قد تكون إدانة مساعدَي الرئيس الأميركي دونالد ترامب خطوةً أولى لعزله. هذا ما تُجمع عليه التحليلات في وسائل الإعلام الأميركيّة، منذ مساء الثلاثاء الماضي. تزدحم التغطيات وتنهمر المعلومات حول إمكانيّة حصول ذلك، على اعتبار إدانة المساعدَين، أسوأ محطّةٍ في تاريخ ولاية ترامب حتى الآن. لكنّ تلك الإدانة، ربّما لم تكُن لتحصل، لولا تطبيقات التراسل الفوري المشفَّرة، أو، تحديداً، سوء استخدامها.
فتطبيقات التراسل المشفّرة تحمي فعلاً المستخدمين، إذ إنهم هم والمتلقّين، فقط، من يستطيعون قراءة الرسائل. لكنّ حيازة الجهاز نفسه الذي تم إرسال تلك المحادثات منه، أو الاحتفاظ بنسخة منها على "الكلاود"، يجعل ذلك التشفير شبه ملغيّ، فهو يُتيح لأشخاص آخرين قراءة الرسائل. ويبدو أنّ مايكل كوهين وبول مانافورت لم يحذفا الرسائل، بل خزّناها.
ودانت هيئة محلفين بول مانافورت، المدير السابق لحملة دونالد ترامب الانتخابية، بالاحتيال، الثلاثاء الماضي، في أول محاكمة تنجم عن التحقيق في التدخّل الروسي المزعوم في الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2016، والتي أدّت إلى فوز ترامب. وبعد دقائق من إدانة هيئة المحلفين لمانافورت، أقرّ محامي الرئيس ترامب السابق، مايكل كوهين، بثماني تهم فيدراليّة موجهة إليه، بينها الاحتيال، وخرق قوانين تمويل الحملات الانتخابية، ودفع الأموال لإسكات امرأتين كانتا تتحدثان عن علاقتين أقامتاهما مع ترامب، بتوجيهٍ من ترامب نفسه.
في إطار الادعاءات الفيدرالية المفصّلة ضد محامي ترامب السابق مايكل كوهين، هناك إشارات متعددة للنصوص المرسَلة من قبل كوهين، وحتى عن اتّصالٍ أجراه "عبر تطبيق هاتف مشفّر".
كان كوهين، على ما يبدو، مستخدماً معجباً بتطبيقات التراسل المشفرة، مثل "واتساب" و"سيغنل"، لكن تلك الأدوات فشلت في إبقاء رسائله واتصالاته بعيدة عن أعيُن المحققين. وصادر المحققون جهازين "بلاك بيري" وآيباد"، خلال مداهمات لمكتبه ومنزله وغرفة فندقه، في إبريل/نيسان الماضي، وعمِلوا على استخراج البيانات منهما.
وقال ممثّلو الادعاء في وثائق للمحكمة إنّ مكتب التحقيقات الفيدرالي حصل على 731 صفحة من الرسائل وسجلات المكالمات من تلك التطبيقات من هواتف كوهين. كما نجح المحققون في إعادة بناء ما لا يقل عن 16 صفحة من الوثائق الممزقة (shredded).
ويبدو أن هذه السجلات، استناداً إلى وثيقة الاتهام، قد ساعدت في توثيق اتصالات كوهين على الأقل مع المسؤولين في صحيفة "ناشينال إنكوايرير"، بشأن ادعاءات الممثلة الإباحية ستورمي دانيلز، التي يدّعي كوهين أنّه دفع لها المال نيابةً عن ترامب، منتهكاً بذلك قانون تمويل الحملات الانتخابية.
وبحسب "فاست كومباني"، فإنّه من غير الواضح ما إذا كان مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) قد نجح بالفعل في اختراق أي طبقات من التشفير للحصول على البيانات. من المحتمل أن كوهين، الذي قام في بعض الأحيان بتسجيل المحادثات، قام بتخزين سجلات المحادثة بطريقة أقل أمانًا.
وكان رئيس حملة ترامب السابق، بول مانافورت، الذي وجد مذنباً بثماني تهم تتعلق بالمخالفات الفيدرالية، قد شهد أيضًا إدراج اتصالاته المشفرة عبر "واتساب" و"تيليغرام" في المحكمة بتهمة التلاعب المزعوم في الشهود. ويبدو أن هذه الرسائل تم العثور عليها من خلال حساب مانافورت في آيكلاود.
وشغل هذا الموضوع الصحافة منذ بدء التحقيقات مع كوهين وجمع الرسائل قبل أشهر. وكتبت صحيفة "واشنطن بوست"، في يونيو/حزيران الماضي، أنّ التشفير الكامل (من الطرف إلى الطرف) يجعل من المستحيل تقريباً قراءة الرسائل إلا من قبل المرسِل والمرسَل إليه، لكنّ ذلك لا يساعد في الحقيقة على حماية البيانات من القانون إذا تم الاحتفاظ بنسخة احتياطيّة على التخزين السحابي (كلاود) أو على الجهاز نفسه. أو، بالطبع، إذا قرّر أحد الطرفين تسليمها للسلطات".
ونصح موقع "فاست كومباني" بالقول: الأشخاص الذين يرسلون رسائل من خلال التطبيقات المشفرة يجب أن لا يحتفظوا بنسخ من رسائلهم وسجلات المكالمات الخاصة بهم لفترة أطول مما يحتاجون إليه، إذا كانوا يريدون حقاً إخفاء تلك الرسائل.
وكانت قناة "سي إن بي سي" قد ذكرت، في يونيو/حزيران الماضي، أنّ المحامين في مكتب المستشار الخاص روبرت مولر يطلبون من الشهود تسليم هواتفهم المحمولة لتفتيش برامجهم المشفرة للمحادثات بين مساعدي ترامب. وبدأ فريق مولر جمع الهواتف، في وقت مبكر من إبريل/نيسان، لمراجعة المحادثات الخاصة في "سيغنل" و"واتساب" و"كونفايد" و"داست".