في محاولة جديدة لإيجاد منافذ لتداول قضية تنازل مصر عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، بناء على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية الموقعة بينهما، أقام الحقوقي خالد علي دعوى قضائية أمام اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب التابعة للاتحاد الأفريقي، مطالباً بإلزام الحكومة المصرية، باعتبارها عضواً في الاتحاد، بإلغاء الاتفاقية من طرف واحد، وتطبيق حكم القضاء الإداري ببطلان إبرام الاتفاقية لتضمنها مخالفات صريحة للمادة 151 من الدستور الساري منذ العام 2014.
وتعتبر هذه الخطوة الأولى التي يقدم عليها المتمسكون بمصرية الجزيرتين على المستوى الإقليمي أو الدولي، استغلالاً لاتفاقية إنشاء اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، التي وقعت عليها مصر بشرط التحفظ على بعض البنود. علماً أن هذه اللجنة تختلف عن المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب التي وقعت مصر على بروتوكول إنشائها في العام 1999، ولكن لم تصدق عليه حتى الآن، ومن ثم لا يجوز لأي مواطن مصري، حتى الآن، اللجوء مباشرة إلى هذه المحكمة. وذكرت الدعوى أن الاتفاقية تضمنت التخلي عن جزء من أرض مصر، بالمخالفة للمادتين 1 و151 من الدستور، فضلاً عن إبرامها رغماً عن أحكام القضاء التي أبطلت توقيع رئيس الوزراء على الاتفاقية في إبريل/ نيسان 2016، ما يبرهن على عصف السلطتين التنفيذية والتشريعية بأحكام الدستور وحق التقاضي وسلطة المحاكم.
وتحاول هيئة الدفاع عن مصرية الجزيرتين بهذا التحرك إبقاء القضية حية، بعدما وجهت المحكمة الدستورية العليا، في 3 مارس/ آذار الحالي، ضربة لمساعيهم لبطلان الاتفاقية، عندما قضت بعدم الاعتداد بجميع أحكام القضاء الإداري ومحكمة الأمور المستعجلة في قضية تيران وصنافير، وهي الأحكام التي كان تناقضها سبباً في استصدار الرئيس عبد الفتاح السيسي قراراً من رئيس المحكمة الدستورية لوقف تنفيذها جميعاً بصفة مؤقتة الصيف الماضي، وإعطاء الحكومة الفرصة لإصدار الاتفاقية رسمياً ونشرها في الجريدة الرسمية وتطبيقها عملياً بتسليم الجزيرتين للسعودية، واقتسام المهام الأمنية والعسكرية في مضيق تيران مع السعودية.
وقالت مصادر قضائية رفيعة المستوى في مجلس الدولة إن لجوء هيئة الدفاع إلى القضاء الأفريقي، أو حتى اللجان القانونية الدولية الأخرى، أمر لا يعد بالكثير على الصعيد القانوني، خصوصاً مع عدم اعتراف الحكومة المصرية بوجوب تنفيذ القرارات الصادرة عن تلك اللجان، ولا سيما أن اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب لم يسبق أن تعرضت لموضوع مشابه يتشابك مع السياسات العليا للدول الأعضاء، ولا يقتصر فقط على قضايا الحقوق والحريات. لكن المصادر وصفت الخطوة، من الناحية السياسية، بأنها أمر ضروري للضغط على الدولة والقضاء المصري لتجاوز حالة الانسداد التي تسيطر على القضية حالياً، فبمجرد صدور حكم الدستورية العليا اكتسبت الاتفاقية قوة تشريعية، وأصبح لها واقع جديد يجب التعامل معه بما يتجاوز الأحكام السابق صدورها بين 2016 و2017. وأضافت المصادر أن التحرك الدولي سيمثل وسيلة ضغط، على أمل أن تقرر محكمة القضاء الإداري في الدعاوى المنظورة أمامها حالياً، والمرفوعة على الاتفاقية بعد صدورها رسمياً في أغسطس/ آب الماضي، والتي يطالب المحامون فيها بإحالة الاتفاقية للمحكمة الدستورية العليا لمراقبتها موضوعياً والتصدي لمدى توافقها مع الدستور.
ومنذ رفع تلك الدعاوى، قامت محكمة القضاء الإداري بتجميدها وإحالتها إلى هيئة مفوضي الدولة لإعداد تقرير بالرأي القانوني فيها، ولم تقرر إحالتها للمحكمة الدستورية حتى الآن، علماً أن قراراً من القضاء الإداري بإحالتها للمحكمة الدستورية هو السبيل الوحيد أمام المحامين للوصول بالاتفاقية إلى المحكمة الدستورية، إذ لا يسمح قانون المحكمة بأن يقيم المحامون طعوناً على الاتفاقيات أو القوانين أمامها مباشرة. وأوضحت المصادر أنه من غير المرجح حالياً أن تقرر محكمة القضاء الإداري إحالة الاتفاقية إلى المحكمة الدستورية، بسبب التقارب المطرد بين السلطتين التنفيذية والقضائية، بعدما أصدر السيسي القانون الذي يسمح له بتعيين رؤساء الهيئات القضائية بالمخالفة لقاعدة الأقدمية المقررة في القضاء المصري منذ مطلع القرن العشرين، والذي استخدمه للإطاحة بالمستشار يحيى دكروري، صاحب أول حكم بمصرية تيران وصنافير، وتعيين المستشار أحمد أبو العزم رئيساً لمجلس الدولة بدلاً منه، وهو ما اتبعه في جميع الهيئات القضائية، وضمن له سيطرة على آلية اتخاذ القرارات فيها.