في نشوء مدينة رام الله الفلسطينية، قصّة أشهر ساحاتها: دوّار المنارة. عادة ما يستعمل لفظ "المنارة" للدلالة على ذاك المبنى البرجي الموجود دومًا على كتف شاطئ البحر، يتابع رحلة البواخر والقوارب في الأزرق المائي. ليست رام الله مدينة بحرية، هي ضمن سلسلة تلال القدس. ليست جبلية تمامًا، ولا بحرية. لكنها على التلال، وترنو إلى البحر. فمن أين أتتها تلك المنارة؟
قبل أن يوجد الدوّار كان ثمّة في القرن التاسع عشر دربٌ ترابي يربط بين رام الله وأختها البيره. ما لبث الدرب أن غدا طريقًا حين أنشئت مدرسة الفرندز عام 1901، وقرر الحكّام العثمانيون وقتها جعل رام الله مركزًا إداريًا.
اقرأ أيضاً: المدينة الضائعة
أقدام كثيرة مشت على الطريق، وتقاطعت خطواتها في مكان بعينه؛ إنها الساحة العفوية فلنقلْ. تلك الساحة إذن، شدّت الأقدام إليها، فعبدّها العثمانيون بعد إنشاء طريق نابلس - القدس. وإذ ازداد مرض "الرجل المريض" حلّ الإنكليز مكانه في فلسطين، انتدبوا أنفسهم بالاحتلال، وأشاعوا مصطلحًا جديدًا: الانتداب. لا يعجب المحتل بحركات الناس في الساحة، بل يعجب أيما إعجاب بمراقبتهم، هكذا قرّر "الانتداب" إنارة المكان، عام 1935، ليرى أمر أهله ليلًا. من هنا استمدّت الساحة اسمها: المنارة. شهدت الساحة، كما كل فلسطين، النكبة عام 1948، ويروى أن أولى مظاهرات الأهالي الغاضبين من "جيش الإنقاذ"، جاءت من المنارة.
بعد ذاك، صارت رام الله تحت الإدارة الأردنية. ثم قررت بلدية رام الله إقامة نصب فيها، فأوكلت المهمة لفنان من رام الله. نحت الفنّان على الحجر خمسة أسود، ووضعها على منصة حجرية، ومن حولها صنع بركًا صغيرة ومساكب للزهور، وأحاطها كلّها بدرابزين حديدي. تمثّل الأسود الخمسة العائلات الخمس الأولى في رام الله: إبراهيم، جريس، شقير، حسن، حسان. هذه ليست أسماء عوائل تمامًا، بل أسماء الأبناء الخمسة لمؤسّس رام الله راشد الحدادين، الذي وصل إلى هذا المكان في القرن السادس عشر هاربًا من الكرك.
اقرأ أيضاً: رحلة بازوليني إلى فلسطين
لم يبقَ الأسود طويلًا في المكان، إذ إن نكسة عام 1967 أوصلت الإسرائيليين إلى رام الله. وفي ثمانينيات القرن المنصرم أراد الحاكم الإسرائيلي في المدينة إزالة الأسود من الساحة، وإزالة الساحة كلّها، ولم يجد ما يظهر قبح فعله هذا، إلا في الاقتداء بسلفه المحتل البريطاني؛ أن يعيد "الإنارة" ليراقب الناس. لم يحدث هذا، لكن أسود الفنان الفلسطيني لم تنجُ. وتلك التي نرى في الصورة نسخة منها.
قبل أن يوجد الدوّار كان ثمّة في القرن التاسع عشر دربٌ ترابي يربط بين رام الله وأختها البيره. ما لبث الدرب أن غدا طريقًا حين أنشئت مدرسة الفرندز عام 1901، وقرر الحكّام العثمانيون وقتها جعل رام الله مركزًا إداريًا.
اقرأ أيضاً: المدينة الضائعة
أقدام كثيرة مشت على الطريق، وتقاطعت خطواتها في مكان بعينه؛ إنها الساحة العفوية فلنقلْ. تلك الساحة إذن، شدّت الأقدام إليها، فعبدّها العثمانيون بعد إنشاء طريق نابلس - القدس. وإذ ازداد مرض "الرجل المريض" حلّ الإنكليز مكانه في فلسطين، انتدبوا أنفسهم بالاحتلال، وأشاعوا مصطلحًا جديدًا: الانتداب. لا يعجب المحتل بحركات الناس في الساحة، بل يعجب أيما إعجاب بمراقبتهم، هكذا قرّر "الانتداب" إنارة المكان، عام 1935، ليرى أمر أهله ليلًا. من هنا استمدّت الساحة اسمها: المنارة. شهدت الساحة، كما كل فلسطين، النكبة عام 1948، ويروى أن أولى مظاهرات الأهالي الغاضبين من "جيش الإنقاذ"، جاءت من المنارة.
بعد ذاك، صارت رام الله تحت الإدارة الأردنية. ثم قررت بلدية رام الله إقامة نصب فيها، فأوكلت المهمة لفنان من رام الله. نحت الفنّان على الحجر خمسة أسود، ووضعها على منصة حجرية، ومن حولها صنع بركًا صغيرة ومساكب للزهور، وأحاطها كلّها بدرابزين حديدي. تمثّل الأسود الخمسة العائلات الخمس الأولى في رام الله: إبراهيم، جريس، شقير، حسن، حسان. هذه ليست أسماء عوائل تمامًا، بل أسماء الأبناء الخمسة لمؤسّس رام الله راشد الحدادين، الذي وصل إلى هذا المكان في القرن السادس عشر هاربًا من الكرك.
اقرأ أيضاً: رحلة بازوليني إلى فلسطين
لم يبقَ الأسود طويلًا في المكان، إذ إن نكسة عام 1967 أوصلت الإسرائيليين إلى رام الله. وفي ثمانينيات القرن المنصرم أراد الحاكم الإسرائيلي في المدينة إزالة الأسود من الساحة، وإزالة الساحة كلّها، ولم يجد ما يظهر قبح فعله هذا، إلا في الاقتداء بسلفه المحتل البريطاني؛ أن يعيد "الإنارة" ليراقب الناس. لم يحدث هذا، لكن أسود الفنان الفلسطيني لم تنجُ. وتلك التي نرى في الصورة نسخة منها.