دنيبرو.. كرة القدم تهزم الحرب في أوكرانيا!

16 مايو 2015
+ الخط -

دنيبروبتروفسك، رغم صعوبة اسم المدينة في الوهلة الأولى، سيقودنا الاعتياد على نطق الكلمة في النهاية إلى الشعور بأهمية هذه القطعة الأوكرانية رفيعة المقام، التي أعادت أوكرانيا إلى واجهة الرياضة مرة أخرى، بوصول فريقها المتواضع إلى نهائي ثاني أهم بطولة أوروبية لهذا الموسم الكروي غريب الأطوار.


من الفضاء إلى الكرة
دنيبرو هي ثالث أكبر مدن أوكرانيا وأجملها، يبلغ عدد سكانها 2.5 مليون نسمة تقريباً، وهي عاصمة الإقليم الذي يحمل اسمها والمركز الثقافي والإداري الأكبر للمنطقة الجنوبية الوسطى من البلاد. ويعتمد اقتصاد المدينة على الصناعة، وكانت خلال فترة انضمام أوكرانيا للاتحاد السوفييتي واحدة من أهم المدن السوفييتية في صناعات الفضاء والأسلحة.

لذلك حصلت هذه المدينة على شهرة فائقة في مجالات الاقتصاد، لكنها كانت بعيدة تماماً عن الأمور الرياضية. في أوكرانيا، لا صوت يعلو فوق صوت دينامو كييف وشاختار دونيتسك، أما دنيبرو "فريق المدينة الذي يحمل اسمها" فهو النادي الثالث أو الرابع في الدولة الجديدة، وحصل فقط على بطولتين للدوري السوفييتي، وكأس واحدة طوال مسيرته، وبعد انفصال أوكرانيا ووجود دوري خاص بالبلد، لم يفز دنيبرو بأي بطولة رسمية منذ ذلك التاريخ.

حتى وصوله إلى بطولة الدوري الأوروبي هذا الموسم جاء بشق الأنفس، فالنادي حل ثانياً في الترتيب العام للدوري الأوكراني، وصعد السلم من أوله حتى آخره، لذلك مر دنيبرو على كافة الأدوار الإقصائية في بطولة الصف الثاني أوروبياً، وصعق في طريقه فرق لها وزنها الكروي، أياكس، بروج، وأخيراً نابولي، في الطريق إلى وارسو.


عراب أوكرانيا
"أعطني حفنة من اللاعبين وسوف أعطيك فريقاً جيداً، وإذا أعطيتني مجموعة مميزة من اللاعبين فسوف أعطيك فريقاً جيداً جداً، أما إذا وفرت لي فريقاً جيداً، فسوف أجعله الفريق الأفضل في العالم". هكذا يقول فاليري لوبانوفيسكي عن أسلوبه التدريبي، كلمات بسيطة لكنها تحمل في طيّاتها توضيحاً صريحاً حول فلسفته في كرة القدم، الفريق أهم من اللاعبين، والجماعية قبل الفردية بالنسبة لأي جيل ناجح.

وحين سئل من الأكثر قيمة، العمل أم الموهبة، قال المدرب الكبير بأن الفضل في النجاح يعود إلى العمل الجاد بنسبة تصل إلى 95 % بينما تتضمن الموهبة نسبة لا تزيد عن 5 % فقط. أنت تحتاج إلى بناء اللاعب خطوة خطوة، شيئاً فشيئاً، تعمل معه بشكل فردي وجماعي، تعطيه نصائح تكتيكية وأخرى شخصية، تغرز فيه التواضع والاستماع، هي مهارات يحتاج إليها أي لاعب حتى يصل إلى قدر مميز من النجاح.

لذلك تبدو هذه المقولة بمثابة القانون الرئيسي لكرة القدم في الملاعب الأوكرانية، فدنيبرو يسير على خطى دينامو كييف في السابق، بالوصول إلى أعلى درجات المجد الأوروبي، بواسطة مجموعة مغمورة من اللاعبين، يربطهم أسلوب جماعي من الصعب كسره أو التغلب عليه، دون وجود أسماء رنانة أو نجوم من العيار الثقيل، هكذا وصل دنيبرو إلى النهائي الكبير.


