، إضافة إلى تراكم الثقة الغائبة بين كل ما هو حكومي وقوى المعارضة، بسبب خطاب السلطة المتضمن تخوين وترهيب كل معارضة سياسية ومدنية لخياراتها.
قطاع واسع من قوى المعارضة والمتابعين للشأن السياسي في الجزائر، يعتقدون أن محاولة رئيس الحكومة جرّهم إلى حوار سياسي، تستهدف تأمين طريق آمن لحكومته على مستوى البرلمان وهدنة مدنية على الصعيد النقابي، وتهدئة الأوضاع وتجنّب الإضرابات التي قد تزيد من متاعب الحكومة السياسية، خصوصاً في ظل التوترات المستمرة في قطاعات الصحة والتربية. وكذلك توريط المعارضة في توافقات مع السلطة بشأن الانتخابات الرئاسية المقررة بعد 18 شهراً في ربيع العام 2019، بعد "إخفاق السلطة" في تنظيم الانتخابات التشريعية الأخيرة في الرابع من مايو/أيار الماضي، والتي حملت عليها قوى المعارضة انتقادات حادة بسبب اتهامات بالتزوير وهيمنة المال السياسي والكارتل المالي. كما أن الحكومة الحالية التي تطرح فكرة الحوار السياسي والوفاق الوطني، هي نفسها لا تملك في رصيدها الزمني أكثر من 18 شهراً، وستكون مهمتها الرئيسية الإشراف على تنظيم الانتخابات البلدية نهاية العام الحالي والرئاسية في العام الذي يليه.
ورأى المحلل السياسي عبد السلام عليلي، أن "رئيس الحكومة ربما وجد نفسه قد ورث وضعاً صعباً مغايراً تماماً للتقارير الرسمية التي كانت تطمئن الرأي العام بشأن الوضع الاقتصادي والاجتماعي في البلاد في أفق الأزمة النفطية، ولذلك بدا أن لديه طريقاً واحداً للاستمرار وهو بناء تحالفات جديدة خارج الطاقم الحاكم، وهو بصدد البحث عن هذه التحالفات خارج الأحزاب المشكّلة للحكومة، بما يؤمن له مساراً سياسياً هادئاً".
اقــرأ أيضاً
لا ينفصل هذا التحليل عن بعض القراءات الاستباقية التي بدأت تذهب إلى أبعد من نقطة الحوار السياسي المقترح، إلى اعتبار أن تبون يدفع بنفسه، أو يُدفع من المحيط المقرب من بوتفليقة إلى قلب المشهد في الجزائر، كاحتياط سياسي بديل في حال حدث طارئ يستدعي الذهاب إلى تنظيم انتخابات رئاسية مبكرة، أو أجبرت الظروف الصحية بوتفليقة على عدم الترشح في ربيع 2019. يحيل ذلك إلى التصريحات المثيرة لتبون ضد سياسات الحكومة السابقة، والتي استقطبت اهتمام الرأي العام من جهة لتضمنها قدراً من الصراحة غير المسبوقة، وتهجّمه على وزير الصناعة السابق عبد السلام بوشوارب المحسوب على جناح المرشح المحتمل للرئاسيات، رئيس الديوان الرئاسي أحمد أويحيى. الأخير انتفض سريعاً وبدا متحفزاً للدفاع عن جناحه ورجالاته، ومناقضة مواقف تبون بشأن قضية المهاجرين الأفارقة، فيما بدا كمحاولة لكسر البروز الإعلامي الأخير لتبون.
وقال وزير دولة سابق، تحفظ على ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن "تبون يمثّل في الوقت الحالي أحد الخيارات المطروحة بالنسبة للسلطة لخلافة بوتفليقة، بعد إخفاق رئيس الحكومة السابق عبدالمالك سلال في تطوير أدائه السياسي"، موضحاً أن "تبون هو أكثر قرباً من الرئيس وعلاقته وثيقة بالعائلة الرئاسية، ومواقفه المتوازنة وعدم وجود سوابق خلافية له مع المعارضة، تضعه في أولوية خيارات السلطة إذا استجدت تطورات على صعيد الخيار الرئاسي".
وبينما يبحث تبون عن طريق آمن وهدنة اجتماعية مع قطاع واسع من القوى السياسية والمدنية عبر حوار سياسي وخطاب صريح، فإن صدّ قوى المعارضة والنقابات المستقلة له، يضعه بين ثلاثة تحديات رئيسية، هي كسب ثقة المعارضة، ومواجهة جناح في النظام بدأ يتحفز مبكراً ضده، إضافة إلى التحدي الاقتصادي والاجتماعي الصعب.
اقــرأ أيضاً
وقال تبون إنه رفع إلى الرئيس الجزائري مقترحاً لإجراء حوار سياسي في البلاد، تشارك فيه كل القوى السياسية والمدنية، لكنه أفاد بأنه ينتظر رد رئيس الجمهورية على مقترحه قبل بدء الحوار، رداً على تساؤلات الصحافيين خلال زياراته قبل يومين لمنشآت ومشاريع مختلفة في العاصمة الجزائرية، حول مآل مقترح الحوار السياسي الذي كان قد أطلقه قبل أسبوعين.
