البحر
تصطكّ عظامك بعظام البحر،
فيلتمع الشّرر.
تنحنين قرب البحر...
يتهجأ البحر اسمك،
يستعير أعماقي
كي يناديك من أعماقه،
وأنت تصيخين السّمع للبحارة الذين ذرفهم الملح
على الرّمل.
لا أملك سوى ذراعي مغمّسةً بالفصل الغائب
أمدّها في نظرتك...
ربما علق طفلٌ رضيعٌ
قبل الغرق.
كنتِ قطيعتي
كنتِ قطيعتي... رائحة لحافٍ غطّى
الأحصنة بالرئتين.
كنتِ تكسّر السّياج
بيتًا يركض
ويعيد ساكنيه إلى الكهف.
رأيتك تصعدين... فتبعتك كرائحتك،
ناديتكِ فأجبتِ كسماءٍ يفتح فمه تحتها الطّفل.
وضعتِ يداً في الذّاكرة
وتمتمت تعاويذك المنتقاة
من كتب سحرٍ أحرقت قارئيها.
تناولت كأسّاً من تحت ثيابك فاهتزّ
النّظر في كنز الليل.
جرّبتُ كلّ عضلات القلب معك،
صالحتُ الخنجر وقدم الفراشة،
أغدقتُ نعماً وأعراساً
فالتمعت مرآةٌ في الفيض.
كنتِ يانعةً فانتشرت الأعشاب في المفاصل،
انتشر الدّم في جوقة المنشدين للأقحوان،
اهتزت نخلة النّرد فسطعتُ كريش السّانح*
كنتُ فألك السيئ...
قبرك الذي ضمّ كلّ خلاخيلك
ولم يضمَّ نفسه.
* السانح: الطائر المارّ من اليسار يُتطيّر منه.
ممتنًا لنجمتك
ممتنًا لدمعةٍ أنزلتك قربي
أعدك أننا سنعود معاً.
في يدك ما يتسع كي يعبر جسدي وريداً
ربما وزّعني على قلبك.
نتشارك ذاتَ الهواء،
هنا شجرةٌ تلد شهيقنا،
وهناك حقلٌ تقطف ثماره أصواتنا.
سنضع بيوضنا في عشٍّ
نلتقطه من خيوط الشّمس،
ومن غمازةٍ في عطرك
سيولد طائرٌ يحرس سماءنا.
ما شأننا بالرّيح وكلّ ما نملكه لا يملكنا؟
نحن معًا وزماننا يمسك يد مكاننا
من يأبه بالسفن وأصابعه على فرو البحر؟
إننا راهبا قصيدة هايكو... نقيم في أسطرها،
نسيل على جسدينا من احتكاك حروفها،
ونلقنها ظباءً ستعلم بعدها كيف تعبر النهر.
لا نأسى على ماضٍ، لا طوق غدٍ في العنق،
نحن معاً ظلّان في الهواء...
و"الآن" صندوقنا المخبأ.
* شاعر فلسطيني/ القدس