أظهر استطلاعان، عربيّ وغربيّ، نُشرا بالتزامن مع "الانتخابات" الرئاسية السورية، تقارباً بالنتائج في رفض قطاع واسع من السوريين (اللاجئين تحديداً)، وكذلك شعوب محيطه العربي والتركي، لترشح بشار الأسد للرئاسة في دورة ثالثة مدتها سبع سنوات.
ففي استطلاع لمركز PEW RESEARCH CENTER، أجري في تونس ومصر والأردن وفلسطين ولبنان وتركيا، واطّلع "العربي الجديد" على نتائجه، يظهر أن غالبية كبيرة من المستطلعة آراؤهم لديهم موقف سلبي من بشار الأسد، ويرون أن عليه التنحي عن السلطة بعد كل هذا الدم الذي سال في سورية، والدمار الذي طال بناها التحتية. ويبدو أن الانتخابات السورية، معروفة النتائج مسبقاً، لن تغير شيئاً يُذكر في مواقف غالبية المستطلعة آراؤهم، على ما تظهر نتائج الاستبيان.
ومعروفٌ أن هذه الانتخابات تحصل وسط تمزّقٍ واسع للخريطة الجغرافية والبشرية السورية، وخروج مناطق واسعة من البلاد عن سيطرة النظام، وبالتالي في ظل استحالة إجراء العملية الانتخابية فيها، ما يفقدها أية شرعية يمكن أن يعتد بها "المرشح" بشار الأسد. ويرى استطلاع المركز الاميركي المستقل، أن قلة من زعماء العالم يحظون بسمعة سلبية كالتي تحيط ببشار الأسد، ويبدو أن هذا الرأي حيال الأسد، الذي ارتكبت قواته وقوات حلفائه مجازر اعتبرتها هيئات دولية جرائم ضد الانسانية، قد انعكس صداه في الأرقام التي توصّل إليها باحثو المركز. فقد ظهر أن 78 في المئة من الأردنيين يرفضون إعادة انتخاب بشار الأسد رئيساً، بزيادة 11 في المئة عن استطلاع أجراه المركز نفسه عام 2012. وأبدى 71 في المئة من الاتراك المستطلعين، موقفاً مماثلاً لموقف العينة الأردنية، بزيادة 17 في المئة عن العام 2012. وأعرب ثلثا المصريين، تقريباً، (66 في المئة)، عن رأي مماثل لرأي الاتراك والاردنيين، بزيادة نسبتها 18 في المئة عن العام 2012، ذلك أن تسعة من أصل عشرة مصريين قالوا إن على الاسد أن يرحل، وكذلك نسبة مماثلة من الاردنيين، بينما تبنّى هذا الرأي 65 في المئة من التونسيين، بانخفاض، للمفارقة، من نسبة 88 في المئة التي كان هذا رأيها في عام 2012.
أما في لبنان، فقد انقسمت الآراء على صورة انقسامه الأهلي والطائفي. فهناك نصف اللبنانيين ضد بشار الأسد، فيما هناك ثلاثة من عشرة يتمسكون، بقوة، ببقاء الأسد في السلطة. وعلى الصعيد الطائفي، أظهر استطلاع المركز الاميركي أن 74 في المئة من السنة ضدّه، مقابل 62 في المئة من المسيحيين. أما على الطرف الآخر من المعادلة اللبنانية، فقد أظهر الاستطلاع أن ما نسبته 76 في المئة من الشيعة يؤيدن بشار الأسد بقوة.
اللاجئون السوريون: لا لبشار
وكان "المركز العربي لدراسة السياسات" قد أجرى استطلاعاً بين اللاجئين السوريين في 377 مركزاً من مراكز اللجوء، أظهر نتائج يمكن تعميمها على الواقع السوري الراهن، باعتبار أن النسبة العظمى من اللاجئين ليست مسيَّسة، ولا تنتمي الى أحزاب سياسية سورية معارضة، بل هي شرائح متنوعة من أهل الارياف والمدن دفعتهم حرب النظام إلى مغادرة ديارهم لمناطق لجوء في الاردن ولبنان وتركيا، وبعض المناطق السورية المحاذية للحدود مع تركيا، وهذه هي المناطق التي قام نحو 400 من الباحثين المتعاونين مع المركز بإجراء الاستطلاع فيها.
وقد أظهرت نتائج استطلاع "المركز العربي" أن 78 بالمئة من اللاجئين السوريين يؤيدون تنحّي بشار الأسد، في مقابل 17 في المئة رأوا أنه الأفضل والأقوى لحكم سورية.
وتظهر نتائج الاستطلاع، الأكبر من نوعه حتى الآن، تزايد نسبة السوريين المؤيدين للثورة (على الرغم من انتكاستها وتسلل متشددين وإرهابيين إلى صفوفها، كدولة الاسلام في العراق والشام "داعش" مثلاً) بدل أن تنخفض مع ما يبدو عليه الوضع في سورية من قتامة وانسداد للأفق أمام حلول قريبة.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا: ألا يعرف بشار الأسد، وهو يجري هذه "الانتخابات"، أن قلة من السوريين ستؤيد بقاءه في السلطة (لاعتبارات عديدة لا مجال لذكرها هنا)؟ الجواب الذي لا يحتاج إلى بحث ولا إلى أرقام: نعم يعرف، لكنّهَ يفعل ذلك كي يؤكد لقطاع من السوريين، خائف أو مرتبط، على نحو عضوي بنظامه، أنه لا يزال رئيساً بالفعل، وأنه حريص على "الاستحقاقات" الدستورية في وجه خصومه الذين يسعون إلى "هدم الدولة". لكن هل مَنْ يصدّق هذه الرواية من خارج دائرة هذا الجمهور الذي بات يشكل أقلية، بحسب استطلاعات رأي الذين ظلوا على قيد الحياة في سورية؟