لكن رئيس الحكومة سيكون بحاجة إلى كثير من الوقت والجهد لإقناع القوى السياسية المعارضة بجدوى الحوار السياسي الجديد، خصوصاً أن قوى وشخصيات المعارضة لم تعد تثق في المشاورات التي تجريها السلطة، على خلفية تجاهل السلطة لمطالب ومقترحات قوى المعارضة في سلسلة المشاورات التي أجرتها في مايو/أيار 2012 بشأن تعديل الدستور، عبر رئيس مجلس الأمة، عبد القادر بن صالح. وكذلك المشاورات التي أجرتها السلطة في يونيو/حزيران 2014 عبر رئيس الحكومة السابق، عبد المالك سلال، وفي سبتمبر/أيلول 2015 مع رئيس الديوان الرئاسي، أحمد أويحيى، خصوصاً في ما يتعلق بمطلب إنشاء هيئة مستقلة لتنظيم الانتخابات، والفصل بين السلطات، وتحرير القضاء من هيمنة السلطة التنفيذية.
هذه المشاورات أظهرت، وفق القيادي في حزب "التجمّع من أجل الثقافة والديمقراطية"، عثمان معزوز، أن "السلطة تبحث دائماً عن شرعنة خياراتها عبر وضعها في سياق مشاورات، لا تهدف إلى تجميع مقترحات جدية من الأحزاب، بقدر ما تستهدف توريط المعارضة في الخيارات الخاطئة التي تتبنّاها الحكومة"، مشيراً إلى أن "تجارب الحوار السياسي والمشاورات مع السلطة في وقت سابق، أعطتنا الحق في قرار مقاطعة المشاورات في العام 2012"، إضافة إلى تراكم الثقة الغائبة بين كل ما هو حكومي وقوى المعارضة، بسبب خطاب السلطة المتضمن تخوين وترهيب كل معارضة سياسية ومدنية لخياراتها.
قطاع واسع من قوى المعارضة والمتابعين للشأن السياسي في الجزائر، يعتقدون أن محاولة رئيس الحكومة جرّهم إلى حوار سياسي، تستهدف تأمين طريق آمن لحكومته على مستوى البرلمان وهدنة مدنية على الصعيد النقابي، وتهدئة الأوضاع وتجنّب الإضرابات التي قد تزيد من متاعب الحكومة السياسية، خصوصاً في ظل التوترات المستمرة في قطاعات الصحة والتربية. وكذلك توريط المعارضة في توافقات مع السلطة بشأن الانتخابات الرئاسية المقررة بعد 18 شهراً في ربيع العام 2019، بعد "إخفاق السلطة" في تنظيم الانتخابات التشريعية الأخيرة في الرابع من مايو/أيار الماضي، والتي حملت عليها قوى المعارضة انتقادات حادة بسبب اتهامات بالتزوير وهيمنة المال السياسي والكارتل المالي. كما أن الحكومة الحالية التي تطرح فكرة الحوار السياسي والوفاق الوطني، هي نفسها لا تملك في رصيدها الزمني أكثر من 18 شهراً، وستكون مهمتها الرئيسية الإشراف على تنظيم الانتخابات البلدية نهاية العام الحالي والرئاسية في العام الذي يليه.
ورأى المحلل السياسي عبد السلام عليلي، أن "رئيس الحكومة ربما وجد نفسه قد ورث وضعاً صعباً مغايراً تماماً للتقارير الرسمية التي كانت تطمئن الرأي العام بشأن الوضع الاقتصادي والاجتماعي في البلاد في أفق الأزمة النفطية، ولذلك بدا أن لديه طريقاً واحداً للاستمرار وهو بناء تحالفات جديدة خارج الطاقم الحاكم، وهو بصدد البحث عن هذه التحالفات خارج الأحزاب المشكّلة للحكومة، بما يؤمن له مساراً سياسياً هادئاً".
لا ينفصل هذا التحليل عن بعض القراءات الاستباقية التي بدأت تذهب إلى أبعد من نقطة الحوار السياسي المقترح، إلى اعتبار أن تبون يدفع بنفسه، أو يُدفع من المحيط المقرب من بوتفليقة إلى قلب المشهد في الجزائر، كاحتياط سياسي بديل في حال حدث طارئ يستدعي الذهاب إلى تنظيم انتخابات رئاسية مبكرة، أو أجبرت الظروف الصحية بوتفليقة على عدم الترشح في ربيع 2019. يحيل ذلك إلى التصريحات المثيرة لتبون ضد سياسات الحكومة السابقة، والتي استقطبت اهتمام الرأي العام من جهة لتضمنها قدراً من الصراحة غير المسبوقة، وتهجّمه على وزير الصناعة السابق عبد السلام بوشوارب المحسوب على جناح المرشح المحتمل للرئاسيات، رئيس الديوان الرئاسي أحمد أويحيى. الأخير انتفض سريعاً وبدا متحفزاً للدفاع عن جناحه ورجالاته، ومناقضة مواقف تبون بشأن قضية المهاجرين الأفارقة، فيما بدا كمحاولة لكسر البروز الإعلامي الأخير لتبون.
وبينما يبحث تبون عن طريق آمن وهدنة اجتماعية مع قطاع واسع من القوى السياسية والمدنية عبر حوار سياسي وخطاب صريح، فإن صدّ قوى المعارضة والنقابات المستقلة له، يضعه بين ثلاثة تحديات رئيسية، هي كسب ثقة المعارضة، ومواجهة جناح في النظام بدأ يتحفز مبكراً ضده، إضافة إلى التحدي الاقتصادي والاجتماعي الصعب.