طريقة اللعب
طريق دنيبرو لم يكن مفروشاً بالورود، فالفريق أقصى بطل كرواتيا هايدوك سبليت في سبيل الوصول إلى مرحلة المجموعات، قبل أن يحل ثانياً خلف إنتر ميلان في المجموعة السادسة، ويُخرج أبطال هولندا، بلجيكا، إيطاليا في الأدوار الحاسمة، والفضل يعود في النهاية إلى خطة المدرب ميرون ماركيفيتش، المدير الفني القدير وطريقته المفضلة 4-2-3-1 على الطريقة الأوكرانية.

في آخر ست مباريات بالدوري الأوروبي، دخل مرمى دنيبرو ثلاثة أهداف فقط، بواقع نصف هدف في المباراة الواحدة، نتيجة إغلاق كافة الفراغات في وبين الخطوط داخل المنطقة الحمراء الدفاعية، بسبب تواجد ثنائي محوري لا يتقدم أبداً للأمام، كانكافا وفيدروشوك أمام رباعي دفاعي صلب وقوي، وبالتالي من الصعب جداً اختراق الحائط المزدوج أمام مرمى الحارس دينيس بويكو.

بينما يعتمد الشق الهجومي على مهارات وقدرات صانع اللعب روسلان روتان بالمركز 10، مع ثنائي الأجنحة يفغين كونوبليانكا نجم الفريق الأول، واللاعب القادر على القطع المستمر من الخط الجانبي إلى عمق الهجوم، رفقة الجناح الآخر لوشكيفيش الذي يلعب في الأساس كظهير، لكنه في المباريات الصعبة يتحول لدور لاعب الوسط المائل للطرف من أجل مزيد من الدعم الدفاعي.

مع اللعب بمهاجم واحد فقط داخل منطقة الجزاء، يختلف من مباراة لأخرى وفق قدرات الخصم، لكن في الغالب يكون الرهان على يفين سيليزنيوف، أو نيكولا كالينيش هداف الفريق في البطولة الأوروبية برصيد أربعة أهداف، خصوصاً أن دنيبرو يعتمد بشكل كلي على إغلاق مناطقه وحماية مرماه، ومن ثم البحث عن هدف بمرتدة قاتلة أو لعبة رأسية ماكرة كما حدث أمام نابولي في نصف النهائي.


قواعد اللعبة
على طريقة كرة المال، فإن دنيبرو من الأندية محدودة المداخيل، مقارنة بشاختار دونيتسك ودينامو كييف، لكن الفريق وصل إلى مستوى مميّز، نتيجة ترشيد الإنفاق، والاستفادة من الطرق الحديثة في الاهتمام بالناشئين وتحسين مستوى الشباب الصغار، نتيجة وجود أكاديمية كروية مختلفة داخل النادي، واعتبار الفريق بمثابة المدرسة الكروية مكتملة الأركان داخل الرياضة الأوكرانية، لدرجة وجود 12 لاعباً في الفريق الأول من مدرسة الكرة الخاصة بالأشبال.

يمتاز لاعبو دنيبرو بفهم بعضهم بعضاً بكل سهولة، نتيجة وجود رابط مشترك قديم بين الجميع، ومعرفتهم التامة بأفكار مدربهم وطريقة لعبه الدفاعية، ومع الوقت أصبح دنيبرو أحد أشهر الأيقونات الدفاعية في الكرة الأوروبية، لدرجة وجود إخصائية غريبة أمام نابولي في قمة الدوري الأوروبي، حيث نجح أبطال أوكرانيا في تشتيت 43 كرة، وعمل 17 حاجزاً مثالياً، حتى نجحوا في الحفاظ على عذرية الشباك لمدة تسعين دقيقة.

في النهائي، إشبيلية فريق مختلف وبطل يعرف تماماً من أين تؤكل الكتف، وبالتالي ستكون المواجهة صعبة ومصيرية أمام دنيبرو، لكن الجولة الأخيرة تكون مباراة واحدة، تحتمل جميع السيناريوهات الممكنة وغير الممكنة، لذلك يبقى الأمل واضحاً في إكمال الحلم وتحقيق المفاجأة العظيمة، فهل ينجح الأوكران في إعادة الماضي وفرض شخصيتهم من جديد على الساحة الأوروبية؟