وقد جمّدت رئاستا الجمهورية والنواب وكل القوى السياسية الفاعلة التعامل مع استقالة الحريري، حتى عودته إلى لبنان. وعبّرت مُختلف القوى عن تضامنها مع الحريري بوصفه "مُحتجزاً في السعودية"، وتم رفض التعامل مع الاستقالة على الصعيدين الدستوري والسياسي.
ولا تحمل أجواء "تيار المستقبل" الذي يرأسه الحريري، أي بوادر إيجابية، بل على العكس، فقد نقلت قيادة "تيار المستقبل" إلى جمهورها تأكيدات بأن "الحريري سيُقدّم استقالته بشكل رسمي إلى رئيس الجمهورية، وسيقود بعدها معارضة سياسية واسعة ضد حزب الله بالتعاون مع حزب "القوات اللبنانية" ووزير العدل السابق أشرف ريفي".
كما نقلت قيادة "المستقبل" لجمهورها عناوين عودة الحريري، وهي "عدم التنازل عن السقف الذي حدده اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة لجهة التعامل مع حزب الله، وتوقّع عقوبات مالية اقتصادية سعودية ضد لبنان هدفها الضغط على القوى السياسية المسيحية للتأثير على موقف رئيس الجمهورية (الموقع المسيحي الأول ضمن المحاصصة الطائفية في لبنان) الذي يؤيد الحزب بشكل كامل". وعلى الصعيد الشعبي يُنظم التيار مجموعة نشاطات شعبية (مواكب سيّارة، احتفال في ساحة الشهداء في بيروت وساحات المناطق...) لمواكبة عودة الحريري، والإضاءة على حالة التضامن الشعبي معه.
كما مهّد "تيار المستقبل" لعودة الحريري إلى بيروت سياسياً أيضاً من خلال الاجتماعات المُتكررة التي عقدتها كتلة المستقبل النيابية خلال غيابه، وجددت فيها التمسك بالحريري كرئيس للتيار، ومرشح عنه لموقع رئاسة الحكومة بعد محاولات سعودية لتنصيب شقيق سعد، بهاء الحريري، كخليفة للإرث السياسي لعائلة الحريري. ولا يزال غير واضح مصير الطقم السياسي الذي واكب الحريري منذ اغتيال والده رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، عام 2005، وبالتحديد مدير مكتبه نادر الحريري، والنائب عقاب صقر، والوزير غطاس خوري، والنائب السابق باسم السبع، الذين تشير إلى معظمهم الأصابع السعودية بوصفهم المسؤولين عن التسوية الرئاسية التي زادت من استحكام حزب الله في لبنان.
"استقالة، فتكليف جديد، ففراغ"؟
من المتوقع بعد إعلان استقالة الحريري من بيروت وبشكل رسمي، أن يُعيد رئيس الجمهورية ميشال عون، تكليفه بتشكيل حكومة جديدة. وعندها سيتصدر عنوانا تشكيل الحكومة وإجراء الانتخابات النيابية المُقررة في مايو/أيار المقبل واجهة الخلاف السياسي في لبنان، إلى جانب الخلاف حول سلاح "حزب الله". علماً أن عون وحزب الله بالذات وباقي المكونات السياسية الأساسية مُتمسكون بترشيح الحريري لرئاسة الحكومة. وفي حال ربط الحريري تشكيل حكومته الثالثة (ترأس الأولى عام 2009 وأسقطها حزب الله وحلفاؤه بعد استقالة 11 وزيرا منها عام 2011) بنقاش سلاح حزب الله، فإن الأزمة قد تطول خصوصا أن اللبنانيين حاولوا حل مسألة سلاح الحزب طوال سنوات ودون أي نتيجة (اتفاق الدوحة 2008، الاستراتيجية الدفاعية 2010، إعلان بعبدا 2012، والتسوية الرئاسية 2016).